السبت 2018/12/01

سمعة السعودية: حكاية من ثلاثة فصول


بقلم: كريسنادييف كالامور

المصدر: الأتلانتيك

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


 

في الوقت الذي لا يزال فيه مقتل جمال خاشقجي يحظى باهتمام العالم مع بدء قمة مجموعة العشرين، كشفت الكيفية التي تعامل بها قادة العالم مع محمد بن سلمان عن مراكز القوة لديهم.

كان السؤال الأهم قبل بدء القمة في الأرجنتين عن الكيفية التي سيستقبل بها زعماء العالم ولي العهد السعودي، وسط تداعيات مقتل جمال خاشقجي. لقد أصبحت الإجابة عن هذا السؤال في أيدينا الآن: سلام حار من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عتاب واضح من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتجاهل من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

تقول وكالات الاستخبارات الأمريكية إن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أمر الشهر الماضي بقتل خاشقجي ( صحفي مساهم في صحيفة "واشنطن بوست" وناقد للنظام)، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول. في غضون ذلك، تقول وكالات الاستخبارات الغربية إن موسكو استخدمت مادة كيماوية -غاز أعصاب- خلال محاولتها اغتيال جاسوس روسي سابق وابنته في مارس/ آذار الماضي على الأراضي البريطانية. باءت هذه المحاولة بالفشل، لكن امرأة بريطانية توفيت عقب تعرضها لهذا الغاز.

على الرغم من أنه لا يمكن تحديد طبيعة العلاقات الدبلوماسية التي تجمع البلدان ببعضهما، من خلال فك رموز لغة الجسد، إلا أن التفاعلات - أو غيابها الملحوظ - بين قادة العالم في القمم الكبيرة، نادرا ما تكون عرَضية وغير مقصودة. فمن خلال تحركاتهم الدقيقة، حاول جميع هؤلاء القادة إظهار قوتهم للتأثير على بعضهم.

أظهرت لقطات إخبارية من حفل افتتاح القمة يوم الجمعة الماضي كلاً من بوتين ومحمد بن سلمان وهما يبتسمان ويمازحان بعضها، حيث تصافحا على طريقة غير تقليدية "هاي فايف". لم يكن واضحا ما الذي دفعهما إلى الضحك لكن انسجامهما كان واضحا. كان تفاعل ماكرون مع محمد بن سلمان مختلفاً تماماً، فخلال محادثة قصيرة لهما التقطتها عدسات الكاميرات على شريط فيديو، قال الرئيس الفرنسي لولي العهد السعودي، "أنا قلق" على ما يبدو من تداعيات مقتل خاشقجي. استرسل ماكرون قائلا: "لقد أخبرتك ... لكنك لم تصغِ إلي... لقد أخبرتك أنها فرصة بالنسبة لك". رد محمد بن سلمان عليه قائلاً "لا بأس، سأقبل بها".

في هذه الملاحظات إشارة واضحة إلى نصيحة قدمها ماكرون لمحمد بن سلمان بشأن السماح بإجراء تحقيق دولي في مقتل خاشقجي. برَّأ التحقيق السعودي ولي العهد من أي دور له في مقتل خاشقجي، لكنه اتهم أكثر من اثني عشر شخصا بالتورط في قتل خاشقجي، بمن فيهم مسؤولون سعوديون بارزون.

ثم كانت هناك الطريقة التي تفاعل بها ترامب مع محمد بن سلمان. تعتبر الطريقة التي تعامل بها ترامب خلال هذه القمة مهمة بالنظر إلى الدعم الذي كان يقدمه للحكام المستبدين والانتقاد الذي طال حلفاء الولايات المتحدة خلال مناسبات أخرى. لكنه يوم الجمعة الماضي، مر بجانب ولي العهد السعودي ولم يتوقّف للتحدث معه أو مصافحته، الأمر الذي يُعد غريباً بالنظر إلى الدعم الذي قدّمه هذا الأخير لمحمد بن سلمان بخصوص قضية خاشقجي.

وبحسب ما جاء على لسان أحد المسؤولين في البيت الأبيض لصحيفة نيويورك تايمز فقد قام كل من ترامب ومحمد بن سلمان "بتبادل المجاملات" فيما بعد. أوضح ترامب في وقت سابق، أنه في الوقت الذي يعتبر فيه ما حدث لخاشقجي أمرا فظيعا، إلا أن السعودية أهم -كحليف بالنسبة للولايات المتحدة- من توجيه اللوم لمحمد بن سلمان.

وذكرت وسائل الإعلام السعودية أن ترامب ومحمد بن سلمان عقدا "اجتماعا وديا" في وقت لاحق، لكن عندما سئل ترامب عن هذا الموضوع، رد قائلا: "لم تدُر بيننا أية مناقشات".

تحاشى ترامب محمد بن سلمان، كما إنه مر بجانب بوتين متجاوزاً إياه دون إلقاء التحية. كان من المقرر أن يلتقي كل من ترامب وبوتين الخميس، لكن ترامب ألغى الاجتماع، مشيرا إلى احتجاز روسيا الأسبوع الماضي سفناً تابعة للبحرية الأوكرانية قرب شبه جزيرة القرم. ليس من قبيل الصدفة أن يلغي ترامب لقاءه مع بوتين بعد وقت قصير من إقرار مايكل كوهين، محاميه السابق، بأنه كذب على الكونغرس، واعترافه للمحكمة الاتحادية بأنه سافر إلى روسيا خلال حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2016 لمناقشة بناء برج ترامب في موسكو. كما بدا أن ترامب يتجنب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يعتبر أشد المنتقدين لتورط السعودية في قتل خاشقجي.

في المقابل، بدا أن ترامب يستمتع بمحادثاته مع ماكرون، الذي انتقد بشدة رؤية ترامب للقومية خلال ذكرى نهاية الحرب العالمية الأولى الشهر الماضي، ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، الذي يسعى إلى إقامة تحالف وثيق مع الرئيس الأمريكي على الرغم من التوتر الذي تعرفه علاقة البلدين بشأن صادرات السيارات اليابانية إلى الولايات المتحدة.

حدث كل هذا، قبل تطرق قادة مجموعة العشرين إلى القضايا المثيرة للجدل كالتجارة العالمية وتغير المناخ اليوم السبت. إن الطريقة التي يتصرف بها الزعماء أمام الكاميرات ستكون جديرة بالمشاهدة دون شك.