السبت 2018/06/02

فورين بوليسي: رغم الضغوط.. إيران تسعى للبقاء في سوريا إلى الأبد

بقلم: بورزو دراغاهي

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


تمارس كل من روسيا وإسرائيل المزيد من الضغوط على إيران لسحب جنودها من سوريا. لكن طهران عازمة على تعويض ما استثمرته من دماء ومال هناك.

 

حميد رضائي.. جندي إيراني لقى حتفه في سوريا مؤخرا، حيث قتل في الهجوم الصاروخي الإسرائيلي على القاعدة الجوية (تي-4) بالقرب من حمص. كان حميد رضائي في عقده الثالث، أباً لطفلة رضيعة من مواليد العاصمة طهران. إبان مراسيم دفنه في أواخر نيسان/ أبريل الماضي، قالت أمه باكية: "لم يستطع أحد منعه من التطوع للقتال في سوريا" مضيفة "أنزعج كثيرا عندما يسألني الناس لماذا لم أمنعه؟ ..لقد اختار ابني طريقه بنفسه"، وذلك في تصريحات لها نشرتها صحيفة أخبار المشرق الإيرانية.

 

قتل أكثر من 2000 جندي إيراني في سوريا منذ أن بدأت طهران بضخّ مليشياتها ومواردها الهائلة في البلاد للدفاع عن نظام بشار الأسد ضد المعارضة المسلحة. تقوم إسرائيل بالضغط على روسيا ولاعبين دوليين آخرين لإجبار إيران على مغادرة سوريا وسحب قواتها من هناك، وكذا التهديد بتوجيه المزيد من الضربات على المواقع الإيرانية بالقرب من حدودها في مرتفعات الجولان أو في أي مكان داخل البلاد في حال بقائها. جاء انسحاب إيران من سوريا كشرط مسبق لإلغاء العقوبات على هذه الأخيرة في خطاب وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، بعد إعلان إدارة ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الشهر الماضي.

 

لكن مسؤولين إيرانيين وخبراء آخرين يقولون إن بلادهم قد بذلت الكثير من الأرواح والأموال- التي تقدر ب 30 مليار دولار حتى الآن – رافضين بذلك المطالب الدولية، على الرغم من الضربات الجوية الإسرائيلية، والضغوط التي تمارسها موسكو. بعد أن قامت إيران بالاستثمار بهذا الشكل يبدو أنها عازمة على جني مكاسب استراتيجية على المدى الطويل، ولو كان ذلك على حساب المزيد من الأرواح والأموال في الوقت الحالي.

 

رئيس تحرير أحد أهم المنابر الإعلامية في طهران، في حديث له مع "فورين بوليسي" شريطة عدم الكشف عن هويته قال: "لا أعتقد أن إيران مستعدة للتخلي عن وجودها في سوريا" مضيفاً أن وجودها هناك “يعطيها نفوذاً هائلاً ضد إسرائيل، كما إن وجودها على الأرض مهم جداً، وإيران ماهرة جداً بإدارة المناطق التي تحت سيطرتها، على عكس الروس. فعادة الذي يسيطر على الأرض لا يبالي بالآخرين".

 

تصر إيران على أنها في سوريا بناء على طلب من دمشق ولن تغادر إلا بطلب منها. وبحسب البي بي سي فقد قال بهرام قاسمي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية: "مادامت هناك حاجة وما دام هناك إرهاب في المنطقة، بالإضافة إلى رغبة النظام ببقائنا، ستظل إيران في سوريا وستقدم العون للنظام".

 

وقال الأسد في مقابلة تلفزيونية مع قناة روسية هذا الأسبوع إنه لا وجود لأي قوات إيرانية داخل سوريا، مضيفاً "هناك فقط بعض الضباط الإيرانيين الذين يقدمون يد العون للنظام لكنهم لا يمتلكون أية قوات".

 

جاء تدخل إيران في سوريا، إلى جانب حليفها اللبناني، حزب الله، للدفاع عن نظام ظل حليفاً مخلصاً لها لفترة طويلة، في وقت اعتبر فيه الكثيرون حول العالم الأسد ضحية أخرى من ضحايا ثورات الربيع العربي.

