الأثنين 2018/02/05

سوتشي.. موسكو تسعى للخروج من المستنقع السوري عبر حل سياسي

المصدر: الفايننشال تايمز

بقلم: كاثرين هيل

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


حمل أليكساندر لافرنتييف، رسالة حاسمة إلى 1393 سورياً من السياسيين والزعماء الدينيين والقبَليين المجتمعين في سوتشي هذا الأسبوع، مفادها: توصلوا إلى صفقة. في الوقت الذي تحاول فيه روسيا إيجاد مخرج لعملية السلام السورية المتعثرة. لم يكلف مبعوث بوتين نفسه عناء مصافحة أيدي المدعوّين.

وبعد يوم من المفاوضات المضطربة، صرح لافرنتييف بأن السوريين المشاركين في منتجع البحر الأسود توصلوا إلى اتفاق لتشكيل لجنة لإصلاح الدستور. كما قال إن الاتفاق "سيساهم في إنعاش عملية جنيف"، مشيراً إلى المفاوضات التي تديرها الأمم المتحدة بهدف حل النزاع السوري المستمر منذ سبع سنوات.

روسيا تتعجل للتوصل لاتفاق سياسي بعد تدخلها العسكري في الحرب لدعم بشار الأسد، وهو تدخّل جعل من موسكو أهم لاعب أجنبي في البلاد. إلا أن محادثات سوتشي التي قاطعتها المعارضة السورية الرئيسية والتي قاطع فيها بعض الحاضرين كلمات المسؤولين الروس، تسلط الضوء على التحديات التي يواجهها الكرملين في سوريا.

انخرط بوتين بالصراع السوري في أيلول / سبتمبر 2015 مع الإعلان عن حملة عسكرية تعهَّد بأن تكون سريعة وحاسمة. إلا أنه بعد عامين ونصف تقريبا، يبدو أنه يغوص في هذا المستنقع أكثر من أي وقت مضى. فبعد النجاح العسكري المدعوم من قبل الروس، أصبح الأسد أكثر حزما وأكثر صعوبة في التحكم به، مع استمرار الاشتباكات في سوريا ولوم الحكومات الغربية لموسكو لتحريضها على سفك الدماء.

أعلن بوتين نهاية العام الماضي أنه قد تمّ إنجاز المهمة التي تدخّلت موسكو لأجلها، كما زعم أن تنظيم الدولة قد سُحق، وقال إن القوات الروسية ستبدأ في العودة إلى قواعدها. ومنذ ذلك الحين، هوجمت قاعدة حميميم الجوية الروسية في شمال غرب سوريا مرتين على الأقل. كما استمر قصف النظام لجيوب الثوار بدعم جوي روسي وقتل أكثر من 190 شخصا في محافظة إدلب الشهر المنصرم. كما قامت تركيا بشن حملة ضد المليشيات الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة في الشمال الغربي لمدينة عفرين الحدودية.

ويقول بوريس دولغوف، وهو خبير سياسي في شؤون الشرق الأوسط في الأكاديمية الروسية للعلوم، "لقد كان بوتين على حق عندما قال إن تنظيم الدولة قد هزم، لكن الصراعات الأخرى تزداد سوءا وحدة"،  مضيفاً "لقد رفعت الحكومة الروسية آمالها عالياً بخصوص قدرة الأطراف السورية على إيجاد حل دون تدخل أحد، وظنت أن الجزء العسكري من المشكلة سيتم تخطّيه، لكن الأطراف المتحاربة اليوم لا تزال تراهن على استعمال القوة".

لقد نجحت موسكو باستثمار الصراع السوري لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة تقليدياً. حتى مستشارو الكرملين يعترفون بأن دور روسيا في سوريا قد تخللته مشاكل مماثلة لتلك التي واجهتها الولايات المتحدة بعد غزو العراق وأفغانستان.

إن أي مؤشر على تورط روسيا في حرب طويلة الأمد يعيد ذكرى الحرب الكارثية للاتحاد السوفياتي في أفغانستان.

وقال فاسيلي كوزنيتسوف مدير "مركز الدراسات العربية والإسلامية في معهد الدراسات الشرقية في الأكاديمية الروسية للعلوم" في تصريح لصحيفة الفايننشال تايمز، إن "هناك مخاوف حقيقية في المجتمع الروسي من أفغانستان الثانية".

في سوريا، تتعلم موسكو أبجديات العمل هناك. حيث تعتبر هذه الحملة هي المرة الأولى التي ينخرط فيها الجيش الروسي في مهمة خارج أراضيه بكثير، ولا تقتصر على عمليات القتال فحسب، بل تشمل أيضا جهود الوساطة والدعم الإنساني.

كما قال كوزنيتسوف"ما نواجهه في سوريا يذكّرني بلعبة فيديو يطلق عليها اسم بيريسترويكا، حيث تعتقد دائما بأنك قد وصلت إلى أرض ثابتة، لتكتشف فيما بعد بأنك تغرق مجددا.

