السبت 2017/10/07

روسيا تشق طريقها نحو الخروج من سوريا

ترجمة : مركز الجسر للدراسات...

المصدر: ستراتفور

منذ دخولها في الصراع عام 2015، قلبت روسيا منحى الحرب الدائرة في سوريا، واستطاعت معية إيران قلب موازين القوى لصالح النظام، وهي الآن تحاول إيجاد مخرج لها من ساحة المعركة. إذ لا تسعى موسكو إلى المكوث طويلا في الصراع السوري، كما إنها لا تريد أن تخسر ما حققته من مكاسب عزّزت من مكانتها في البلاد، وجعلت لها نفوذاً محورياً في المنطقة.

ولهذا الغرض، تبنت روسيا استراتيجية "فرِّقْ تسُد" بالتعاون مع حلفائها الإيرانيين والسوريين، إذ ستركز بداية على تقليص أعداد الثوار المعارضين للنظام من خلال عرض اتفاقيات مناطق "خفض التصعيد" عليهم وعلى داعميهم لتهدئة المناطق التي يشتد فيها النزاع. وفور تقليص أعداد المقاتلين هناك ستسعى روسيا خلف الجماعات المتطرفة كتنظيم الدولة، وقد مكّنت هذه الاستراتيجية حتى الآن كلاً من روسيا والقوات الموالية لإيران من صبّ تركيزهم على ضم المزيد من الأراضي وإخضاعها لسيطرتهم في الشرق، عوض محاربة الثوار غرب البلاد على أعقاب اشتباكاتهم مع تنظيم الدولة. بيد أن موسكو قد بدأت تدرك جيدا أن تحقيق أهدافها في سوريا أصعب مما تصورت.

فعلى الرغم من المكاسب الواضحة لروسيا في سوريا، إلا أن العديد من الثغرات التي تتخلل خطة خروجها من هناك بدأت في الظهور.

فقد باءت بالفشل كل محاولات "خفض التصعيد" التي قامت بها خلال المباحثات التي جرت في كازاخستان سابقا. ويرجع جزء من هذا الفشل بالأساس إلى أن جماعات الثوار المستقلة لم تُلقِ بالاً للضغط الخارجي؛ فهيئة تحرير الشام المسلحة -على سبيل المثال- رفضت الاعتراف بمفاوضات وقف إطلاق النار، وشنّت هجمات على مواقع المُوالين للنظام في محافظة حماة القريبة من معقلها في إدلب. كما إن حلفاء روسيا قاموا أيضا بتقويض الخطة الروسية. وعلى الرغم من إدراك إيران وسوريا فحوى الاستراتيجية الروسية؛ إلا أنهم عارضوا عدم المطالبة بالأراضي التي تخضع للثوار عبر تعليق اعتداءاتهم هناك. فطهران ودمشق -على خلاف موسكو- ستظلان طرفاً في الحرب لمدة طويلة ولن تتراجعا إلا عند تحقيق النصر الكامل. وهو ما أدى إلى استمرار القوات الموالية للنظام بشن هجمات على الثوار غرب البلاد وعلى التحديد في حي جوبر شرق العاصمة.

وعلاوة على الفشل الذريع الذي طال اتفاقيات مناطق خفض التصعيد، تواجه روسيا عدة انتكاسات في الوقت الذي تقوم فيه القوات الموالية لها بالتوجه شرقا نحو الحدود العراقية. إذ تخشى موسكو من أن تعيق "قوات سوريا الديموقراطية" المدعومة من طرف الولايات المتحدة تقدم قواتها نحو دير الزور عبر نهر خابور.

ففي الوقت الذي أحرزت فيه "قوات سوريا الديموقراطية" تقدماً، تعرضت القوات الروسية لهجمات من قبل تنظيم الدولة؛ الشيء الذي أدى إلى خسائر كبيرة في صفوف القوات الروسية في المنطقة الواقعة شرق البلاد. كلّفت هذه الهجمات روسيا فقدان ضباط رفيعي المستوى من بينهم ضابط برتبة فريق. بالإضافة إلى هذا، قام تنظيم الدولة بنشر مقطع مصور في 3 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي يظهر فيه أسيران روسيان، وهما على الأغلب من المتعاقدين العسكريين الخاصين، وقد صرح التنظيم أنه أسرهما خلال إحدى هجماته الأخيرة.

وما يجعل الأمور أكثر تعقيدا بالنسبة لروسيا هو تناقص المؤيدين لتدخلها في الحرب السورية، فحسب استطلاع للرأي قام به مركز ليفادا مطلِعَ الشهر الماضي ( وهو مركز مستقل ) أظهر الاستطلاع أن المؤيدين لتدخل روسيا في هذه الحرب لا يتجاوزون الثلث، في الوقت الذي كانوا يفوقون فيه الثلثين عام 2015. وقد خرج المحتجون الروس في مظاهرات تطالب الحكومة الروسية بإلغاء هذا العملية العسكرية المكلفة وتسخير الأموال التي يتم إنفاقها هناك لتأمين حاجيات مواطنيها.

ولتعزيز موقفهم قبل الانتخابات التي سيتم تنظيمها في 2018 ، قام القادة الروس بإلقاء الضوء على أهمية العملية السورية من خلال القول إنها مكّنت أجهزة الأمن الفيدرالية من تعقب وإلقاء القبض على عناصر لتنظيم الدولة كانوا يخططون للقيام بهجمات ضد روسيا.

وعلى الرغم من التحديات التي تعيق خطة خروج موسكو من سوريا، فمن المرجح أن لا تتوقف روسيا عن تبني الاستراتيجية نفسها. إذ ستستمر في الضغط العسكري على قوات الثوار والتواصل دبلوماسيا مع داعميهم. وهي وإن لم تستطع إيقاف الحرب في سوريا، فإنها ستسعى إلى أن يصل الصراع مرحلة لا تتطلب تدخلا عسكريا من قبلها بهذا الحجم.