الأثنين 2018/12/17

كيف ستكون الحرب الأهلية الإيرانية القادمة؟

بقلم: مايكل روبن

المصدر: ناشيونال انترست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

عندما تكون الدول ضعيفة أو تبدأ الحكومات بالانهيار، تبدأ الأقليات المضطربة المهمشة بالتمرد.

كان صباح يوم مشمس بشكل غير معهود شمال غرب إيران، على الرغم من أن الثلوج قد كست سفوح الجبال.

استمرت الاضطرابات في المنطقة لسنوات على الرغم من الحروب والاضطرابات الإقليمية. فقد تجمعت الحشود في ساحة مدينة مهاباد.

لم يكن عليهم الانتظار طويلا، فقد صعد قاضي محمد، مؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق، إلى المنصة وألقى خطابا مدته خمس عشرة دقيقة أعلن فيه أن الأكراد شعب منفصل، ومن حقهم تقرير المصير مثل باقي الدول الأخرى.

عندما انتهى ذلك، أطلق أنصاره 300 طلقة نارية في الهواء على خمس جولات للاحتفال بهذه المناسبة.

في ذلك اليوم، لم تكن الحكومة الإيرانية مهتمة بما يجري، حيث كانت تحاول السيطرة على المشاكل التي تحيط بها من كل جانب بما في ذلك الانشقاقات التي كانت تمزق صفوف جيشها.

بكل الأحوال فقد كانت القيادة الإيرانية أكثر اهتماما بالحفاظ على أمن واستقرار طهران وإبعاد التهديدات الخارجية من إرسال قواتها لاستعادة النظام في الريف.

تعود هذه الحادثة لسنة 1946 بتاريخ 22 كانون الثاني/ يناير الذي يوافق إعلان قيام جمهورية مهاباد، الذي استمر قرابة عام قبل أن يتمكن الجيش الإيراني من استعادة السيطرة على المنطقة. ولكن، في تاريخ إيران الحديث، تكررت هذه القصة مرات عديدة في القرن العشرين. من المحتمل أن يكون تكرار هذا السيناريو سببا في سقوط المرشد الأعلى علي خامنئي.

تاريخ طويل من الاضطرابات:

لكن بالعودة إلى التاريخ، في العقد الأول من القرن العشرين، قام إدوارد غرانفيل براون، الباحث البريطاني في شؤون الشرق الأوسط آنذاك والمراسل المستقل للصحف البريطانية، بتأريخ الانتفاضات ضد التجاوزات الاستبدادية للعائلة الإيرانية المالكة خلال الثورة الفارسية. خلال تلك الفترة، أصبحت تبريز ثاني أكبر مدينة في إيران، ومركزًا للحركة الثورية.

لقد فقد الشاه السيطرة فعليا على المدينة، وسعى دون جدوى إلى إخضاعها عن طريق سياسة التجويع.

ثم، في عام 1920، بعد خمس سنوات من الاضطرابات التي كانت شهدتها البلاد من وقت لآخر نتيجة لامتعاض الكثيرين من القيادة الإيرانية الفاسدة والأساليب الديكتاتورية التعسفية التي تنتهجها ضد المواطنين في ربوع البلاد، أعلن ميرزا ​​كوجك خان قيام جمهورية غيلان السوفيتية على طول الجزء الغربي من ساحل قزوين الإيراني.

بعد أربع سنوات - وقبل عام واحد من الانهيار النهائي لأسرة قاجار - أصبحت خوزستان، وهي مقاطعة ذات أغلبية عربية داخل إيران، مسرحا لتمرد الانفصاليين ضد الدولة المركزية.

فقد ثار الشيخ خزعل من مدينة المحمرة - وهي مدينة تعرف اليوم باسم خرمشهر - ضد النظام الملكي الإيراني. استمرت هذه الانتفاضة شهرين قبل أن تتمكن الدولة الإيرانية من القضاء عليها. يعيش حفيد الشيخ خزعل اليوم في الإمارات المتحدة ملتزمًا بأهداف جده وإرثه.

على خلفية الفوضى التي خلفتها الحرب العالمية الثانية وما بعدها، لم ينتفض الأكراد وحدهم، بل كذلك بعض الأذربيجانيين الإيرانيين (الذين حصلوا، مثل الأكراد، على الدعم السوفييتي). إبان الثورة الإيرانية، ثار الأكراد مرة أخرى ضد الحكومة المركزية، التي كان ردها وحشيا.

