الثلاثاء 2018/06/26

نيويورك تايمز: إيران تسير نحو التغيير دون تدخل ترامب

بقلم: توماس إردبرينك

المصدر: نيويورك تايمز

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


صرح الرئيس ترامب بالقول إن قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي له بالفعل تأثير كبير على إيران، يقول الإيرانيون إنه على حق، لكن لأسباب مختلفة.

كما صرح ترامب هذا الشهر أن إيران قد بدأت بتغيير سياستها في المنطقة، ما يعني ضمنياً أن قادتها قد بدؤوا بالتراجع في سياساتهم على إثر الخطوة الأمريكية.

وأضاف ترامب للصحفيين: "أن البحر المتوسط لم يعد نصب أعينهم ولم يعد يهمهم ما يحدث في سوريا كما في السابق أو ما يحدث في اليمن والكثير من الأماكن الأخرى، لقد أصبحت إيران بلدا مختلفا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، فلم تعد كما كانت عليه، كما إن قادتها قد غيّروا من سياساتهم".

لكن محلّلين يرون عكس ذلك، فلم يحدث تغيير يُذكر في الموقف الإقليمي لإيران، مؤكدين أن التأثير الحقيقي حصل على مستوى السياسة الداخلية، وقمع أقل المعارضين خطورة خاصة بعد إعادة فرض العقوبات عليها.

وقال المتحدث باسم حزب ماردومسالاري المعارض، ميرزابابا متاهارينزاد: "لقد كانت تجري عملية تغيير على مستوى السياسي والاقتصادي داخل إيران، ولسوء الحظ فإنه بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، فإن سياسة الانفتاح توقفت، واشتدت عمليات القمع ضد الناشطين".

لا يبدو أن إيران قد تنازلت عن أحلامها في المنطقة؛ ففي الأسبوع الماضي أشار قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، إلى أن حليف طهران في لبنان، حزب الله، لديه 100 ألف صاروخ على استعداد لتدمير إسرائيل.

في حين قتل ثلاثة جنود إيرانيين هذا الشهر خلال المعارك في سوريا، والتي لعبت إيران دوراً حاسماً في بقاء الأسد بالسلطة فيها. فبالنسبة للزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي، ما زالت إسرائيل "ورمًا سرطانيًا" يجب إزالته.

يقول حسين شيخ الإسلام، المستشار الخاص لوزير الخارجية الإيراني: "لدى ترامب هذا الوهم بأنه بعد أن انسحب من الاتفاق النووي فإن طهران ستكون مضطرّة لتغيير سياساتها في كل من سوريا واليمن والعراق وفلسطين. ليس هناك سبب يدفعنا لفعل ذلك".  مضيفاً: "إذا قامت إيران بتغيير سياساتها فإنه بالتأكيد ليس لترامب علاقة بذلك أو البيت الأبيض أو أي مكان آخر".

ويتفق معظم المحللين الغربيين مع هذا التقييم، إذ يقول والتر بوش، خبير الشرق الأوسط في أكاديمية الدفاع الوطني بفيينا: "تعيد إيران النظر في الدور الذي تلعبه في المنطقة، ولكن ليس لترامب علاقة مباشرة بذلك فقد قامت طهران باستنزاف مواردها، وهي اليوم غير قادرة على فرض سيطرتها في سوريا وتضغط على إسرائيل بشكل غير مباشر دون أن تدفع بهذه الأخيرة إلى شن هجمات، بالنسبة لإيران فالأمر يزداد صعوبة كل يوم".

بعيدا عن مناطق الصراع في الشرق الأوسط، وبالأزقّة الصغيرة لأسواق طهران ووكالات السيارات الأخرى في الأجزاء الشمالية الغنية من المدينة، فإن انسحاب ترامب من صفقة النووي قد أضاف بالتأكيد المزيد من المشاكل الاقتصادية، وأسهم بزيادة التوتر السياسي.

يوم الاثنين الماضي، تجمّع خارج مبنى البرلمان في طهران العشرات من الإيرانيين للشكوى والاحتجاج بسبب تردي الوضع الاقتصادي، حيث اضطرت الشرطة لإطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريقهم، كما أغلق "البازار الكبير" أبوابه بسبب الاحتجاجات.

لقد كان اقتصاد إيران في وضع سيء مسبقاً. ففي أقل من عام، انخفض سعر صرف الريال الإيراني بنسبة 50% مقابل الدولار. كما جاء في بيان صندوق النقد الدولي أنه قد تم سحب مبالغ قياسية من رأس المال خلال العام الماضي وصلت قيمتها إلى 27 مليار دولار. وخلال خطبة عيد الفطر، قال المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، إنه على الإيرانيين أن يتوقّفوا عن القيام برحلات ترفيهية إلى الخارج لضمان عدم خروج العملات الأجنبية.

