الأحد 2017/12/10

رغم تأثيرها القوي .. يبقى نفوذ روسيا في سوريا محدودا

العنوان الأصلي : لدى موسكو تأثير قوي في سوريا لكنه محدود

المصدر: المونيتور

بقلم: ماكسيم سوتشكوف

تاريخ النشر: 08/12/2017


أعلن الرئيس فلاديمير بوتين "الانتصار الكامل" على تنظيم الدولة على كلا ضفتي نهر الفرات في سوريا، إذ قام في 6 كانون الأول/ ديسمبر الحالي بالإعلان عن انتهاء العمليات في المنطقة وأضاف بوتين أن التركيز سيكون على العملية السياسية في سوريا والتي ستتضمّن في نهاية المطاف الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

هُمش إعلانه هذا وكذا ترشّحه لفترة رئاسية رابعة من طرف وسائل الإعلام بسبب الإعلان المثير للجدل الذي قام بالرئيس دونالد ترامب في اليوم نفسه واعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل. إلا أن هناك عدداً لا بأس به من الروايات التي تتحدث عن التحديات العديدة التي تواجهها موسكو الآن في سوريا، والتي تتمثل في تشكيل مؤتمر الحوار الوطني السوري (المزمع عقده الشهر الحالي) وكذا التعامل مع بشار الأسد لضمان "إجلاء إيران" من سوريا، وإشكالية منح حكم ذاتي أوسع للأكراد.

بعض المراقبين قلقون من أن "تقوِّض" روسيا عملية الاستقرار في سوريا، بينما يرجّح آخرون، ومنهم روسيا نفسُها، أن دور موسكو في سوريا بدأ يتناقص تدريجيا الآن مع وضع جل مصالح أطراف الأخرى على المحك، وعلى وجه الخصوص تركيا وإيران اللتين أصبحتا في المقدمة.

والمثير للسخرية، أن هذه ليست الاحتمالات المتعارضة الوحيدة. على الرغم من أن الدور الروسي الحالي في العملية لايزال مثيرا للجدل، فهو مهم بشكل موضوعي. فلكلّ من إيران وتركيا والسعودية وقطر والولايات المتحدة أهدافها ودوافعها الخاصة، ولا يمكنها القيام بالدور الذي تقوم به روسيا والمتمثل في إيجاد حلول جديدة للتقدم بالعملية السياسية، والعمل مع كل اللاعبين المحليين والإقليميين المتعارضين. يجد بعض هؤلاء اللاعبين أنفسهم مجبرين على العمل مع موسكو لعدم وجود بديل آخر. ويرى آخرون في روسيا ممثلهم المرجعي. فسواء كانوا على صواب أو على خطأ فهم يؤمنون بأنه يمكن لروسيا أن تؤمِّن مطالبهم بغض النظر عن نوعية هذه المطالب.

موسكو هي المُلامة الوحيدة عن رفع سقف تطلعاتهم. ففي السنوات الأخيرة، أقنع بوتين العالم بسطوة روسيا في سوريا والشرق الأوسط. ومهّد طريقه من أجل تزعُّم العملية هناك. فأصبح لدى العديدين الآن فكرة مغلوطة عن وضعية روسيا في سوريا.

إحدى "مصائد" هذه الفكرة المغلوطة هو الاعتقاد أن موسكو تسيطر على نظام الأسد. في غياب نفوذ آخر على الأسد، تلجأ الحكومات الغربية والإقليمية إلى روسيا لاستخدام نفوذها والذي حقّق نجاحات عشوائية. والحقيقة أنه على الرغم من التدخل المباشر لروسيا في الصراع السوري لمدة سنتين، يبقى من المستحيل معرفة مدى تأثير موسكو على الأسد.  لدى روسيا نفوذ ملموس على بعض المجالات الرئيسية كالمجال العسكري والاستخبارات. كما يقوم مدربون روس بتدريب جيش النظام، كما قام مسؤولون روس بالتخطيط لهجمات رئيسية لقوات النظام وعبر المحادثات السرية، حيث يدعي دبلوماسيون روس أن الأسد يُصغي لما يُمليه الكرملين. في الوقت نفسه، لا تملك موسكو أدنى شك عن ولاء الأسد لها وطموحه ببقائه في السلطة على الرغم من جهودها الوصول إلى حل سياسي والتفاوض مع المعارضة.

لم تُبدِ موسكو أسفاً على دعمها للأسد، ببساطة لأنها لم تغيّر رأيها حول الطريقة التي قد تبدو بها سوريا إذا ما أطيح بالأسد قبل ستّ سنوات من الآن. لكن، يبدو أنها تأمل تدريجيا، بين الفينة والأخرى، ألا تكون صاحبة القرار الوحيدة في سوريا وكذا في تعاملاتها مع معسكر المعارضة- بمن فيهم اللاعبون الخارجيون- حيث كان الوضع سيكون أكثر بساطة.

والواقع أن كون روسيا لاعباً رئيسيا، لا يمكِّنها من إيجاد حل للعملية وحدها، كما إن الاختلافات الشائعة وتضارب المصالح في الاجتماعات التي جرت في أستانا موجودة بالفعل.

يقودنا هذا إلى ثاني أكبر مغالطة والتي تنعكس في أطراف المعارضة التي تضم كلا من السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة. تدفع هذه الدول بموسكو لإقناع طهران بالتخلي عن هدفها بتعزيز تواجدها في سوريا. إن افتراض أن لموسكو تأثيرا قويا على طهران ينبع على الأغلب من ثلاثة أمور: "التحالف" الذي أقامه الاثنان أثناء الحرب، وتزايد التعاون بين البلدين على الصعيد الاقتصادي والبنيات التحتية والقضايا الإقليمية، وكذا عداوتهما المشتركة للولايات المتحدة.