كما لم تكن منطقة بلوشستان جنوب شرق إيران مسرحا للتمرد على مدى عقود وحسب، بل كانت أيضا مرتعا لتفشي الجرائم وتجارة المخدرات الأفغانية.

أدى الإقصاء الذي تعرض له البلوش الأصليون من طرف الحكومة الإيرانية بالنظر إلى كونهم سنّة يعيشون داخل دولة شيعية طائفية ومحاولتهم الحصول على الاستقلال، إلى توتر الأوضاع داخل هذه المحافظة.

انهيار الخطوط الأمنية الإيرانية:

ببساطة، إن ما حدث في إيران ما هو إلا البداية. عندما تكون الدول ضعيفة أو تبدأ الحكومات بالانهيار، تبدأ الأقليات المضطربة المهمشة بالتمرد. كما إن هناك العديد من الدلائل على أن قوات الأمن الإيرانية قد بدأت بفقدان سيطرتها.

لا يقتصر الأمر على انتشار الاحتجاجات الاقتصادية فقط والتي بدأت منذ عام تقريبا، بل أصبح الإرهابيون والمتمردون أكثر جرأة على طول تخوم إيران خلال الأشهر الأخيرة الماضية.

فلنأخذ مدينة الأهواز على سبيل المثال. تعد هذه المدينة الأكبر في مقاطعة خوزستان الغنية بالنفط، وثامن أكبر مدينة في إيران بشكل عام. في 22 أيلول/ سبتمبر من هذا العام، هاجم مسلحون استعراضا عسكريا، ما أسفر عن مقتل 25 شخصا.

يعد هذا الهجوم الأكثر دموية داخل إيران منذ هجوم عدد من الإرهابيين على موكب شيعي في مدينة جابهار الجنوبية عام 2010، الذي أسفر عن مقتل أكثر من ثلاثين شخصا. وألقت التحقيقات الإيراني باللائمة على خلية تتكون من أربعين إرهابيا، حيث أفادت التقارير بأن 22 منهم قد نفذ في حقهم حكم الإعدام.

قد تحاول السلطات الإيرانية الثأر لنفسها من خلال تحقيق العدالة على وجه السرعة، لكن بإمكانها بدلا من ذلك أن تحاول معرفة كيف لخلية كبيرة كهذه أن تقوم بعملها دون علم أحد لفترة طويلة، وكيف استطاع العديد من المسلحين أن يتسللوا إلى منطقة شديدة الحراسة وإحداث مجزرة.

في حين أن بعضا من الذين لقوا حتفهم في هذا الاستعراض من المواطنين، فلو كان الجنود وعناصر الحرس الثوري الإيراني الذي قتلوا غير مسلحين، لكان ذلك دليلا قويا على مدى عدم ثقة النظام الإيراني في ولاء القوات التابعة له.

بعد أقل من شهر، تعرضت قوات الأمن الإيرانية إلى هجوم آخر على نقطة ميرجافه الحدودية، التي تعتبر المعبر الحدودي الرئيسي بين إيران وباكستان.

خلال هذا الهجوم، باغت المتمردون أو "الإرهابيون" العشرات من الجنود الإيرانيين واختطفوهم من داخل القاعدة الإيرانية.

في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2018، أعادت القوات الباكستانية خمس رهائن، ليبقى مصير الآخرين مجهولا.

تشير التحقيقات الإيرانية إلى أن الهجوم على موقع ميرجافه كان عملا داخليا؛ ما يشير إلى أن الأمن الإيراني قد بدأ بالتلاشي.

في هذه الأثناء، تعتبر كردستان الإيرانية من المواقع التي تشهد الاضطرابات بشكل مستمر.

خلال الصيف الماضي، لقي عشرة من عناصر الحرس الثوري الإيراني مصرعهم خلال هجوم.

إن اضطرار الحكومة الإيرانية للتبليغ عن مثل هذه الحوادث بدلاً من إخفائها دليل على أن مثل هذه الاضطرابات تشكل تحدّيا حتى بالنسبة لطهران.

عادة ما يقترح الذين ليس لديهم الإلمام الكافي بطبيعة السياسة الإيرانية لعب "البطاقة العرقية" ودعم بعض هذه الحركات الانفصالية بالنظر إلى التنوع الديموغرافي الذي تتميز به إيران.

سيكون من الخطأ القيام بذلك، لأن مفهوم إيران كدولة يتغلب على فكرة إقامة دول على أساس العرق.