 

على مدى السنوات السبع الماضية، تزايد حجم الاستثمار الإيراني في سوريا ليصل إلى مليارات الدولارات في المجالين العسكري والاقتصادي وكلاهما في بعض الأحيان. قامت إيران بتجنيد وتدريب المقاتلين من مختلف أنحاء الشرق الأوسط وجنوب آسيا ونشرهم في سوريا، كما قامت برصد تعويضات مالية لعائلات القتلى. ووفقا لحسابات "منصور فرهنگ"، وهو باحث مقيم في الولايات المتحدة ودبلوماسي إيراني سابق، فإن إيران أنفقت ما لا يقل عن 30 مليار دولار على سوريا في شكل مساعدات عسكرية واقتصادية. وحسب تقديرات نديم شحادة، باحث في شؤون الشرق الأوسط في كلية "فليتشر" للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس، فإن حجم استثمارات إيران أكبر بكثير من هذه الأرقام، حيث تصل إلى نحو 15 مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل 105 مليار دولار في المجمل. وتبقى كل هذه الأرقام مثيرة للجدل سياسياً في الوقت الذي يطالب فيه الإيرانيون في الداخل بالمساءلة المالية.

 

وقال فرهنگ: "لقد استثمر الإيرانيون الكثير في المجالين الاقتصادي والسياسي" مضيفا أنه "من الصعب جدًا إخراجهم من سوريا".

 

بحسب تصريحات لـ"نوار أوليفر"، وهو باحث عسكري في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، الذي يوجد بإسطنبول، تقوم القوات الإيرانية بإدارة أنشطها من 11 قاعدة في جميع أنحاء البلاد، فضلاً عن تسع قواعد عسكرية للمليشيات الشيعية التابعة لها في ريف حلب الجنوبي وحمص ودير الزور، بالإضافة إلى نحو 15 قاعدة ونقطة مراقبة تابعة لحزب الله على طول الحدود اللبنانية.

 

وقال محللون عسكريون إن إيران تخضع بالفعل لضغوط روسية لنقل قواتها والمليشيات التابعة لها الموجودة الآن في الجنوب السوري إلى دير الزور غرب نهر الفرات.

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو حذر هذا الأسبوع من أن إسرائيل ستقوم بتوجيه ضربات لإيران في حال حاولت هذه الأخيرة "تعزيز نفوذها عسكريا" في سوريا، "ولن تقتصر هذه الضربات على المناطق الموازية لمرتفعات الجولان، بل ستشمل كل مكان في سوريا". أكد المبعوث الإسرائيلي السابق للأمم المتحدة، دوري غولد، تصريحات نتنياهو وقال إنه كان جادا في قوله.  وأضاف "من وجهة نظر عسكرية، تسعى إسرائيل إلى إخراج إيران من سوريا". أضاف غولد -الذي يعمل الآن مدير مركز القدس، وهو مركز أبحاث-: "ما يعني أن سوريا داخل حدودها".

 

لقد تجاوز التدخل الإيراني في سوريا الوجود العسكري التقليدي، وقد بدأت مؤسساته المالية والإيديولوجية بالفعل بالتوغل هناك. فإلى جانب نحو 12 منظمة أخرى مرتبطة بإيران، تعمل مؤسسة "جهاد البناء" التي تدعمها إيران -وهي مؤسسة إسلامية خيرية مولت ونظمت إعادة إعمار جنوب بيروت بعد حرب 2006- بالعمل على مشاريع كبيرة لإعادة بناء المدارس والطرقات والبنى التحتية الأخرى في حلب وبلدات أخرى، فضلاً عن تقديم المساعدات لعائلات المليشيات السورية التي تدعمها إيران.

 

إن توغل إيران في سوريا يوطد علاقات النظام بطهران، بالنظر إلى القدرة العسكرية التي تمتلكها طهران وتمكنها من التوسع بشكل أكثر في المنطقة، هذا بالإضافة إلى جعلها بالقرب من عدوّتها الدائمة إسرائيل.