تعتبر كل من روسيا وإيران "لاعبين استراتيجيين فرديين" في الصراعات الدولية والإقليمية، ولكل منهما إحساس قوي بتفرده. لكن تجمعهما نظرة متفردة للطريقة التي تتشكل فيها الأمور بالشرق الأوسط، وقد عقدا العزم على أن يصبحا شريكين بدلا من خصمين.

وعكس ما يظن البعض، فلا فرق بين هذين القطبين، إذ إن هناك توازنا رفيعا بينهما، من المحتمل أن يختلّ في أي لحظة جراء خطوة متهوّرة من أحدهما. ويتحاشى كلاهما ما ستؤول إليه الأمور جراء هذه الخطوة. لهذا السبب لا تنوي روسيا الضغط على إيران للانسحاب من سوريا.

في هذه الأثناء، يقترب كلا الطرفين من بعضهما بحذر عندما يتعلق الأمر بالقضايا الحساسة في سوريا والمناطق الأخرى، ويتخذ كل طرف منهما قرارات مهمة لصالحه من منظوره الخاص.

والمرجَّح أن موسكو على عِلم بالأنشطة التي تقوم بها إيران والتي يعتبرها خصوم طهران تخريبية وفتّاكة. لكن، طالما أن هذه الأنشطة لا تستهدف المصالح الروسية، لا ترى موسكو حاجة للردّ بقوة.

فعلى سبيل المثال، لا شك أن روسيا تدرس رغبة إيران بتشكيل "ممرّ شيعي" يمتد من إيران عبر العراق وسوريا، وصولا إلى لبنان. بينما ترى كل من إسرائيل والسعودية هذه الفكرة بأنها خطرة. لكن قبل التحرك، ستقوم موسكو بدراسة هذا المفهوم لتمييز المصالح الإيرانية وتحديد تأثيراتها المحتمَلة على روسيا. فهل تحتاج إيران إلى ممرّ أرضي على الواقع؟ إذا كان الأمر كذلك، هل سيشكّل هذا تهديداً على القوات العسكرية الروسية وسيطرتها وعلى أصولها الاقتصادية التي حازتها في سوريا؟ ولعل إيران تسعى فقط إلى إنشاء " ممر افتراضي" بينما هدفها الرئيسي تحقيق نفوذ سياسي. ستقوم موسكو في هذه الحالة بتفحُّص هذه الفكرة بالتماشي مع الفرص المتاحة أمامها.

إن القبضة التي تفرضها إيران على القوى السياسية في المنطقة وما يبدو أنه عملية بناء منشأة عسكرية في سوريا -وهو موقع استهدفته إسرائيل مؤخرا- كلها تدل على أن طهران تسعى إلى ممر أرضي سياسي. على روسيا أن تحدد الدرجة المقبولة للتواجد الإيراني على الأرض. لكن قبل القيام بذلك، يجب أن تكون لديها رؤية واضحة عما تسعى إليه في سوريا..  ما طبيعة التواجد الذي تسعى إليه؟ وما طبيعة الالتزامات التي هي على استعداد لتقديمها؟

وحتى توفّر موسكو أجوبة واضحة لهذه الأسئلة، ستستمر في فصل القضايا العالقة وعلاقاتها باللاعبين الإقليميين.

وحتى بعد ذلك، سيهدد الاقتراب أكثر من إيران توازن العلاقة التي تجمع البلدين. فعندما تصادم الولايات المتحدة وإسرائيل مع إيران، تظن هذه الدول أن روسيا ستنحاز لطهران. لكن روسيا تسعى لتفادي تعقيد علاقاتها مع الولايات المتحدة من أجل طهران.

يُلقي هذا بالضوء على ما يُمكن أن يمثّل الإشكالية الكُبرى للشراكة الروسية-الإيرانية: وهي انعدام الثقة. فلا وجود لأي ثقة بين الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط بالأساس، وكثيرا ما تتناقص هذه الثقة مع لاعبين خارجيين. فلروسيا وإيران تاريخ سيء مشترك، الشيء الذي يشكل تصورا لكليهما بخصوص الآخر ويحدد كذلك الخطاب السياسي لكل منهما. فقد أشار أحد الدبلوماسيين المتقاعدين الروس “للمونيتور" أن "بوتين تجمعه علاقة شخصية جيدة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والذي يحظى بثقة بوتين أكثر من الإيرانيين".

فالثقة لا تمنح. فهي مرجعية سياسية تتراكم على المدى الطويل، وتُبنى من خلال إجراءات ملموسة. اكتسبت كل من روسيا وإيران بعضاً من هذه الثقة من خلال عدد من المبادرات الاقتصادية المشتركة والعمليات العسكرية في سوريا. لكن تجاربهما لم تكن دوماً ناجحة. لذا لا تزال الثقة بينهما ضعيفة. على الأقل لدى موسكو وطهران الآن شيء من الثقة للتأسيس لعملهما مستقبلاً. سيسعى الطرفان إلى الحفاظ على التوازن القائم بينهما، والتركيز على بعض القضايا التي لن تصبَّ بالضرورة في مصلحة أحدهما. لكن يبقى ما يمكن لموسكو القيام به من عدمه بخصوص إيران قيد الموازنة.