كان سعي الأجانب في الماضي إلى إثارة الاضطرابات العرقية، يدفع بالإيرانيين إلى الالتفاف حول مفهوم الدولة الواحدة، بغض النظر عن مدى سخطهم على الحكومة.

ربما أنقذ غزو الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، لإيران عام 1980 من انهيار الثورة الإيرانية التي كانت قد بدأت بالفعل بالخروج عن السيطرة.

لحسن الحظ لم تدعم الولايات المتحدة ولا أية قوة أخرى الحركات الانفصالية في إيران في حقبة ما بعد الثورة على الرغم من ادعاء إيران عكس ذلك.

التحديات الأمنية في فترة ما بعد سقوط خامينئي:

ولكن، مع تدهور صحة علي خامنئي خلال السنوات الأخيرة، يبدو أن سيطرة الحكومة المركزية على هذه التخوم قد بدأت تضعف شيئا فشيئا. من المحتمل أن يؤدي الفراغ الذي سيتبع موته عددًا من الاضطرابات المتتالية.

في الوقت الذي سيظل فيه الحرس الثوري الإيراني قوة هائلة على الورق، مع غياب القائد العام، من المرجح أن يواجه حركات تمرد في كل من خوزستان وكردستان وبلوشستان.

ومع ذلك، فمن غير الواضح كيف ستؤثر هذه القوة على الوضع داخل إيران.

لدى المخابرات الأمريكية نقطتان مبهمتان رئيسيتان فيما يتعلق بعناصر الحرس الثوري الإيراني، تتمثل الأولى بعدم معرفتها بالتقسيم الطائفي داخل هذا الكيان.

في الوقت الذي يقر فيه الجميع بأن الحرس الثوري الإيراني ليس متجانسا – حيث ينضم إليه الكثيرون من أجل الحصول على امتيازات (لا أحد يعلم من وكم من أعضاء المنظمة يمثلون التيار الشيعي المتشدد).

تتعلق النقطة الثانية بالوحدات الفردية. في عام 2007، أعاد محمد علي جعفري، الرئيس الحالي للحرس الثوري الإيراني، تنظيم الحرس ليجعل داخل كل محافظة وحدة، (في حين خصص وحدتين داخل طهران) بهدف الحفاظ على النظام.

غير أنه يبقى من غير المعروف ما إذا كانت كل وحدة تابعة للحرس الثوري الإيراني تتكون من رجال مقيمين في المقاطعة التي يخدمون فيها؟

قد تعطي الإجابة عن هذا السؤال معلومات حول ما إذا كانت الأيديولوجيا تتفوق على الولاء عندما يُعطى الجنود أمراً بإطلاق النار على حشد قد يضم أفرادا من عائلاتهم أو أصدقائهم أو زملائهم في الدراسة.

عندما يموت خامنئي، فمن المرجح أن يعود إلى بيوتهم أولئك الذين لا تسيطر عليهم الإيديولوجيا، وهي خطوات لن تؤدي إلا إلى تشجيع المزيد من التمرد الكردي، والبلوشي، وربما العربي. وحتى لو أبدى عناصر الحرس الثوري الإيراني ولاءا كبيرا، سيكونون مشغولين بفرض الأمن في المدن الرئيسية في إيران - كطهران ومشهد وأصفهان وتبريز.

سيملأ المتمردون والمجالس المحلية الفراغ الذي سيعقب موت خامنئي، قد يعلن البعض الاستقلال ومن المرجح أن يخفي آخرون تحركاتهم من خلال الحديث عن الفيدرالية.

في عشرينات وأربعينات القرن العشرين إبان الثورة الإيرانية، استغرق النظام الإيراني شهورا، وفي بعض الحالات، سنوات لاستعادة النظام في تلك التخوم.

كما تطلب الأمر ضباطا راغبين في التخلص من القيود السابقة والحكام السابقين لتهدئة الريف. لقد نجح رضا خان، وهو ضابط من القوزاق، على سبيل المثال، في إخماد التمرد وحول نفسه من بطل عسكري إلى شاه عام 1925.

ليس من الواضح إذا كان هناك زعيم إيراني في الانتظار بين صفوف الجيش الإيراني أو الحرس الثوري الإيراني، إذا لم يكن هناك أحد، كيف سيكون رد طهران والمنطقة والعالم بأسره بخصوص انهيار دولة وسقوطها؟ بالنظر إلى سيرورة الأحداث عبر التاريخ، فلن يضطر العالم إلى الانتظار طويلا لمعرفة الجواب.