الأثنين 2017/10/09

فورين بوليسي : إلغاء الاتفاق النووي مع طهران “خطأ كبير” ..ويمكن لواشنطن الحد من “النفوذ الإيراني” بهذه الخطوات

المصدر: فورين بوليسي 

بقلم: ماكس بوت

ترجمة مركز الجسر للدراسات

العنوان الأصلي للمقالة : ( الإبقاء على الصفقة الإيرانية واستهداف النظام..

تقويض الصفقة الإيرانية سيكون بمثابة خطوة للوراء في الحرب ضد طهران )

عبّر الرئيس دونالد ترامب عن ازدرائه بشكل صريح لخطة العمل المشتركة الشاملة التي تهدف للحد من برنامج إيران النووي، حيث صرح في لقاء الجمعية العامة بالأمم المتحدة الذي جرى في 19 أيلول/ سبتمبر 2015 بأن "صفقة إيران أحد أسوأ الاتفاقات الأحادية الجانب التي شاركت فيها الولايات المتحدة"، مضيفاً "صدِّقوني، إنه اتفاق مُخزٍ، ولا أعتقد أنكم تعرفون تفاصيله "

كما عهدناه في برامج تليفزيون الواقع، لمّح ترامب أنه قرر إذا ما كان سيؤكد التزام إيران بالاتفاق من عدمه في 15 تشرين الأول/ أكتوبر، لكنه لم يفصح عن هذا القرار. فهل سيؤكد ذلك أم لا ؟ ترقبوا السخرية التي سيتم بها الإفصاح عن كل شيء!

لا نعلم ما الذي سيفعله الرئيس- فهو شخص يصعب التكهن بتصرفاته- لكني سأعطي وجهة نظري كشخص عارَضَ الصفقة الإيرانية، واعتقد أنها كانت جِدُّ متساهلة. فالصفقة لم تُنهِ برنامج إيران النووي، بل أوقفته لعقد من الزمن فقط، كما إنها لم تتطرق لتهديدات إيران الإقليمية وبالتحديد دعمها للإرهاب وتطوير الصواريخ الباليستية. وبالرغم من هذا كله، لن يكون من الصواب إلغاء الصفقة الآن.. على الأقل ليس في الوقت الذي يؤكد فيه مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذين يقومون بمراقبة 27 موقعا منفصلا، التزام إيران بالاتفاق.

عوضاً عن تقويض الصفقة النووية على الولايات المتحدة اتخاذ خطوات أخرى لمراقبة تزايد النفوذ الإيراني؛ إذ سيؤثر القرار بشكل سلبي على الدول الأخرى التي تسعى إلى إبرام معاهدة لتقنين استعمال الأسلحة مع الولايات المتحدة في المستقبل. إذا قامت واشنطن بإلغاء المعاهدة على إثر تغير الإدارة الأمريكية، ما الذي سيجعل هذه الدول تضمن التزام واشنطن بوعودها مرة أخرى؟ فإلغاء المعاهدة الآن من شأنه أن يؤثر ليس على إيران وحسب بل على الولايات المتحدة أيضا.

إذا لم تقم إدارة ترامب بفرض عقوبات جديدة حقيقية على إيران، سيكون تأثير ذلك رمزياً، وسيتجلى في وقوف أمريكا وحدها في وجه إيران. فالرئيس الإيراني حسن روحاني -الذي يرأس نظاماً استبدادياً- بدا أكثر عقلانية واعتدالاً في لقاء الجمعية العامة بالأمم المتحدة من الرئيس الأمريكي الذي تصدَّر عناوين الصحف من خلال وصفه رئيس كوريا الشمالية "بالرجل الصاروخ" والتهديد بتدمير بلده. لذا فإلغاء الصفقة الإيرانية دون دوافع حقيقية، من شأنه أن يؤدي إلى التعاطف الدولي مع إيران، على الرغم من انتهاكات المروّعة لحقوق الإنسان التي تقوم بها، وهوما سيفضي إلى بقاء الاتفاق قائما في كل حال.

