الخميس 2018/12/13

ما الذي سيحدث في سوريا الآن؟

بقلم: إيموجين فولكس

المصدر: سويس إنفو

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


"إن ما تقوم به روسيا بمثابة العبث ببرميل بارود ضخم بالقرب من ثلاثة ملايين مدني". كانت هذه كلمات يان إيغلاند، المستشار الأممي للشؤون الإنسانية في سوريا، في آخر يوم له في منصبه الشهر الماضي بعد ترؤسه اجتماعه الأخير لفريق العمل الإنساني التابع للأمم المتحدة.

كان يان يشير في حديثه هذا إلى إدلب، آخر مدينة سورية ما زالت في أيدي الثوار. بدأت المنطقة العازلة التي تم إنشاؤها حول المدينة من قبل روسيا وتركيا بالانهيار، حيث شهدت المنطقة هجمات مدفعية وجوية، وغارات مسلحة، ما أدى إلى تزايد وتيرة التوتر داخل هذه المنطقة.

يرى الكثيرون أن المعركة الأخيرة في إدلب، ستكون ربما الأكثر دموية خلال الحرب السوريا الطاحنة. عندما سقطت حلب والغوطة الشرقية، توجهت العديد من الشخصيات المعارضة وعائلاتهم إلى إدلب خوفا من انتقام ووحشية النظام.

يقوم النظام اليوم بتضييق الخناق على إدلب التي تضم نحو 30 ألف مقاتل وثلاثة ملايين مدني. ترك إيغلاند، الذي عمل بإصرار لحماية المدنيين السوريين لسنوات، منصبه. وسيتبعه رئيسه، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، في نهاية هذا الشهر.

يرى الكثيرون أن توقيت رحيلهما غريب بالنظر إلى تزايد حجم الاحتياجات الإنسانية في سوريا، واستمرار الحرب على الرغم من حالة الهدوء التي تشهدها البلاد في الآونة الأخيرة.

هل تم إبعاد الأمم المتحدة عن الملف السوري؟

في الواقع لم يتم تحديد مستقبل عن طريق عملية جنيف (عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة)، ولكنه حُدّد عبر أستانا، التي تعد استراتيجية موازية لجنيف برعاية كل من روسيا وإيران وتركيا. جاءت هذه العملية إلى الوجود بعد دخول روسيا الحرب، وذلك باستخدام قوتها الجوية الضخمة لدعم قوات النظام لاستعادة المناطق التي كانت تحت سيطرة الثوار الواحدة تلو الأخرى.

إذن، بعد سبع سنوات طويلة من الحرب، هل يُعدّ هذا إخفاقاً للأمم المتحدة؟ عمل على الملف السوري ثلاثة مبعوثين أممين: غادر كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي المنصب بعد فترة قصيرة من تعيينهما، ليتم بعدها تعيين ستيفان دي ميستورا الذي ظل في منصبه لفترة أطول، لكنه سيتركه نهاية هذا الشهر أيضا.

قامت الأمم المتحدة بالعديد من الجولات التفاوضية في إطار جهودها الدبلوماسية بخصوص سوريا خلال السنوات الماضية، وذلك من خلال دعمها لعملية جنيف. قمت بإعداد تقارير عن جل الجولات الواحدة تلو الأخرى ولا زلت أتذكر كيف بدأت، حيث كانت تعتبر حدثا دبلوماسيا ضخماً، ويحضره مئات الصحفيين لما له من أهمية في تحديد مصير البلاد. تناقصت أهمية هذه الجولات تدريجياً مع مرور الوقت، لتصبح محاولات مُضنِية يسعى من خلالها دي ميستورا ليس من أجل تحقيق السلام، وإنما لتشكيل لجنة دستورية في المستقبل المنظور بهدف صياغة دستور جديد لسوريا.

دراما مسرحية هزلية وملل:

لقد رأينا جميعاً كيف أصبحت هذه المحادثات مسرحية هزلية مملّة، على الأقل بالنسبة لي وللعديد من الصحفيين. كانت هناك أوقات لم يحضر فيها أحد الوفود أو بعضها لكنهم لم يفعلوا في نهاية الأمر، وأوقات أخرى انسحبت فيها بعض الوفود الأخرى. ونادرا ما جلس الوفدان المعنيان بالأمر إلى الطاولة نفسها: ما دفع بكل من دي ميستورا وأسلافه إلى التقهقر والتراجع.

أجلس الأخضر الإبراهيمي الوفود المعنية خلال إحدى الجولات إلى طاولة المفاوضات نفسها داخل نفس الغرفة وذلك لفترة وجيزة، لكن الطاولة صممت بطريقة تحجب عنهم النظر إلى وجوه بعضهم.

