الجمعة 2018/08/31

مقاتلو واغنر..مرتزقة روسيا المفضلون


بقلم: نييل هاور

المصدر: الأتلانتيك

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


شقت مرتزقة فاغنر، وهي شركة عسكرية خاصة، طريقها إلى إفريقيا - مع الكثير من المتطوعين الروس.

لا تزال مهنة الصحافة في روسيا غير آمنة، وخاصة عندما تكون مهمة هذا الصحفي التحقيق حول جيش مرتزقة خاص يشارك في نزاعات متعددة خارج البلاد.

في 30 تموز/ يوليو الماضي، قُتل ثلاثة صحفيين روس في جمهورية أفريقيا الوسطى أثناء التحقيق في موضوع خطير للغاية: الشركة العسكرية الخاصة الروسية فاغنر، وهي جماعة مرتزقة نشطة للغاية في النزاعين السوري والأوكراني.

كما عانى صحفيان روسيان آخران على الأقل أثناء القيام ببحث بخصوص مرتزقة فاغنر، بما في ذلك وفاة ماكسيم بورودين، الذي سقط فجأة من شرفته في يكاترينبورغ في نيسان /أبريل الماضي، ودينيس كوروتكوف، وهو صحفي من سان بطرسبرغ اضطر للاختباء بعد تلقيه تهديدات بالقتل بسبب تحقيقه بشأن هؤلاء المرتزقة. إن هناك الآن مؤشرات تدل على أن قوات فاغنر تعمل مع كل من المتمردين والقوات الحكومية في جمهورية أفريقيا الوسطى. كما التُقطت عدة صور لإحدى وحدات هذه المرتزقة من قبَل صحفيين لقوا حتفهم مؤخراً، كانوا يؤدون عملهم على الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون، على عكس ما أفادت به موسكو بأن القوات الروسية كانت هناك لمساعدة سلطات جمهورية أفريقيا الوسطى.

في الوقت الذي يحاول فيه هؤلاء المرتزقة إيقاف التحقيقات في أنشطتهم، فإن المعلومات المتوفرة تشير إلى الدور الكبير الذي تلعبه هذه المجموعة بالنسبة لموسكو داخل روسيا وخارجها. لقد سمحت هذه الاستراتيجية لموسكو بتحقيق نجاحات عسكرية دون المخاطرة بقواتها البرية، إلا أنها قد أدت إلى وضع حالة حرجة: فهؤلاء الجنود ذوو المهارات القتالية العالية الذين يتلقون أوامرهم من مجموعة من الرؤساء- وليس من الكرملين - يلعبون دورًا مركزيًا لا يمكن التنبؤ به في تشكيل السياسة الخارجية لروسيا.

على الرغم من أن العلاقة التي تربط مرتزقة فاغنر بالكرملين لا تزال غامضة، إلا أن هذه المجموعة قد أظهرت قدرة متنامية على إثارة المتاعب للسلطات الروسية. تعود نشاطاتها إلى عام 2013، عندما شاركت هذه المجموعة التي كانت معروفة آنذاك تحت اسم "الفيلق السلافي"، في مهمة كارثية في سوريا بناء على طلب من رجال أعمال دمشقيين غير معروفين. أحد قادة الفيلق السلافي، وهو عقيد سابق في الاستخبارات العسكرية الروسية يدعى ديمتري أوتكين، عاد للظهور بعد ذلك بوقت قصير، في أوائل عام 2014، ليقاتل شرق أوكرانيا على رأس جماعة مرتبطة بالمخابرات العسكرية الروسية تدعى "فاغنر بي إم سي".

لعبت هذه الجماعة دورا محوريا في المعارك الكبرى هناك، والعمل بشكل وثيق جنبا إلى جنب مع القوات العسكرية الروسية ووكلائها الانفصاليين خلال عام ونصف.

بعد إثبات قوتها في دونيتسك، انضم مرتزقة فاغنر إلى القوات الروسية في سوريا بعد وقت قصير من بدء عملياتها هناك في أيلول/ سبتمبر من عام 2015، حيث لعبت دوراً محورياً في الاستيلاء على تدمر ودير الزور. وقد عملت فاغنر كجزء من الجيش الروسي، لكن بشكل غير معلن.

يصل مرتزقة فاغنر إلى سوريا على متن الطائرات العسكرية الروسية، ويتلقون العلاج في المستشفيات العسكرية الروسية، ويعملون إلى جانب القوات الروسية النظامية في عملياتهم، كما يتم منحهم الميداليات العسكرية الروسية التي توقع شخصياً من قبل فلاديمير بوتين. وبدعم من القوة الجوية الروسية، استطاع هؤلاء المرتزقة مساعدة النظام على فرض سيطرته على معظم الأراضي في سوريا، وقادوا الهجمات ضد مواقع تنظيم الدولة وهو ما لم تستطع المليشيات التابعة للنظام القيام به.