يمكن للكونغرس أيضا أن يفرض عقوبات على إيران إذا ما قامت إدارة ترامب بإلغاء الاتفاق، لكن الولايات المتحدة لا تربطها الكثير من العلاقات التجارية مع طهران. والطريقة الوحيدة لمعاقبة إيران ستكون عبر إقناع الدول الأوربية والآسيوية الكبرى بقطع علاقاتهم التجارية معها. وهو ما يُستبعد أن تقوم به هذه الدول طالما أن إيران ملتزمة بالجزء الخاص بها من الاتفاق.

وعلى الأرجح أن إدارة ترامب ستقوم بالضغط على الأوروبيين على "طريقتها الخاصة"، والتهديد بطرد كل الدول أو الشركات التي تتاجر مع إيران من سوقها. لكنه سيكون خياراً صعب التنفيذ بالنظر إلى القاعدة الكبيرة لشركاء أمريكا التجاريين، وهو أمر من شأنه أن يخلق أزمة في وقت تعاني فيه التبادلات التي تتم عبر الأطلنطي توتراً فعلياً.

فإدارة ترامب الآن بصدد البحث عن منحى أقل تهويلا؛ فعوضاً عن إبعاد الصفقة الإيرانية ببساطة، سيحاول ترامب على الأرجح التفاوض من جديد، أو توقيع معاهدة إضافية تحدّ من تطوير إيران للصواريخ الباليستية ودعمها للإرهاب. لكن السؤال المطروح، ما الذي سيدفع إيران - التي رفضت مثل هذه الإجراءات عام 2015 حينما كانت تحت وطأة عقوبات جسيمة- للقبول بها بعد أن شهدت قفزة اقتصادية على خلفية رفع العقوبات؟ فإن حاول ترامب فرض عقوبات جديدة لن تكون بحدة العقوبات التي فُرضت عليها قبل الصفقة.

من الصعب إجبار إيران على التفاوض في غياب تهديد عسكري:

سيصعب على الولايات المتحدة إجبار إيران على التفاوض في غياب تهديد عسكري. لكن الولايات المتحدة لا تملك خياراً آخر يُسهل عليها تدمير المنشآت النووية الإيرانية وإلا لكانت فعلته وهو أمر خطير له عواقب وخيمة. وبالنظر إلى جهل ترامب وتهوره، فمن السهل أن تخرج تهديداته -ضد كل من إيران وكوريا الشمالية بشن حرب- عن السيطرة، وتدفع بالولايات المتحدة إلى خوض أكثر من حرب وهو ما لا يسعى إليه أحد؛ ولا سيما رئيس وعد بالحد من تدخل أمريكا في الصراعات الخارجية. سيكون من الحماقة افتعال أزمة مع إيران في الوقت الذي تجد فيه أمريكا نفسها في حرب ترهيب مع كوريا الشمالية.

والجيّد في الأمر أن بإمكان أمريكا القيامَ بالكثير من أجل كبح جماح مخططات إيران الخطيرة دون المساس بالاتفاق، ومناقشة معاهدة جديدة مع ملالي طهران أو خوض حرب ضدهم. وهذا ما تقوم به إدارة ترامب من خلال فرض عقوبات على الشركات التي لها علاقة ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية والهجمات الإلكترونية، والإرهابيين الداعمين للحرس الثوري الإيراني مثلا. وهناك المزيد للقيام به على مستوى العقوبات التي سيتم فرضُها بما في ذلك تصنيف الحرس الثوري الإيراني جماعة إرهابية، هذا بالإضافة إلى العديد من الخطوات التي بإمكان ترامب اتخاذها في كل من سوريا والعراق.

إيران تريد أن تجعل من سوريا والعراق كلبنان عن طريق فرض سيطرة فعلية من خلال إدارة مليشيات الحرس الإيراني الثوري لهما، وهو نفس ما يقوم به حزب الله في لبنان، وكذا السماح للزعماء المستقلين كبشار الأسد ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي البقاء في السلطة بشكل صوري. فقد غضّت إدارة أوباما الطرف عن هذا كله على حساب إتمام الصفقة النووية مع إيران. فإذا كانت لدى إدارة ترامب استراتيجية لإيقاف الإيرانيين، عوض لهجة التهديد، فهي لا تزال طي الكتمان.