أمضى العديد من الصحفيين الليالي الطوال في انتظار المؤتمرات الصحفية التي كانت تعقب هذه الجولات. وكثيرا ما كان يتم نقل المحادثات من المراكز الرئيسية للأمم المتحدة إلى فنادق جنيف الفخمة التي تخصص للمشاركين. بالتأكيد كان الصحفيون ممنوعين من دخول تلك الفنادق في كل مرة. ما كان يحدث حينها كان يعد تأكيدا عن عدم وجود أي تقدم في هذه المباحثات.

فهل فشلت الأمم المتحدة في سوريا؟

يجيب الكثيرون عن هذا السؤال بالإيجاب. لقد استمر الصراع الذي بدأ بمظاهرات سلمية لفترة أطول من الحرب العالمية الثانية. فشُرِّد الملايين، وقتل الآلاف من المدنيين وانضمت العديد من القوى الإقليمية إلى القتال، كما تحولت المدن التاريخية الكبرى في سوريا إلى ركام.  ولكن عند طرح هذا السؤال، على يان إيغلاند، كانت إجابته أشمل.

في لقاء صحفي لي معه في آخر يوم له كمستشار أممي للشؤون الإنسانية في سوريا قال إيغلاند: "أظن أننا خيّبنا ظن السوريين جميعاً"، مضيفاً: "لقد ذاقت المناطق ذات الكثافة السكانية الكبيرة الويلات خلال هذه الحرب.. أولا وقبل كل شيء، ألوم الرجال الذين يحملون السلاح وذوي النفوذ. لقد خذَلت الأطراف المتحاربة على الأرض شعوبها، لأنهم مستعدون للتضحية بآخر مدني.. ثم ألوم أولئك الذين دعموا هذه الحرب، وقدّموا السلاح، أولئك الذين قاتلوا إلى جانب الأطراف المتحاربة، أولئك الذين ساهموا في جعل الأمور أكثر سوءاً.. ثم ألقي باللوم علينا جميعاً؛ لعدم قدرتنا على الحد من هذا العنف وإرغامهم على التوقف وإنهاء الحرب".

فما الذي سيحدث الآن؟

بالتأكيد لم تتخلَّ الأمم المتحدة عن سوريا. فخلال الأيام القليلة الماضية، رصدت وكالات الإغاثة مبلغ 5.5 مليار دولار (ما يعادل 5،5 مليار فرنك سويسري) لمساعدة اللاجئين السوريين والدول المستضيفة لهم خلال العام المقبل. فعلى الرغم من عودة نحو 37،000 لاجئ هذا العام إلى سوريا، يرى معظمهم أن العودة ليست آمنة بعد. كما لا يملك معظمهم وثائق تُثبت ملكيتهم للأصول التي خلّفوها وراءهم، فقد دُمرت العديد من المنازل، والمدارس والمستشفيات ومحطات تزويد المياه والكهرباء.

سيكون هناك مبعوث جديد للأمم المتحدة أيضا، الدبلوماسي النرويجي جير بيدرسون، الذي يصفه كثيرون بـ "الدبلوماسي المحنّك"، لما له من خبرة كبيرة في قضايا الشرق الأوسط، والصراعات المعقدة.

من المتوقع أن يقوم بيدرسون بتعيين مستشار جديد للشؤون الإنسانية ليحل محل يان إيغلاند، ما يعني أن الدعم الإنساني سيظل قائما في سوريا لعدة أشهر، وربما لسنوات.

إلى حين مغادرة "ستيفان دي ميستورا" منصبه، سوف يحاول تشكيل لجنة دستورية. يبدو الأمر أكثر تعقيداً، لكن دي ميستورا، وبيدرسون من بعده، ومنظومة الأمم المتحدة بأكملها، تسعى لتحقيق السلام، وإنهاء حالة "الحرب مع وقف التنفيذ"، تلك الحرب التي تمكنت روسيا وحلفاؤها من فرضها في أجزاء كبيرة من سوريا.

سيقول أي دبلوماسي متمرس إن الدستور المدعوم من قبل سكان البلاد هو حجر الأساس للسلام المستدام. وكذلك المصالحة والمساءلة عن جرائم الحرب.

لدى الأمم المتحدة خبرة كبيرة في هذا المجال، وسوف تحاول تحقيقها من أجل سوريا، والمدنيين الذين عانوا كثيرا. في هذه الأثناء، يدعو يان إيغلاند العالم كله إلى أخذ العبرة من الصراع السوري  قائلاً "نحن بحاجة إلى التعلم من هذه الحرب. هل ستكون حروب المستقبل على منوال الحرب السورية؟ إذا كان الأمر كذلك فإننا نلقي بـ 150 عامًا من المبادئ الإنسانية تحت أقدامنا. آمل حقا أن تكون كل من موسكو وطهران وأنقرة وواشنطن والرياض قد تعلموا واعتبروا: فلنسع إلى عدم جعل صراعات صغيرة حروباً كبيرة".