الأربعاء 2018/07/04

واشنطن بوست: حان وقت تقسيم سوريا

بقلم: جمال خاشقجي

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات 


وعدت الولايات المتحدة بأنها ستتخذ "إجراءات حازمة ومناسبة" لضمان تطبيق وقف إطلاق النار في الجنوب السوري. ومع ذلك، فإن بشار الأسد، جنباً إلى جنب مع القوات الروسية والإيرانية، يتقدمون نحو الجزء الجنوبي من البلاد، حيث قامت قوات النظام بشنّ ضربات جوية.

تعتمد قوات النظام نفس التكتيك القديم للقيام بكارثة إنسانية جديدة كالتي حدثت في حلب، وفي الغوطة الشرقية شهر آذار/ مارس من العام الماضي. يُعتبر جنوب سوريا منطقة محرّرة، كما تعتبر مدينة درعا مهد الثورة السورية التي لم تسقط بعد.  يعيش في هذه المنطقة نحو مليون سوري في خوف وتوتر دائمين من انتقام النظام، حيث اضطُر بعضهم إلى الفرار باتجاه الأردن، التي ترفض استقبال المزيد من اللاجئين.

لقد حان الوقت لكي تتقدم الولايات المتحدة وتعيد تأكيد سلطتها التقليدية في المنطقة. فهذه ليست وظيفة الروس أو الإسرائيليين، كلاهما قادر على إبرام صفقة لكن ستبقى مقيّدة بشروط مُلحقة. على الرغم من امتلاك إيران أوراقاً استراتيجية في سوريا، فإن احتمال نجاحها في تلك المهمة غير وارد، ومن ثم فإن الولايات المتحدة ستكون الوسيط الوحيد الأمين من بين الجهود الدولية، لاستعادة الأمن والسلام وتحقيق العدالة لكل السوريين.

من أجل تحقيق السلام في سوريا، يجب حماية الجزء الجنوبي من البلاد، حيث لم يستطع الأسد تحقيق نصر كامل في تلك الأراضي، كما إن الأراضي التي تقع خارج سيطرته يسودها الخوف ولا أمل لها في الازدهار والتقدم.

يجب على الولايات المتحدة اقتراح تقسيم لسوريا. يمكن للأسد أن يحافظ على ما يسيطر عليه، ويمكن للثوار العمل على تشكيل حكومات محلية وإنشاء كيان جديد. مع الاعتراف والدعم الدوليين، سيكون من الممكن إجراء انتخابات المجالس المحلية، والحد من الأفراد المتشددين، ووضع حد للقتال الذي زعزع استقرار المنطقة وخلق أزمة اللاجئين التي تنتشر عبر أوروبا.

سيشكّل كل من القاعدة وتنظيم الدولة تهديداً دائماً في تلك المناطق، لكن من المحتمل أن يقاوم المجتمع السوري المحلي وجودهما ، إذا كانت هناك قوى دولية وإقليمية تدعم التطلعات السورية للحكم المدني المعتدل.

يمكن اعتبار ما يحدث في عفرين نموذجاً عن سوريا الجديدة، حيث يقوم الأتراك بتدريب الشرطة وتنظيم المجالس المحلية، أو حتى ما يحدث في منطقة شرق الفرات، حيث تخضع هذه المناطق إلى سيطرة القوات الكردية. لقد توصّل الأمريكيون والأتراك إلى تفاهم دفع بهذه القوات إلى التعايش في مدينة منبج. يمكن أن يكون هذا هو الأساس لتعاون أوسع نطاقاً بين العديد من الأحزاب في مناطق شمال سوريا وشرق الفرات. فالأتراك مستعدون لتدريب المزيد من عناصر الشرطة السورية المحلية، وحتى البدء في إعادة الإعمار إذا ما تم أخذ مخاوفهم حول تشكيل الأكراد منطقة مستقلة بعين الاعتبار.

من الضروري حماية مختلف مناطق البلاد، وأفضل طريقة لضمان القيام بذلك هو تطبيق تدابير الحكم الذاتي، إذ يمكن للسكان المحليين واللاجئين العائدين الاستفادة من مدوّنات القانون السوري، التي صاغها نواب البرلمان المنتخبون، لبدء تشكيل بنية أساسية مدنية جديدة.

إذا تُركت هذه المناطق للعيش في سلام لبضع سنوات، فإنها سوف تزدهر وسوف يعود اللاجئون الذين لم يستطيعوا العيش في أماكن أخرى، ومن المتحمل كذلك أن يتوجه السوريون القابعون تحت قبضة الأسد إلى تلك المناطق. إذ إن هناك نحو ستة ملايين سوري يعيشون كلاجئين في كل من الأردن ولبنان وتركيا، وهؤلاء قد يرغبون في العودة إلى مدنهم وقراهم.

ستكون هذه المناطق الحرة، التي تديرها مجالس منتخبة، نموذجًا في المستقبل، ولاسيما إذا ما حققت نجاحاً اقتصادياً نسبياً. وسيأتي اليوم الذي سيكون فيه العالم أكثر رغبة في إنهاء تقسيم سوريا، ويمكن للمرء أن يتخيل يوماً سيجلس فيه ممثلو المناطق المحررة مع ممثلي النظام للتفاوض على إعادة توحيد سوريا أكثر ديمقراطية.