أدت أزمة العملة في إيران إلى ارتفاع حادّ في أسعار السلع المستوردة، كما أقبل الناس على شراء العقارات والذهب والسيارات لحماية مدّخراتهم، وهو ما أدّى إلى ارتفاع أسعار تلك السلع.

يقول أسجار كوهباي الذي يبلغ من العمر 55 عاما، وهو تاجر يعمل كبائع بيض بالجملة "لقد أصبح العثور على مكان آمن لمدخراتي شبه مستحيل"، وقال إنه لطالما استعمل مدخراته في شراء السيارات، لكن لم يستطع فعل ذلك هذه السنة.  فسيارة تويوتا نوع (RAV4) طراز متوسطة الحجم، والتي تكلف حوالي 25 ألف دولار في الولايات المتحدة وتباع في إيران بملغ 68 ألف دولار هنا في آب/ أغسطس الماضي، تكلف الآن نحو 100 ألف دولار".

مضيفاً.. "لقد ارتفعت أسعار كل شيء، حتى السيارات المنتجة محلياً أصبحت الآن أغلى بنسبة تصل إلى 40%، لست الوحيد غير القادر على شراء سيارة جديدة، ولكن من يستطيع شراءها منّي بهذه الأسعار؟".

إن احتمال فرض عقوبات وضغط يرعبه، حيث قال "يبدو الأمر وكأن كل شيء يخرج عن نطاق السيطرة لذا يجب أن نفعل شيئاً لوقف هذا".

يتشارك العديد من الإيرانيين المخاوف نفسها حيث يلقي العديد منهم باللائمة على قادتهم بدلاً من إلقاء اللوم على ترامب أو غيره، ففي خضمّ هذه المشاكل، بدأت السلطات في إيران في التعامل بحساسية مفرطة مع أي حركة فيها تعبير عن المعارضة.

ويقول رضا خاندان، زوج نسرين سوتوده، المحامية الإيرانية البارزة في مجال حقوق الإنسان، والتي اعتُقلت الأسبوع الماضي، "إن تأثير انسحاب ترامب من الصفقة النووية منخفض للغاية، فلو تم تنفيذ الاتفاقية النووية بالكامل، فإن سوء الإدارة داخل البلاد كانت ستؤدّي إلى إهدار عائدات النفط وغيرها من الواردات، نحن في دولة اقتصادية واجتماعية سيئة، لا علاقة لها بترامب والعقوبات التي فرضها أو سيفرضها".

وفي الأسبوع الماضي، انتاب السلطات الإيرانية غضب عندما تمت مشاركة منشور لعلي كريمي، نجم كرة القدم الإيراني السابق، على موقع انستغرام 800 ألف مرة حيث طالب في منشوره بمقاطعة للسلع.

وكتب في المنشور: "دعونا لا نشتري أي شيء من السوق لمدة شهر، لا ذهب ولا سيارات ولا أي شيء مرتفع التكلفة"، داعياً الجميع إلى "دعم هذه الحملة حتى تقطع أيدي اللصوص التي تنهب خيرات هذا البلد".

السيد كريمي، الذي انتقد السلطات بسبب سياساتها في منع النساء من دخول ملاعب كرة القدم، تم تحويله إلى محكمة تعنى بالأمور المتعلقة بالإعلام لتوضيح دوافع حملة المقاطعة، ولا تزال قضيته قيد المراجعة حتى الآن.

تم استدعاء العديد من المحررين والصحفيين والشخصيات البارزة أمام نفس المحكمة لاستجوابهم. كما زاد ضغط السلطات القضائية على المعارضين، وخصوصا بعد اعتقال السيدة سوتوده.

أُعدِم سائق يدعى محمد سالاس شنقاً الاثنين الماضي حيث تمت إدانته بقتل ثلاثة من ضباط الشرطة من خلال دعسهم بالحافلة خلال احتجاجات الشتاء الماضي، حيث نفى السائق التهم الموجهة إليه قائلا إنه اعتراف تحت الإكراه. فيما ألقي القبض على محاميته، زينب طاهري، بعد يوم من إعدامه لأسباب لم يُكشف عنها.

وفي الوقت نفسه، قامت الحكومة الإيرانية بتخصيص أربعة ملاعب وست حدائق في أنحاء العاصمة كمواقع لمظاهرات الاحتجاجات القانونية في حال اندلاع احتجاجات جديدة بشأن الوضع الاقتصادي وارتفاع عدم الرضا السياسي.

في خطابه الأخير، أصر خامنئي، القائد الأعلى، على أن "كل شيء على ما يرام"، مضيفا أن " الإيرانيين متحمسون وأن أولئك الذين يروّجون لهذه الفكرة هم الذين أنهكم التعب".