 

في الأشهر الأخيرة، حصلت الشركات الإيرانية على صفقات تشمل توفير الجرارات، واستخراج الفوسفات، وإصلاح شبكات الكهرباء، وتكرير السكر. وبحسب تقديرات مسؤولين إيرانيين، يبدو أن حجم الصادرات الإيرانية إلى سوريا لا يقل عن 150 مليون دولار سنوياً. كما أقرضت طهران النظام ما لا يقل عن 4.5 مليار دولار منذ 2013.

 

كما تسيطر إيران وحلفاؤها السوريون والعراقيون على الكثير من الحدود العراقية - السورية، وهي منطقة يتم عبرها نقل مواد البناء وواردات الطاقة، ما يجعل طهران صاحبة الكلمة الفصل في الكثير من الأمور التي تتعلق بمستقبل البلاد، ويمكنها من استرداد استثماراتها. وقال أوليفر "إنهم يسيطرون على الطريق في الصحراء السورية ويسيطرون على خط أنابيب مهم" مضيفاً أنه "لا يمكن لأحد أن يقوم بمشروع دون أن تكون إيران طرفاً فيه".

 

لا يحظى التدخل الإيراني في سوريا بشعبية كبيرة في الداخل الإيراني فقد رفع المتظاهرون المطالبون بالتغيير الاجتماعي والاقتصادي شعارات تندد بتورط إيران في الصراع السوري. كما لا تخلو أروقة وزارة الدفاع الإيرانية من المشاحنات بين مؤيد ومعارض للموقف الإيراني، وقد عارض كبار المسؤولين، بمن فيهم "الراحل آية الله هاشمي رفسنجاني" علناً، دعم طهران للأسد، واعتبروه ديكتاتورا ذبح وشرد مئات الآلاف من شعبه.

 

ومع ذلك، فإن الفئة التي تعارض الشراكة الإيرانية مع الأسد لا تستطيع فعل شيء حيال التدخل الإيراني في سوريا، وهو ما تشرف عليه شخصيات في الدولة العميقة كقاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

 

قال سانام فاكيل، الباحث في تشاتام هاوس -المعهد الملكي للشؤون الدولية-: "لا أعتقد أن هذه الفئة من النظام ستوافق على فك الارتباط الدائم مع سوريا، فهم مستعدون للمخاطرة وسيحاولون فعل ما بوسعهم ليس بالضرورة من خلال قواعدهم ولكن من خلال قواتهم وبعض المليشيات التابعة لهم وبذل الأموال".

 

وأفادت تقارير أن هناك مفاوضات جرت من خلال وسطاء أردنيين وروس، بين إيران وإسرائيل لإيجاد تسوية مؤقتة في سوريا. اقترح علي أنصاري، وهو باحث في جامعة سانت أندروز، إمكانية إخراج إيران من سوريا إذا ما ضغطت كل من موسكو ودمشق عليها للقيام بذلك. وذلك من خلال تقديم مزيد من العروض الاستثمارية للشركات الإيرانية، وتابع: "إنهم يريدون أن يحققوا بعض المكاسب قبل أن يطلب منهم الخروج".

 

في الوقت الذي لا تسعى فيه إيران إلى التصعيد مع إسرائيل حول سوريا، غيّر وجودها هناك التوازن الإقليمي الاستراتيجي للقوى، ما أدى إلى تقريب أعداء إسرائيل من حدودها. ووصف محلل عسكري إيراني سوريا بأنها "نزاع وجودي" ترى طهران أنه أمر أساسي.

 

وقال محلل عسكري لـ"فورين بوليسي" طلب عدم الكشف عن هويته "إن من شأن هزيمة عسكرية كاملة للنظام أن تجبر إيران على مغادرة سوريا".

 

وقال شحادة "لن ينسحب الإيرانيون" مضيفاً "قد ينسحبون من الناحية التكتيكية بضغوط من الروس، فقط لتهدئة الوضع، لكنهم هناك من أجل قضايا إقليمية استراتيجية ".