وفي الوقت الذي يمكن فيه القول إن لدى روسيا تاريخا طويلا مع أوكرانيا، كما هو الحال بالنسبة لسوريا لكن على نطاق أضيق، لا يمكن قول الشيء نفسه حول أفريقيا الوسطى، وهو مجال التركيز الحالي لمرتزقة فاغنر. في أعقاب محادثات بين روسيا والسودان حول التعاون الأمني في أواخر العام الماضي، أظهر شريط فيديو مقاولين روسا يقومون بتدريب مليشيات محلية موالية للحكومة في البلاد.

ثم في آذار/ مارس من عام 2018، أصدر الكرملين بيانا مفاده أن 170 "مستشارا مدنيا" (والذين من الواضح أنهم من قوات فاغنر) قد وصلوا إلى جمهورية أفريقيا الوسطى لتدريب القوات الحكومية. في نهاية تموز/ يوليو الحالي، شوهد ٥٠٠ مقاتل من مرتزقة فاغنر على حدود السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى. هناك العديد من الشائعات حول وجودهم الآن أو مستقبلا في ليبيا، حيث أكد أحد القادة في مارس / آذار، أن مقاتليه سيتوجهون قريباً إلى هناك.

يبدو أن هذه التطورات تؤكد صحة التقارير التي قدمها صحفي روسي، في مارس / آذار، تطوع للتجنيد من أجل ولوج قاعدة التدريب الرئيسية في جنوب روسيا، حيث قيل له إن: "نصف رجالنا يستعدون للتوجه نحو أفريقيا".

لا تعتبر دول جنوب الصحراء الكبرى حلماً بالنسبة للمقاتلين الروس، لكن حافزًا ماليًا كبيرًا يجعل الأمر سهلا. في الوقت الذي انخفض فيه متوسط أجر مقاتلي فاغنر في العام الماضي بمقدار الثلث من قيمته الأولية (التي كانت تصل إلى 240 ألف روبل شهريًا، أي ما يقارب 3550 دولارًا)، لا يزال المعدل الحالي البالغ 160 ألف روبل يفوق بكثير الأجور المعتادة في روسيا. وقد أكدت المقابلات التي أُجريت مع عائلات مقاتلي فاغنر الذين قُتلوا، والعديد منهم من منطقة الأورال المدمرة في وسط روسيا، أن الأجور التي تمنحها هذه المجموعة كانت السبب الرئيسي لانضمام ذويهم في المقام الأول.

تلعب الدوافع الإيديولوجية أيضًا دورًا كبيرًا في جلب مرتزقة فاغنر وتجنيدهم. أصبح المجتمع الروسي أكثر عسكرة في السنوات الأخيرة، مع مبادرات حكومية جديدة لتجنيد أفواج الشباب وتلقينهم في سن مبكرة. تشجّع موسكو بنشاط هذه النزعة القومية المتشددة، تحت ستار "التعبئة الوطنية".

تستفيد فاغنر من هذه الموجة بشكل جيد بالنظر إلى رواتبها العالية والوعود بخوض مغامرات خارج روسيا. وقد صرّح أحد قادتها في الآونة الأخيرة أنه بالنسبة لمجنديهم، فإن الهدف واضح: "فحتى لو كانوا على بعد 10000كيلومتر من روسيا، فهم لا يزالون يحاربون من أجل وطنهم".

يمكن لمرتزقة فاغنر أن يلعبوا دورًا رئيسيًا في روسيا نفسها، وبالتحديد في جمهورية الشيشان.

في أعقاب سيطرة روسيا على الشيشان في أوائل العقد الأول من القرن الحالي بطريقة وحشية، يترأس اليوم الشيشان رمضان قاديروف، الذي يملك السلطة المطلقة بمباركة الكرملين ويوجد تحت إمرته عشرات الآلاف من قوات الأمن الموالية والمدربة تدريبا جيدا.

بالنسبة لفاغنر، فإن الشيشانيين ليسوا فقط غير مرغوب فيهم، فهم ممنوعون من الانضمام لهذه المجموعة، بحسب ما جاء على لسان أحد القادة. وعلى الرغم من ذلك، فقد قاتل مرتزقة فاغنر جنبا إلى جنب مع مقاتلي الشيشان في سوريا. وفي الوقت الذي يستمر فيه قاديروف في إعلان ولائه "كجندي مشاة في جيش بوتين"، فقد أصبح أكثر جرأة في السنوات الأخيرة، حتى إنه أصبح يتحدى سياسة الكرملين بشكل مباشر. كان هناك الكثير من التكهنات حول حدوث حرب شيشانية ثالثة وما الذي سيحدث عندما تنتهي ولاية بوتين الحالية عام 2024. وفي حالة حدوث صراع آخر، وانقلاب قديروف على أسياده السابقين، قد تلجأ موسكو إلى مرتزقة فاغنر من أجل تولي الأمر. وكما تظهر ملامح المقاتلين الذين قتلوا في سوريا، فإن العديد من مجندي فاغنر من قدامى المحاربين في الحروب الشيشانية. فعلى ما يبدو فإن مرتزقة فاغنر هم الحل الأمثل لمشكلة روسيا والشيشان.

