الأثنين 2018/03/05

على ترامب أن يمنع الممر الجوي الإيراني في سوريا

المصدر: فورين بوليسي

بقلم: إيمانويل أوتولنغي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


تؤمّن الطائرات الإيرانية الغطاء الجوي للمناطق التي يشن عليها بشار الأسد حملته الدامية، كما تمهد الطريق للتصعيد ضد إسرائيل.

في الشهر الماضي، حلقت طائرة استطلاع إيرانية في المجال الجوي الإسرائيلي بعد إقلاعها من قاعدة في سوريا. وقامت إسرائيل بإطلاق النار عليها ثم شنت موجة من الهجمات الانتقامية ضد المنشآت الإيرانية في سوريا والدفاعات الجوية الخاصة بالنظام. وقد يكون الاستفزاز الصارخ الذي أقدمت عليه طهران مثيرا للدهشة، إلا أنه يعتبر امتدادا طبيعيا للجهود الإيرانية التي تسعى لتحويل سوريا إلى قاعدة لشن هجمات ضد إسرائيل. ومع ذلك، لا تزال أمام الولايات المتحدة فرصة للحد من الوجود الإيراني في سوريا، من خلال وضع حد للسياسات المضللة التي شجعتها في المقام الأول.

إن تقييم الأهداف التي تسعى إيران إلى تحقيقها في سوريا غالبا ما يتضمن إنشاء جسر بري - طريق مستمر دون عوائق على الأرض من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط. ومن شأن هذا الجسر أن يربط سوريا ولبنان بالنظام في طهران، لتكون نقطة انطلاق للحرب ضد إسرائيل. ومع ذلك، فإن إيران لا تحتاج إلى جسر أرضي: فلديها بالفعل ممر جوي. سوف تحصل إيران على مكتسبات إضافية من خلال السيطرة على طرق النقل البري نحو سوريا، فقد أثبت نقل الأطنان من الإمدادات وآلاف الجنود جوا نحو دمشق فعاليته منذ عام 2011.

كانت الولايات المتحدة قد استكملت انسحابها من العراق في الأشهر الأخيرة من العام 2011، في الوقت الذي كان فيه نظام بشار الأسد يتعرض لضغوط متزايدة من الثورة التي اندلعت بعد القمع الدموي للاحتجاجات في ربيع تلك السنة. مع اضمحلال نفوذ الولايات المتحدة في بغداد بسرعة، لم تكن سوى مسألة وقت فقط قبل أن تفتح الحكومة العراقية مجالها الجوي للطائرات الإيرانية، للسماح لها بالمرور عبر أجوائها نحو سوريا.

لم تقم إدارة أوباما أو إدارة ترامب باتخاذ إجراءات من أجل عرقلة هذا الممر الجوي. وقد طورت طهران، من خلال النقل الجوي، ترسانة حزب الله وأصبحت أقوى مما كانت عليه خلال حربها عام 2006 ضد إسرائيل. كما قامت إيران بنقل التكنولوجيا اللازمة لإنشاء مصانع للصواريخ وتعزيز قوة حزب الله العسكرية والدخول في جولة أخرى من الصراع بينها وبين إسرائيل.

كما مكّن الممر الجوي إيران من نقل عشرات الآلاف من مقاتلي المليشيات الشيعية مع أسرهم إلى سوريا على مر السنين، ودعم النظام خلال حملة التطهير العرقي التي شنها في الأوساط السنية. والأهم من ذلك، أن طهران قد حافظت على هيمنتها على دمشق من خلال دعمها الثابت والناجح لنظام الأسد، الشيء الذي مكن قوات الحرس الثوري الإيراني من الانتشار بشكل دائم ضمن مناطق إطلاق النار على الحدود الإسرائيلية مع سوريا.

وشكل فتح الممر الجوي لسوريا ولبنان تطورا كبيرا بالنظر إلى الطرق البحرية التي كانت تعتمد عليها إيران في السابق لتزويد وكلائها بالإمدادات والعتاد. إذ تستغرق السفن التي تغادر الموانئ الإيرانية وقتا طويلا للوصول إلى سوريا، وبسبب الحظر المستمر الذي تفرضه الأمم المتحدة على توريد الأسلحة إلى إيران، فإنها معرضة باستمرار لخطر الحجز في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر.

في كانون الثاني / يناير 2002، حجزت إسرائيل شحنة إيرانية مكونة من 50 طنا من الأسلحة متوجهة إلى منظمة التحرير الفلسطينية إبان الانتفاضة الثانية. في يناير / كانون الثاني 2009، قامت القوات الأمريكية بحجز سفينة للبضائع في البحر الأحمر. كانت السفينة محملة ب 2000 طن من الأسلحة المتوجهة إلى سوريا. وفي تشرين الثاني / نوفمبر من العام نفسه، اعترضت إسرائيل 500 طن من الأسلحة في طريقها إلى حزب الله، على متن السفينة فرانكوب.

