الأثنين 2018/09/03

روسيا تحاول خداع الثوار السوريين المحاصرين

بقلم: توماس غروف

المصدر: وول ستريت جورنال

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

تل الكروم، سوريا - غادر أكثر من ٢٠٠٠ عنصر من مقاتلي الثوار الذين حاربوا ضد قوات النظام مواقعهم هنا، وسلموا أسلحتهم الثقيلة إلى الضباط الروس في تموز/ يوليو الماضي، دون إطلاق رصاصة واحدة.

إن ما حدث يُظهر محاولة موسكو تطبيق ما يسمى بالقوة الناعمة في الحرب السورية، في الوقت الذي تحاول فيه إنهاء حملتها العسكرية الوحشية التي كلفتها مليارات الدولارات، وطلب المساعدات المالية من الدول المانحة للمساهمة في إعادة إعمار البلد الذي ساهمت في تدميره.

أثنت روسيا على هذه العملية، التي مهدت الطريق لعودة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة إلى منطقة مرتفعات الجولان المنزوعة السلاح، واعتبرتها نصرا "لتكتيكاتها السلمية الناجحة".

لقد قلبت الهجمات التي قامت بها روسيا موازين الحرب لصالح الأسد، كما قامت هذه الأخيرة مؤخرا بإرسال سفن حربية إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، والتي من المحتمل أن تشارك في الهجوم العسكري المرتقب على آخر معاقل الثوار في سوريا بمحافظة إدلب.

كما قامت روسيا بالتوصل إلى تفاوض مشروط وقدمت وعودا لفصائل المعارضة في تموز/ يوليو الماضي بوضع حد للعنف، وتقديم العفو العام لكل السوريين وتكريس جهودها لاستعادة الخدمات العامة، مقابل تقديم الولاء للأسد.

يقول المحللون إن الجيش الروسي يولي أهمية كبيرة للتكتيكات، لأن تأثيرها يتعدى العمليات العسكرية ويكتسي طابعا وظيفيا خطيرا لا يتطلب الحصول على الكثير من الثقة.

في جنوب غرب سوريا، ركزت التكتيكات التفاوضية للروس على تقديم هذه الوعود للمجموعات الأصغر والأضعف من المدنيين والثوار على حد سواء، حسب ما جاء على لسان محللين، الشيء الذي مكّنهم من التخلص من أضعف مجموعات الثوار وصولا إلى أشدها قوة وعتادا. توقف الروس عن تبني هذا التكتيك بعد أن توقف الدعم الدولي للمعارضة.

أما بخصوص أولئك الذين رفضوا تسليم أسلحتهم، فوافقوا على التفاوض دون عنف، وركوب الحافلات مع عائلاتهم باتجاه إدلب.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشنكوف "لقد فهم المتطرفون أن اللعبة قد انتهت" مضيفا "لقد أضعفنا قدراتهم وعلموا أنهم وصلوا إلى طريق مسدود".

يقول دبلوماسيون روس إن موسكو تريد تكرار نفس الاستراتيجية في إدلب، وإن أولئك الذين سيرفضون إبرام اتفاقات معها من المرجح أن يتعرضوا للقصف بحسب ما جار على لسان محللين. يدعو قادة الثوار بعضهم إلى عدم التحدث مع الروس، ويذكّرون بعضهم بقدرة الضباط الروس على تقسيم المعارضة، التي انقسمت بالفعل بسبب الخلافات الداخلية والموارد المتضائلة.

وقال نيكولاس هيراس، وهو عضو في مركز الأمن الأمريكي الجديد، الذي يقدم المشورة للحكومة الأمريكية بخصوص سوريا: "إن الروس قد حققوا وضعا أشبه بالأسطوري في صفوف الثوار، لأنهم يستطيعون تقسيم هذه الصفوف من خلال عملية المصالحة".

يشكك المسؤولون العسكريون والدبلوماسيون الأميركيون كثيراً في دور روسيا بسوريا، ويشعرون بقلق متزايد إزاء علامات هجوم مرتقب على إدلب.

في وقت سابق من هذا الأسبوع، التقى مسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية مع السفير الروسي، أناتولي أنتونوف، في واشنطن لإعادة تأكيد مخاوف الولايات المتحدة، بحسب ما جاء على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر ناويرت.

