السبت 2018/09/08

واشنطن بوست: ترامب يتبنى “استراتيجية جديدة” في سوريا


بقلم: كارين دي يونغ

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


وافق الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي كان يريد سحب القوات الأمريكية من سوريا قبل خمسة أشهر فقط، وافق على تبني استراتيجية جديدة تقوم على إبقاء الجهود العسكرية التي تقوم بها هذه القوات في سوريا، إلى أجل غير مسمى، وإطلاق مبادرة دبلوماسية رئيسية لتحقيق الأهداف الأمريكية بسوريا، وفقاً لمسؤولين كبار في وزارة الخارجية الأمريكية.

على الرغم من أن الحملة العسكرية ضد "تنظيم الدولة"  قد انتهت بشكل كامل، فقد قامت الإدارة الأمريكية بإعادة تحديد أهدافها في سوريا، والتي تشمل إخراج جميع القوات العسكرية الإيرانية والقوات الموالية لها من سوريا، وإنشاء حكومة لا تهدد مواطنيها، ويؤيدها جميع السوريين والمجتمع الدولي.

بحسب مسؤولين في الوزارة، ينبع هذا التغيير في موقف الرئيس من تزايد الشكوك حول قدرة روسيا في أن تكون شريكاً جيداً للولايات المتحدة، والتشكيك في عزمها على المساعدة في إخراج إيران من المنطقة، وهو ما جاء عكس توقعات ترامب. تعد كل من روسيا وإيران حلفاء رئيسيين لبشار الأسد حيث ساهما في محو وطمس جهود الثوار الرامية لعزل الأسد على مدى سنوات.

صرح جيمس جيفري، وهو مسؤول دبلوماسي رفيع المستوى عُيّن الشهر الماضي ممثلا لوزير الخارجية مايك بومبيو في سوريا، قائلاً: " تتلخص السياسة الجديدة في عدم سحب القوات الأمريكية من سوريا قبل نهاية السنة كما كان مقررا". تقدر أعداد الجنود الأمريكيين الذين يحاربون تنظيم الدولة في سوريا بنحو 2200 جندي منتشرين في الثلث الشرقي من البلاد. وقال جيفري إن قرار بقاء القوات الأمريكية في سوريا جاء لضمان مغادرة إيران و "القضاء" على تنظيم الدولة بشكل كامل.

مضيفاً أن "هذا يعني أننا لسنا في عجلة من أمرنا". ردا على سؤال وجه إليه عما إذا كان ترامب قد قام بالتوقيع على ما أسماه "اتباع نهج أكثر فعالية"، قال جيفري 'إنني متأكد من أن الرئيس موافق على ذلك".

رفض جيفري إعطاء أية معلومات عن أي مهمة عسكرية جديدة، لكنه ركز على القيام "بمبادرة دبلوماسية كبرى" في الأمم المتحدة ومناطق أخرى، والتحكم في استخدام الوسائل الاقتصادية المتاحة، والتي تضم فرض المزيد من العقوبات على إيران وروسيا، والرفض المعلن للولايات المتحدة تمويل إعادة إعمار المناطق التي يسيطر عليها الأسد في سوريا. ولكن السياسات الفعالة التي قام جيفري بعرضها مستعملاً عبارات مُبهمة، يمكن أن تزيد من احتمال مواجهة مباشرة مع إيران وروسيا.

يأتي قرار الولايات المتحدة بلعب دور أكبر في سوريا بعد سنوات عديدة من الانتقادات الواسعة التي وجهها صناع القرار والمحللون السياسيون لكل من ترامب وسلفه باراك أوباما، بعدم تبني استراتيجية واضحة بخصوص سوريا. فقد أصر ترامب، مثلما فعل أوباما من قبله، على أن مصالح الولايات المتحدة ترتكز على هزيمة "تنظيم الدولة" ورفض المشاركة في الحرب السورية، على الرغم من ازدياد نفوذ إيران وروسيا بالمنطقة.

يعمل كل من جيفري والكولونيل المتقاعد، جويل رايبورن، الذي تم تعيينه في وزارة الخارجية الشهر الماضي "كمبعوث خاص لسوريا"، على إنشاء مخطط موحد يَحُول دون تكرار ما تعتبره الإدارة الأمريكية "أخطاء" ارتكبتها خلال حربها على العراق، حيث ترك الانسحاب الأمريكي السريع المجال مفتوحا أمام إيران والمتطرفين، ما أدى إلى ظهور ما يعرف اليوم باسم "تنظيم الدولة".

أدرج بومبيو انسحاب إيران من سوريا ضمن 12 مطلباً أميركياً موجَّهاً لطهران في أيار/مايو الماضي، خلال خطاب ألقاه في مؤسسة التراث.