سعت إيران إلى الجمع بين الطرق الجوية والبرية والبحرية لتزويد وكلائها بما يحتاجونه من أسلحة وعتاد. فقد كانت تقوم في بعض الأحيان بإرسال شحنات بالطائرة إلى المطارات الإقليمية، ليتم نقلها بالشاحنات عبر الحدود العراقية السورية. في حين كانت تقوم بإرسال شحنات أخرى عن طريق البحر إلى الموانئ السودانية ثم عبر الشاحنات إلى الساحل حيث يمكن أن تعبر إلى شبه جزيرة سيناء على متن سفن تهريب صغيرة. لكن إسرائيل اعترضت بشكل متكرر طريق الإمداد هذا عبر قصف قافلتين. وأخيرا، عندما فتحت بغداد مجالها الجوي في عام 2011، تمكنت شحنات الأسلحة الإيرانية من الوصول بسرعة أكبر إلى دمشق وبشكل مباشر أكثر من أي وقت مضى.

استغلت إيران ذلك على الفور وأطلقت عملية نقل جوي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا. وفي الفترة الممتدة بين يونيو / حزيران وأكتوبر / تشرين الأول من عام 2011، قامت وزارة الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات على أكبر شركتين للطيران بإيران وهما - إيران للطيران وماهان إير - لشحناتهما من الأسلحة إلى وكلاء إيران في الخارج، وعلى الرغم من هذه العقوبات، لم تكف هذه الطائرات عن التحليق.

ثم، في صيف عام 2015، امتد الجسر الجوي فجأة. في ذلك الوقت، كانت إيران وست قوى عالمية بقيادة واشنطن تتفاوض حول الاتفاق النووي الإيراني، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، أو خطة العمل المشتركة. وفي الوقت نفسه، قامت قوات الثوار بإلحاق هزائم نكراء بقوات الأسد وإيران. وكان قد توجه قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، اللواء قاسم سليماني، إلى موسكو لتنسيق استراتيجية من شأنها أن تعكس مسار الحرب الأهلية في سوريا، والتي اعتمدت بشكل حاسم على زيادة حجم إمدادات الأسلحة والمقاتلين من قبل إيران، والذين سيتم نشرهم بسرعة في ساحة المعركة. وستكون وسائل النقل عن طريق مئات الرحلات الجوية سنويا من قبل الطائرات الإيرانية وطائرات النظام، والتي تم استئجارها من طرف شركات طيران تجارية.

بلغ عدد الرحلات التي قامت بها شركة "إيران للطيران" أكثر من 140 رحلة مسجلة إلى دمشق في الفترة الممتدة بين كانون الثاني/ يناير 2016 وأيار/مايو 2017 ، لكنها ألغت بعد ذلك رحلاتها التي كانت مقررة إلى سوريا فجأة، بينما لا تزال شركة "ماهان" للطيران تقوم برحلات جوية باتجاه سوريا حتى يومنا هذا، إذ وصل عدد رحلاتها 379 رحلة جوية منذ كانون الثاني/ يناير 2016 ،وهذا ما تفعله شركة الطيران التابعة للنظام، بالإضافة إلى شركة طيران خاصة يطلق عليها اسم (أجنحة الشام)، وشركة طيران أخرى يملكها الحرس الثوري الإيراني تحت اسم (بويا إير)، وطائرتان من طراز بوينغ 747 الإيرانية ليبلغ مجموع رحلات شركات الطيران هذه مجتمعة نحو 1500 رحلة منذ بدء عملية النقل الجوي.

إن هذه الطريقة أكثر فعالية وكفاءة من حيث التكلفة مقارنة بإرسال الآلاف من الشاحنات في رحلة طويلة عبر الصحراء.

وفي تقرير لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، كتب فارزين نديمي العام الماضي أنه خلال فترة شهرين، قامت هذه الرحلات الجوية بنقل نحو 21 ألف راكب و5000 طن من الإمدادات إلى دمشق. فإذا ما افترضنا أن هذه الأرقام دقيقة، على مدى فترة سنتين وبالمعدل نفسه، فقد تم نقل ما يزيد على 250 ألف شخص - معظمهم من مقاتلي المليشيات،و 60 ألف طن من الإمدادات.

امتنعت إدارة أوباما عن اعتراض الشحنات الجوية التي تقوم طهران بنقلها إلى سوريا، وذلك تماشيا مع جهودها لتأمين إبرام اتفاق نووي مع إيران. وقد أعرب الرئيس دونالد ترامب عن اعتراضه الشديد للاتفاق النووي، بيد أنه لم يتخذ حتى الآن أية إجراءات لعرقلة عملية النقل الجوي الذي تقوم به طهران.