في اللعبة، يجب على اللاعبين مساعدة الضفدع على الوصول إلى الأرض آمنة من خلال القفز من زهرة لوتس لأخرى، لكن هذه الزهور ليست ثابتة وفي تحرك دائم، وهي تمثّل الفوضى السياسية والاقتصادية التي أطلقتها الإصلاحات التي تم تطبيقها خلال أيام أفول الاتحاد السوفياتي.

إن مشكلة روسيا في سوريا كانت واضحة بشكل جلي في مؤتمر سوتشي. بعد دقائق من الإعلان النهائي، نددت قيادات المعارضة السورية بنتائج المؤتمر والتي أُعِدت تفصيلا على قياس الأسد، وأصروا أنها لا تمت للموضوع بصلة. مع ذلك، يقول المسؤولون الروس إنه من المبكر جدا الوشطب الدبلوماسية الروسية من سوريا.

وقال مسؤول بارز في السياسة الخارجية "نحن لا نعتقد أنه يمكننا حل الأزمة السورية خلال أشهر"، مضيفاً: " لقد ظن بعض مسؤولينا العسكريين أنه يمكننا الدخول والخروج من سوريا بشكل سريع إذا ما قمنا بالأمور على طريقتهم. لكننا نؤمن بأن مقاربة شاملة تقوم على أساس الدبلوماسي من شأنها أن توصلنا إلى حل دائم في سوريا".

بالنسبة للمحللين الروس، فإن دفع بوتين للإسراع بالمفاوضات السياسية هو، في جزء منه، عرض للاستهلاك المحلي.

وقال غريغوري لوكيانوف الخبير في النزاع في "مجلس الشؤون الدولية الروسي": " لقد كان الهدف من إعلان الانتصار خلق انطباع بالنجاح في وجه الانتخابات الرئاسية القادمة (والتي ستجري في آذار/ مارس القادم)، مضيفا أن "وجهة النظر التي قدمت للجمهور الروسي هي أننا لسنا طرفا في النزاع، وأن سوريا هي ساحة صراع من الجغرافيا السياسية العالمية وأن روسيا سادت حيث فشلت الولايات المتحدة".

ويؤكد فيتالي نومكين، أحد خبراء روسيا البارزين في الشرق الأوسط، والذي يعمل الآن كمستشار لموفد الأمم المتحدة في سوريا ستيفان دي ميستورا أن موسكو مستعدة لهذه اللعبة الطويلة، مشيرا إلى الصراع العربي الإسرائيلي والخلاف المستمر منذ أكثر من عام حول قبرص، قائلاً: "كم من العقود استمرت العديد من الصراعات مع محاولة العالم بأسره لحلها؟".

كما قال فلاديمير سولوتسينسكي، وهو سفير سابق في تركيا، "نحن نعمل مع الكلّ ولا نقسِم العالم إلى حلفاء وخصوم، بل نأخذ بعين الاعتبار كل مصالح الأطراف الأخرى، غير أنه لا تحكم سياستنا المبادئ أو الإيديولوجيا كما تفعل الولايات المتحدة".

مع ذلك، آثار مسؤول السياسية الخارجية الذي تحدث مع فايننشال تايمز ملاحظة حذرة، قائلا "في سوريا، ربما نقف في بداية طريق طويل".

الخط الزمني للتدخل الروسي في سوريا:

سبتمبر/ أيلول 2015:

التدخل الروسي العسكري لمساندة نظام بشار الأسد بعد خمس سنوات من الثورة ضد حكم الأسد.

تشرين الأول/ أكتوبر 2015:

بشار الأسد يشكر بوتين على دعمه العسكري- ويثمن جهود الرئيس الروسي للتدخل من أجل "محاربة الإرهاب" وقلب الموازين في الحرب.

تشرين الثاني/ نوفمبر 2015:

تركيا تسقط مقاتلة روسية على الحدود السورية- التركية. يتهم بعدها بوتين أنقرة بتقديم الدعم العسكري للجهاديين.

تشرين الثاني/ نوفمبر 2016:

نظام الأسد يشن هجوما بدعم من القوات الروسية الجوية على حلب، وطرد الثوار من آخر معاقلهم هناك، وكذا قتل أعداد هائلة من المدنيين.

كانون الثاني/ يناير 2017:

روسيا وإيران وتركيا تعبد الطريق لأولى جولات أستانا، حيث التقى اللاعبون الرئيسيون في العاصمة الكازاخستانية لبدأ عملية خفض التصعيد على الأرض.

تشرين الثاني/ نوفمبر2017:

خلال اجتماع مع بشار الأسد بمنتجع البحر الأسود في سوتشي، الأسد يقدم الشكر لبوتين "على إنقاذ البلاد".

كانون الأول /ديسمبر 2017:

بوتين يعلن هزيمة تنظيم الدولة و "انتهاء الحملة" في سوريا.