لا تزال القوات الأمريكية تعتقد أن مهمتها تتجلى في القضاء على تنظيم الدولة في المنطقة وحسب. ويتجلى خطر تفكيك تنظيم الدولة -وهو ما توشك قوات حلفاء الولايات المتحدة القيام به في كل من سوريا والعراق- في فتح المزيد من المجال أمام السيطرة الإيرانية؛ إذ تقوم إدارة ترامب برعاية ذلك عن غير قصد من خلال وقف مساعدات وكالة الاستخبارات الأمريكية للمعارضة السورية المعتدلة، وكذا سحب القوات الأمريكية من المواقع المهمة جنوب سوريا على الحدود العراقية، ما يمهد الطريق للمليشيات التابعة لإيران. كما توشك إيران على فرض سيطرتها على الطريق الممتد الذي يربط طهران ببيروت- أو ما يسمى بالإمبراطورية الفارسية الجديدة.

فإذا كانت الولايات المتحدة جادة بشأن كبح قوى طهران، فينبغي أن تقوم بدعم المليشيات التي تسعى لمقاومة التطفل الإيراني في كل من سوريا والعراق.

في حالة العراق، سيعني هذا الأمر التشديد على حل الحكومة العراقية لقوات الحشد الشعبي التي تتكون بالأساس من المليشيات الإيرانية، وتشكيل حرس مدني سُنّي لحماية مناطق السنة من العدوان الشيعي فور القضاء على تنظيم الدولة.

لن يكون من السهل القيام بذلك، غير أنه يمكن أن يكون للولايات المتحدة تأثير كبير في المنطقة إذا لم تقم بإرجاع القوات الأمريكية إلى الديار مباشرة بعد هزيمة تنظيم الدولة، وإذا قامت بذلك فعلا، فلن تقوم بتكرير نفس الخطأ الذي قامت به إدارة باراك أوباما في 2011.

أما بالنسبة لسوريا، فيمكن للولايات المتحدة أن تقوم بالرد على الإيران من خلال نشر المزيد من "قوات سوريا الديموقراطية" التي تحارب تنظيم الدولة في الشمال، وضم المزيد من المقاتلين العرب إلي صفوف القوات الكردية الرئيسية، وكذا تقديم الدعم للجيش السوري الحر في كل من الغرب والجنوب. فمن المعروف أن الخسائر الجَمّة التي تكبّدتها المعارضة المعتدلة في السنوات الأخيرة، يرجع الجزء الأكبر منها بالأساس إلى ضعف الدعم الخارجي الذي تلقته مقارنة بالجماعات السنية والشيعية المتطرفة. كما لازال بإمكانها تشكيل قوات عسكرية تتكون بالأساس من أولئك الذين أخرجوا من سوريا والموجودين في كل من الأردن وتركيا.

وإذا ما تم تزويد هذه القوات بالسلاح الجوي الأمريكي والمستشارين الحربيين الأمريكيين، الذين تستفيد منهم الآن قوات سوريا الديموقراطية من أجل تحرير الرقة، فإنها ستقوم بالوقوف في وجه الأسد والإيرانيين ومنعهم من السيطرة على المناطق التي خرج منها تنظيم الدولة.

وبالتالي، يمكن لقلب ميزان القوى على الأرض أن يجعل إمكانية التفاوض متاحة لفك النزاع الذي من شأنه أن يحد في المقام الأول النظام المدعوم إيرانيا من حيازة الأراضي التي تسكنها الطائفة العلوية.

لكن المشكلة المتعلقة بمسار العمل المقترح أعلاه مرتبط بجعل التدخل الأمريكي أكثر عمقاً في كل من سوريا والعراق، وسيؤدي إلى وقوع المزيد من الخسائر، الشيء الذي سيجبر الولايات المتحدة على القيام بدور كبير في إعادة إعمار البلاد. تلك لعنة حلت بترامب، الذي، لا يختلف في سعيه عن سابقيه، ويريد القضاء على تنظيم الدولة وإعادة القوات الأمريكية إلى الديار.

فقد أقنعه مستشاروه الأمنيون قبل الآن، في الملف الأفغاني، بأن يتصرف عكس ما يمليه عليه حدسه. ومن المرجح أن يقنعوه بفعل ذلك مجددا، إذا علم أن الإلغاء الفوري للصفقة الإيرانية لن يؤدي إلى رد خطير من إيران.