من المعروف أن الرئيس دونالد ترامب ليس لديه العديد من الخيارات الجيدة. ولا يمكن للولايات المتحدة أن تعترض الطائرات الإيرانية وتفتشها وتستولي عليها، بنفس الطريقة التي تقوم بها بحجز السفن الإيرانية. من شأن قصف مدرجات هبوط الطائرات الخاصة بمطار دمشق الدولي أن يعطل النقل الجوي بشكل مؤقت، ولكن سوريا لديها مطارات مدنية أخرى، مثل مطار اللاذقية، كما إن هجوما كهذا من شأنه أن يثير غضب موسكو. لهذا يمكن اعتبار فرض عقوبات جديدة البديل الأفضل لحل هذه الإشكالية.

وبفضل خطة العمل الشاملة، انتهت ثلاثة عقود من العقوبات الأمريكية ضد الطيران المدني الإيراني. وتوجهت طهران على الفور لشراء طائرات جديدة لاستبدال أسطولها الجوي التجاري القديم، حيث وقعت العديد من الصفقات مع "بوينغ" و"إيرباص". وعلى الرغم من دورها النشط في النقل الجوي، فقد تم إزالتها من قائمة العقوبات الأمريكية. كانت شركة "إيران إير" للطيران على رأس قائمة الشركات التي قامت بتجديد أسطولها الجوي، حيث تم تسليم تسع طائرات جديدة لها، ويتوقع وصول مئات الطائرات الأخرى، ولا تزال إيران تُجري مفاوضات بشأن هذا الأمر. فقد وقعت صفقات لشراء أكثر من 300 طائرة، بالإضافة إلى قطع الغيار والمساعدة التقنية والصيانة، مع أكبر شركتين للطائرات في العالم – "ايرباص وبوينغ" - فضلا عن التعاقد مع شركات مصنعة أخرى "كبومباردييه" الكندية وشركة "إمبراير" البرازيلية.

يمكن للولايات المتحدة أن تفسد تقريبا جميع هذه الصفقات، التي لا يمكن المضي قدما بها دون الحصول على تراخيص التصدير من وزارة الخزانة. وقد أوضحت خطة العمل المشتركة أنه لا يمكن بيع الطائرات إلى إيران إلا إذا كانت تستخدم حصرا للطيران التجاري. ومع ذلك يحتوي الاتفاق على خطأ مميت: يمكن لشركة الطيران استخدام أسطولها القديم لأغراض أخرى، والحفاظ على الطائرات الجديدة للطرق التجارية، والتقيد تقنيا بأحكام الاتفاق النووي بخصوص الطيران المدني. ولذا فإن فرض عقوبات على الطيران الإيراني خطوة حاسمة لمنع بيع الطائرات للشركات الطيران الإيرانية.

من المنطقي الاعتقاد بأن إلغاء صفقات الشراء هذه أن يعطل الممر الجوي، على الرغم من أن هذا الممر قد استمر عبر اعتماد إيران على الطائرات القديمة التي تعود إلى الثمانينات والتسعينات، بسبب التداعيات الاقتصادية والسياسية لهذا القرار، في الوقت الذي نجد فيه أن الاتفاق النووي معلقا بخيط رفيع، وفي الوقت الذي ينتظر فيه المجتمع الدولي بفارغ الصبر قرار الرئيس في 12 أيار / مايو القادم بشأن الانسحاب من عدمه.

ويذكر أن صفقات "إيرباص" و"بوينغ" التي تبلغ قيمتها عشرات مليارات الدولارات ستشكل اختبارا للاقتصاد الإيراني؛ فإذا عقدت هذه الصفقات، فستكون مؤشرا على جاهزية إيران للدخول في الأسواق المالية العالمية. ولكن إذا ما قامت إدارة ترامب بإلغاء هذه الصفقات فستحطم الآمال الإيرانية بتحقيق مكاسب اقتصادية حقيقية من الصفقة، وإن لم يتم إلغاء خطة العمل المشتركة في 12 أيار/ مايو القادم.

لا يمكن لأحد أن يجازف بالاستثمار في إيران بعد أن تم التصريح بأن الشركات والقطاعات التي شطبت من لائحة العقوبات قبيل خطة العمل المشتركة يمكن أن تفرض عليها عقوبات من جديد، وهذه المرة على أسس مختلفة. ويبدو الدعم المادي للمجازر التي تحدث في سوريا سببا قويا للقيام بذلك.

على ترامب أن يوضح أن الولايات المتحدة ستوافق على صفقات الطائرات فقط إذا ما وضعت إيران حدا لنقل الأسلحة والمقاتلين إلى سوريا جوا والذي يعتبر غير قانوني. تؤمن الطائرات الإيرانية الغطاء الجوي لعمليات القتل التي يقوم بها الأسد في سوريا وتمهد الطريق للتصعيد ضد إسرائيل. ومن ناحية أخرى، فإن السماح لإيران بشراء الطائرات المصنعة الغربية سيكون مؤشرا على أن البيت الأبيض عاجز عن إيقاف مسار طهران وتوجهها الحتمي نحو إثارة حرب في المنطقة.