وقالت السفارة الروسية إن أنتونوف قد وجه تحذيرات للولايات المتحدة خلال اجتماعه الأخير مع مسؤولين أمريكيين، إذ حذرهم من شن هجوم على قوات النظام بسبب مزاعم تتعلق بالأسلحة الكيماوية، وهو تحذير وصفه المتحدث باسم البنتاغون بأنه "كاذب".

بالنسبة لنظام الأسد، فإن عملية التفاوض التي تقوم بها روسيا تتغذى على سرد مفاده أن دمشق ستتصالح مع الثوار. تساعد هذه الرواية روسيا من أجل حثّ الحكومات الغربية على دفع ثمن إعادة إعمار سوريا وتشجيع اللاجئين السوريين في أوروبا على العودة إلى ديارهم، مع التحايل على قضية التسوية السياسية في البلاد.

معظم الاتفاقيات التي أبرمتها روسيا مع مجموعات الثوار موقعة من وزارة الدفاع الروسية، التي تقع في قاعدة "حميميم" الروسية قرب اللاذقية. وفقا للجيش الروسي، كان الضباط الروس في مركز التدريب النفسي على اتصال مع القرى والمجموعات الدينية والعرقية في جميع أنحاء البلاد منذ بداية تدخل موسكو عام ٢٠١٥، حتى في خضم أسوأ أعمال العنف.

وصرّح تشارلز ليستر، وهو موظف رفيع المستوى في معهد الشرق الأوسط، قائلا إنه "حتى عندما قصف الروس مناطق المعارضة في جميع أنحاء البلاد، قاموا بعمليات سرية مع الجماعات المسلحة وقادتها السياسيين، ولا سيما من خلال وزارة الدفاع".

لكن التكتيكات تركت العديد من المقاتلين تحت رحمة نظام الأسد.

في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، كتب ثوار سابقون تقارير عن سوء المعاملة التي تعرضوا لها على يد قوات النظام والمسؤولين الأمنيين، حيث طالت الاعتقالات العديد من الأشخاص المرتبطين بالمعارضة المسلحة، على الرغم من العفو العام الذي وعدت به روسيا. ويقول محللون إن روسيا حاولت التغاضي عن أسوأ تجاوزات نظام الأسد في هذه المناطق ووضعت نفسها كحكَم يمكن الاعتماد عليه.

وقال ليستر "يُنظر إلى الروس على أنهم لا يساهمون في تأجيج أي عداء طائفي في الصراع، ويُنظر إليهم على أنهم يحاولون القيام بجهد ما".

قال كوناشنكوف إن الأساليب التي تتبناها روسيا تأخذ في الاعتبار نجاحات وإخفاقات الولايات المتحدة في غزو العراق. وأضاف أن موسكو قد استفادت من تجاربها الخاصة في أفغانستان قبل هزيمتها عام ١٩٨٩، وحروب أخرى والثورة الطويلة في الشيشان، والتي أدت إلى تأليب عدد كبير من السكان المحليين ضد الكرملين.

ومع ذلك، فقد أودت الأسلحة الروسية الفتاكة بحياة العديد من المدنيين، كما أدت إلى نزوح مئات الآلاف من منازلهم. في الأشهر الستة الأولى من عام ٢٠١٨، قتلت الغارات الجوية الروسية ما لا يقل عن ٢٨٨٢ مدنيا في سوريا، بزيادة قدرها ٣٤٪ عن نفس الفترة من العام الماضي، وفقا لما أوردته "إير وورز" أو "الحروب الجوية"، وهي مجموعة مراقبة غير ربحية تتخذ من لندن مقرا لها.

لقد كانت هذه الزيادة التي عرفتها سنة ٢٠١٦ نتيجة للهجمات التي شنها النظام في الغوطة الشرقية ودرعا واستمرار القصف في إدلب.

إن المحاولات الأخيرة للاستسلام المشروط عُرضت على الثوار كبديل لهذا النوع من العنف.

وقال السيد هيراس: "بمجرد أن تدرك إحدى المجموعات أن هذه المصالحات لمنع المزيد من العنف، تتجه المزيد من المجموعات إلى إبرامها، ويصبح لهذه الاتفاقات ما يُعرف بالتأثير التعاقبي".