السبت 2018/08/25

واشنطن بوست: ترامب “قصير النظر” في سوريا


المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


قد تكون الحرب في سوريا على وشك دخول منعطف سيّئ آخر. أفادت تقارير أن نظام الأسد والقوات المتحالفة معه بصدد حشد قواتها من أجل شن هجوم محتمل على محافظة إدلب الشمالية، آخر المناطق التي لم تخضع بعد لسيطرة النظام. يوجد عشرات آلاف المقاتلين من الثوار، ومقاتلي تنظيم القاعدة، إلى جانب نحو ٣ ملايين مدني، معظمهم لاجئون من مناطق أخرى من البلاد. قد يؤدي هجوم النظام المحتمل إلى قتل الآلاف والدفع بموجة جديدة من اللاجئين نحو البلدان المجاورة وأوروبا. وفي الوقت الذي قد تؤدي فيه جهود إيران للتوغل في البلاد أكثر إلى نشوب حرب مع إسرائيل.

 

يدرك خبراء الأمن القومي في إدارة ترامب هذه الأخطار جيداً. في الأسبوع الماضي، كَلف وزير الخارجية مايك بومبيو، الدبلوماسي المحنك "جيمس جيفري" مبعوثاً خاصاً إلى سوريا، بمهمة إنعاش عملية سلام برعاية الأمم المتحدة. وفي إحاطة إعلامية، قال مسؤولون كبار للصحفيين إن القوات الأمريكية المتمركزة شرقي سوريا لن تغادر في الوقت الحالي، وأصروا على أن مساعدات إعادة الإعمار الموجهة للمناطق التي يسيطر عليها النظام سيتم تجميدها إلى حين البدء بعملية سياسية مقبولة.

يوم الأربعاء الماضي، حذّر مستشار الأمن القومي، جون بولتون علناً، نظام بشار الأسد من استخدام الأسلحة الكيمياوية في أي هجوم جديد، وقال إن الولايات المتحدة مصممة على "التعامل مع الوجود الإيراني في البلاد".

من المرجّح أن تواجِه الاستراتيجيات التي تتبنّاها الولايات المتحدة في سوريا عقبات كثيرة، بما في ذلك المناورات الروسية، التي تقول إن الهدف منها كبح جماح النظام وإزاحة الإيرانيين. إن المشكلة الوحيدة في سياسة الولايات المتحدة هذه هي أنها تتعارض مع المواقف المعلنة للرئيس ترامب. لقد أعلن ترامب مرارا وبصرامة أنه يرغب في سحب القوات الأمريكية من سوريا في أقرب وقت ممكن، وأصر على إلغاء المساعدات الأمريكية إلى المنطقة التي تنتشر فيها قوات النظام. وبعد اجتماع خاص له مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي الشهر الماضي، بدا وكأنه يؤيد خطة روسيا لإعادة إعمار سوريا، التي لا ترتبط بأي عملية سلام.

يحاول مساعدو ترامب بالأساس إقناعه بالإبقاء على الوجود الأمريكي في سوريا والضغط على روسيا بدلا من دعمها. وهي رؤية سياسية يمكن اعتبارها معقولة،  أو على الأقل أفضل خيار بين مجموعة من الخيارات السيئة،  ولكن رفض الرئيس يعني أن فرصة نجاح هذه الاستراتيجية ضئيلة جدا.

لاسترضاء ترامب، قام المسؤولون بجمع نحو ٣٠٠ مليون دولار من السعودية وحلفاء آخرين من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة المحيطة بمدينة الرقة الشرقية، عاصمة تنظيم الدولة سابقاً، التي تسيطر عليها الآن القوات الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة. يفوق هذا المبلغ بكثير المبلغ الذي قام الرئيس ترامب بتجميده، الذي يقدر بنحو ٢٣٠ مليون دولار. لكن التغريدة التي تلت هذا القرار كشفت مرة أخرى عن وجهة نظره الكامنة،  فقد أطلق عليها اسم المعونة الأمريكية "السخيفة"، وهو أمر لا يزعزع الثقة في الالتزامات الأمريكية الأخرى. في ظل هذه الأوضاع، يدرك الأكراد جيدا حالة عدم الاستقرار التي تميز الوجود الأمريكي، وقد بدؤوا بالتفاوض مع نظام الأسد حول تسويةٍ خارج العملية التي ترعاها الأمم المتحدة. لقد سبق لإسرائيل أن أبرمت اتفاقها مع روسيا لإبعاد القوات الإيرانية عن حدودها.

إن ما تراه كل الأطراف في سوريا ليس فقط غياب عنصر الحسم في سياسة الولايات المتحدة، بل إنهم يرون أيضًا إدارة ترامب غير قادرة على صياغة استراتيجية واضحة للدفاع عن المصالح الأمريكية هناك،  وذلك بفضل ضعف تقدير الرئيس ترامب لما يجري.