الأربعاء 2018/08/22

ستراسفور: روسيا تدرس خطواتها التالية في سوريا

المصدر: ستراسفور

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

 

دخلت الحرب في سوريا مرحلة جديدة منذ سيطرة النظام على درعا والقنيطرة جنوبي غرب البلاد.

الآن، ولأول مرة في تاريخ الصراع الذي دام سبع سنوات، أصبحت كل الأراضي المهمة في سوريا إما تحت سيطرة مباشرة للقوات الموالية أو خاضعة لنفوذ القوات الأجنبية.

تسيطر "قوات سوريا الديمقراطية" المتحالفة مع القوات الأمريكية على الجزء الشمالي الشرقي من البلاد، في حين تتواجد القوات التركية شمالي محافظة حلب وإدلب، حيث تتمركز آخر معاقل الثوار.

إلا أن نظام بشار الأسد هو من يسيطر على معظم أراضي سوريا بمساعدة من إيران وروسيا وحزب الله.

لدى كل هؤلاء الشركاء رؤية مختلفة عن مستقبل البلاد. لكن موسكو- بعد أن حققت هدفها الأساسي المتمثل في تأمين موقفها وموقف نظام الأسد، تتوق إلى تحقيق الاستقرار وجني ثمار مشاركتها في الصراع. ولهذه الغاية، وضعت روسيا خطة متعددة الجوانب، مليئة بالمخاطر ويبقى نجاحها بعيد المنال.

*عملية إعادة إعمار مستبعدة: *

تتمثل الخطوة الأولى في خطة روسيا في تأمين تمويل إعادة الإعمار الضروري للحفاظ على الأسد في السلطة سلميا على المدى الطويل. فعدم وجود جهود لإعادة بناء واستقرار البلاد، يمكن أن يؤدي إلى ظهور ثورة مرة جديدة.

كما يمكن أن يؤدي دور روسيا في تهدئة وإعادة تأهيل سوريا إلى تعزيز نفوذها وتعزيز شرعية نظام الأسد، ربما بما يكفي للدفع بالغرب إلى رفع العقوبات المفروضة على دمشق.

لن تكون هذه العملية غير مكلفة، على الرغم من أن جل التقديرات تشير إلى أن تكلفة إعادة الإعمار ستصل إلى نحو ٤٠٠ مليار دولار. ولأن روسيا لا تستطيع تحمل دفع هذه التكاليف بمفردها، ستلجأ إلى دول أخرى كالولايات المتحدة والصين والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من أجل الحصول على المساعدة.

حتى الآن، قوبل هذا الطلب بردود فعل مختلفة. ففي الوقت الذي أبدت فيه الصين رغبتها في الاستثمار في جهود إعادة الإعمار، رفضت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المشاركة في خطة روسيا.

وقد قامت بعض دول الاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا، بتسليم المساعدات الإنسانية لسوريا إلى جانب روسيا، لكن أنشطتها بعيدة كل البعد عن خطة إعادة الإعمار التي تحاول موسكو القيام بها.

في محاولة لإغراء أعضاء الاتحاد الأوروبي لدعم رؤيتها، أثارت روسيا احتمال عودة اللاجئين إلى سوريا التي تحاول إعادة إعمارها. غير أن الاتحاد الأوروبي يشكك في نوايا روسيا ولا يزال غير راغب في العمل مباشرة مع نظام الأسد.

يبدو أن إقناع الولايات المتحدة بفائدة هذه الخطة أكثر صعوبة مما يبدو. لا تسعى واشنطن إلى عدم العمل مع نظام الأسد فقط، بل إنها تبحث أيضا عن طرق لخفض حجم إنفاقها في سوريا في ظل عدم وجود تحول سياسي حقيقي هناك.

فقد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في ١٧ آب / أغسطس الجاري، أنه بدلاً من إنفاق مبلغ ٢٣٠ مليون دولار مخصصة لجهود تحقيق الاستقرار في المناطق الواقعة تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، فإنها ستطلب من حلفائها العرب دفع تكاليف تلك الجهود.

تجنب تصعيد إسرائيلي إيراني:

مع استمرار موسكو في البحث عن طرق لضمان استمرارية نظام الأسد، فإنها تعمل أيضًا على عدم تصعيد الصراع في سوريا إلى حرب بين الدول المعنية هناك.

قامت إسرائيل بتكثيف الهجمات ضد القوات الإيرانية في سوريا خلال العام الماضي، في محاولة لمنع طهران من التوغل في البلاد.

إذا استمرت هذه الهجمات فمن شأنها أن تؤدي إلى حرب شاملة بين كل من إيران وإسرائيل، الأمر الذي من الممكن أن يضر بقدرات النظام ويدفع بروسيا إلى التدخل من جديد.