تقدم مرتزقة فاغنر الحماية السياسية لبوتين أيضا. في العام الماضي، ألقى تنظيم الدولة القبض على اثنين من مقاتلين المرتزقة شرق سوريا، وقاموا بعرض فيديو مصور لهما. لو كان هذان المقاتلان في الجيش الروسي، كان سيكون رد فعل الشارع الروسي مدويا. وبدلاً من ذلك، تم تجاهل موضوع أسرهم، وصرح الكرملين قائلا إنهم "متطوعون على الأرجح".

لكن هذه الدرجة من الفصل بين مرتزقة فاغنر والقوات الروسية تضع المسؤولية على بوتين. تعمل قوات فاغنر خارج القوات المسلحة الروسية، ويمتثلون لأوامر قادتهم. في شباط/ فبراير الماضي، شن مرتزقة فاغنر هجوماً مفاجئاً على القوات الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة شمال شرق سوريا، نتج عن هذا الهجوم مئات الإصابات في معركة استمرت أربع ساعات استعملت فيها القوات الأمريكية قواتها الجوية بشكل كبير.

والنتيجة: كارثة في العلاقات العامة للكرملين، حيث سعى هذا الأخير جاهدا لتفسير الهجوم الذي قام به هؤلاء المرتزقة على مواقع الولايات المتحدة، كما قام بإخفاء حقيقة سقوط عشرات القتلى. انطلاقا من التفسيرات العشوائية للكرملين حول ما حدث، يبدو أن المسؤولين الروس لم يكونوا على علم بحجم الهجوم أو حتى الغرض منه، المتمثل في استهداف الأمريكيين، فوضع فاغنر يعتمد في نهاية المطاف على العلاقات الشخصية المتذبذبة بين كل من بريغوجين وبوتين وغيرهم من كبار المسؤولين في الكرملين، حيث شهدت فاغنر انخفاضًا حادًا في جودة الإمدادات العسكرية والدعم الجوي المقدم لقواتها في سوريا، على إثر خلاف سابق بين بريغوجين ووزير الدفاع سيرغي شويغو في منتصف عام 2016.

يبدو أن الهدف من وجود فاغنر هو تحقيق ما تسعى موسكو إليه في أماكن جديدة، حيث يعتبر وجود هذه القوات بأفريقيا الوسطى تجسيدا لهذه الاستراتيجية، إذ يسمح وجود مرتزقة فاغنر لروسيا بدخول بيئة أجنبية جديدة بأقل قدر من المخاطر، واستغلال الفرص السياسية والاقتصادية هناك. ويبدو أنهم قد قاموا باستغلال هذه الفرصة بشكل جيد، حيث أفادت تقارير أن الهدف من وجودهم هناك هو العمل كحراس أمنيين للرئيس فوستين آركينغ تواديرا.

إن انسحاب مئات الجنود الأمريكيين من إفريقيا وحالة الكراهية التي يشهدها سكان جمهورية أفريقيا الوسطى تجاه الفرنسيين، قد ترك هذه الجمهورية على حد وصف أحد مسؤولي الأمم المتحدة بـ "دون حماية، في انتظار من يستولي عليها".

كانت روسيا تتطلع خلال العقد الماضي إلى تقديم نفسها كقوة مهيمنة على الصعيد الدولي؛ ومن الطبيعي أن تكون إفريقيا الهدف التالي في السياسة الخارجية للكرملين بعد الغزوات الناجحة التي قامت بها في الشرق الأوسط، أضف إلى ذلك فرصة حصولها على موارد جديدة للذهب والماس، إذ من السهل معرفة السبب وراء سعي موسكو (ومرتزقة فاغنر) لدخول بلد كجمهورية إفريقيا الوسطى.

على الرغم من هذه العثرات، فقد كان العام الماضي ناجحًا بشكل كبير لشركة فاغنر. فقد شهدت إحدى مجموعات المناقشة التي تضم مقاتلي فاغنر على أحد مواقع التواصل الاجتماعي الروسية نشاطًا كبيرًا خلال الأشهر الستة الماضية. أعرب العديد من المستخدمين عن اهتمامهم بالانضمام، في حين ظهرت بعض المناقشات الساخنة. أحد المعلقين، الذي كان يتطلع إلى الانضمام، قيل له: "هذه ليست لعبة سخيفة كما تظن"، أجاب: "أعرف ما هي الحرب، لقد قاتلت من قبل في الشيشان".

هناك أيضا مؤشرات على أنه يجري تكرار نموذج فاغنر؛ ففي يوليو / تموز الماضي، ظهرت في الأوساط الروسية شركة غير معروفة، تدعى "باتريوت"، تجمعها علاقة جيدة بمسؤولي وزارة الدفاع، وتقدم رواتب أفضل من فاغنر. يمكن للمتعاقدين مع هذه الشركة أن يحصلوا على مليون روبل في الشهر، وهو مبلغ كبير بالنسبة لمن يعيشون داخل موسكو. لا يعرف أحد ما الدور الذي ستلعبه كل من باتريوت أو فاغنر أو أي من مجموعات المرتزقة في إفريقيا وسوريا والبلدان الأخرى، لكن يبدو أن هذه الشركات العسكرية الخاصة التي تستخدم كأداة للسياسة الخارجية والداخلية الروسية ستظل موجودة.