قال جيفري إن سياسة الولايات المتحدة لا ترتكز على "رحيل الأسد" مضيفا أنه " لا مستقبل لهذا الأخير في سوريا، لكن مهمة التخلص منه ليست ضمن أولوياتنا". كما أضاف قائلا إنه من الصعب تخيل الأسد كرئيس قادر على "الامتثال لمطالب الولايات المتحدة والمجتمع الدولي" أو كرئيس "لا يشكل تهديدا على جيرانه" و "تهديدا على سلامة مواطنيه، ولا يسمح باستخدام الأسلحة الكيمياوية أو جعل سوريا مسرحا لمخططات إيران".

ستَجري المحاولة الأولى لتوسيع دور الولايات المتحدة في سوريا عاجلا أو آجلا في إدلب الواقعة شمال غرب البلاد.

تعد محافظة إدلب آخر معقل للثوار بعد سبع سنوات من الحرب، أجبر خلالها الأسد، بمساعدة من القوات الروسية والإيرانية، قوات المعارضة على الاستسلام؛ حيث أدت تكتيكات "الأرض المحروقة"، واستخدام الأسلحة الكيمياوية إلى قتل مئات آلاف المدنيين والدفع بملايين أخرى إلى النزوح.

تضم إدلب 70 ألفا من مقاتلي المعارضة، بالإضافة إلى نحو مليوني نازح، بالإضافة إلى عدد من الناشطين والعاملين في مجال الإغاثة، بالإضافة إلى عدد من القوات العسكرية التركية التي أبعدت المليشيات الكردية عن الحدود السورية- التركية.

 

حضر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يخشى تدفق موجات جديدة من اللاجئين السوريين، قمة طهران يوم الجمعة الماضي بمشاركة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني.

يستعد الأسد لشن هجوم نهائي على إدلب، في الوقت الذي بدأت فيه الطائرات الحربية الروسية هذا الأسبوع بقصف المنطقة. حذرت المنظمات الإنسانية من سفك دماء المدنيين بشكل غير مسبوق، كما توعد ترامب نفسه برد أمريكي في حال شن هجوم شامل على المنطقة، ولا سيما باستخدام الأسلحة الكيماوية.

وقال ترامب الأربعاء الماضي "سيشعر العالم بغضب كبير في حال حدوث مجزرة هناك، والولايات المتحدة أيضا ستكون غاضبة جدا"، كما قال كل من بومبيو وجيفري إنهما قد أوصلا الرسالة نفسها هاتفياً لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في حين قال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جون بولتون، في اجتماع عقد مؤخرا مع نظيره الروسي الأمر نفسه.

وقد اتهمت روسيا، التي قامت بتعزيز قواتها البحرية في المنطقة في الأسابيع الأخيرة الماضية، الولايات المتحدة بالاستعداد لـ"فبركة" هجوم بالأسلحة الكيماوية لتبرير تدخل عسكري من قِبَلها.

قال جيفري عن الوضع في إدلب "في الوقت الذي توافق فيه الولايات المتحدة على أنه يجب القضاء على المقاتلين المتطرفين، فإنها ترفض الفكرة القائلة بأنه علينا التوجه إلى هناك... للقضاء عليهم، فعظم الموجودين هناك.. ليسوا إرهابيين، ولكنهم أناس يخوضون حربا أهلية ضد دكتاتور غاشم"، هذا بالإضافة إلى ملايين المدنيين.  وبدلا من ذلك، دعت الولايات المتحدة إلى تبني نهج يعتمد على تعاون الجهات الفاعلة الأخرى.

وقال جيفري 'لقد بدأنا بنهج استراتيجية جديدة، مشيراً إلى التحذيرات السابقة ضد استخدام الأسلحة الكيمياوية. مؤكدا أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع  "أي هجوم جديد".

أكد جيفري قوله إن "أي هجوم غير مرغوب فيه هو تصعيد متهور بالنسبة لنا، بالإضافة إلى استخدام الأسلحة الكيمياوية، أو مهاجمة المدنيين الأبرياء والتسبب في موجات جديدة من اللاجئين والتداعيات المترتبة على ذلك والتي ستؤدي إلى تغيير موقفنا والدفع بنا إلى استخدام كل الوسائل وإيجاد سبل لتحقيق أهدافنا".

أمر ترامب مرتين بشن هجمات جوية وصاروخية على أهداف تابعة للنظام كنوع من الرد على استخدام هذا الأخير للأسلحة الكيمياوية.

ردا على سؤال حول إذا ما كانت الولايات المتحدة ستشن ضربات خاصة ضد "المتطرفين" في إدلب، قال جيفري، 'لقد طلبنا مرارا وتكرارا الحصول على إذن للقيام بعمليات هناك، و "ستكون هذه العمليات إحدى وسائل الرد".. "إننا اليوم في مرحلة جديدة، حيث تواجه القوى الموجودة في سوريا بعضها، عوض السعي وراء تحقيق أهدافها الخاصة"، مشيرا إلى أن كلاً من روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا وإسرائيل، التي وجهت ضربات جوية ضد المليشيات الموالية لإيران داخل سوريا، أنجزت جميع هذه القوى أهدافها الرئيسية في سوريا "إلا أنها غير فرحة بما حققته".