ولتجنب المزيد من التصعيد، أقنعت روسيا إيران بسحب وحداتها من جنوب غرب سوريا في الوقت الراهن وربط المزيد من الاتصال مع إسرائيل لتجنب الصدامات العرضية بين القوات الروسية والإسرائيلية.

ومع ذلك، فإن خطر المواجهة الإسرائيلية الإيرانية لا يزال قائما. إذ يمكن لإيران أن تقوم بإرسال قواتها إلى المنطقة القريبة من مرتفعات الجولان في أي وقت شاءت.

كما يمكن لإسرائيل أن تواصل هجماتها طالما أن هناك وجودا إيرانيا في سوريا. فلا تملك روسيا القدرة ولا الإرادة الكافيتين لطرد إيران من سوريا بالكامل، إذ إنها متوغلة في البلاد، كما إن تأثيرها على دمشق هائل.

بالإضافة إلى ذلك، لا تزال موسكو بحاجة إلى القوات الإيرانية في سوريا لشن حملات مضادة على الثوار، الأمر الذي من الممكن أن يستمر لفترة طويلة في المستقبل في المناطق النائية.

مسألة إدلب:

لكن القضية الأكثر حساسية والتي يتعين على موسكو التعامل معها هي إدلب.

تقع إدلب من الناحية الفنية في مناطق اتفاقيات "خفض التصعيد" التي توصلت إليها كل من روسيا مع تركيا وإيران خلال محادثات السلام في كازاخستان العام الماضي. .

ظلت اتفاقات خفض التصعيد مجرد تسميات، على الرغم من أنها مهدت الطريق لتركيا لإرسال قوات لإنشاء اثنتي عشرة نقطة مراقبة على طول الحدود الإقليمية لإدلب.

والآن بعد أن استعاد نظام الأسد سيطرته على جنوب غرب سوريا، تتوق دمشق إلى شن هجوم على إدلب لاستعادة المزيد من الأراضي. وكانت قد تحركت القوات الموالية للنظام شمالا نحو المحافظة خلال الأسابيع القليلة الماضية استعدادًا لشن هذا الهجوم، الشيء الذي جعل روسيا في موقف حرج.

تريد موسكو إضعاف قوات الثوار في إدلب من جهة - وخاصة أولئك الذين يقفون وراء الهجمات التي استهدفت قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية - للتأكد من أنهم لن يشكلوا تهديدًا للنظام في المستقبل.

من ناحية أخرى، يمكن أن يضع ذلك روسيا في صراع مباشر مع تركيا، التي تعارض الانسحاب من إدلب خوفًا من فقدان المنطقة العازلة في سوريا وإطلاق موجة من اللاجئين على حدودها.

ليس لدى موسكو أي نية للدخول في مواجهة مع أنقرة؛ إذ إن نشوب نزاع بينهما يمكن أن يقطع علاقاتهما ويدفع بتركيا إلى الاصطفاف إلى جانب الولايات المتحدة من جديد.

بالنظر إلى كل هذه الأسباب، من المحتمل أن تتبع روسيا نهجا متوازنا بخصوص مسألة إدلب.

تحاول روسيا الضغط على تركيا لاتخاذ موقف أكثر صرامة بشأن الجماعات الجهادية، بما في ذلك "هيئة تحرير الشام" و"الحزب الإسلامي التركستاني" في سوريا (باعتباره فرعا لجماعة الإيغور، والتي تعتبر مصدر قلق كبير للصين أيضا).

وفي الوقت نفسه، تحاول روسيا التعامل مع توقعات دمشق من خلال توضيح أنها لن تدعم هجومًا عسكريًا كاملًا لاستعادة إدلب طالما بقيت القوات التركية في المحافظة.

وبدلاً من عملية كاملة، من المرجح أن تبدأ سلسلة من الهجمات المدعومة من روسيا في الأسابيع القليلة المقبلة، إلى جانب حملة دعائية واسعة النطاق لإقناع الجماعات الثوار بالاستسلام.

ومع ذلك، فإن مثل هذا النهج ينطوي على مخاطر كبيرة. لم تدعم روسيا يوما القيام بعمليات عسكرية واسعة النطاق في الأجزاء التي يسيطر عليها الثوار في ظل وجود قوات أجنبية.

إذا ما قررت القيام بذلك في إدلب، فسوف تتسبب في خسائر كبيرة في صفوف الأتراك أو تدفع بتركيا إلى القيام بالمثل والتصعيد.

على الرغم من أن نظام الأسد قد استعاد قبضته على مفاصل السلطة إلى حد كبير قد تدرك روسيا أن تنفيذ بقية استراتيجيتها في سوريا أصعب مما كانت تعتقد.