الثلاثاء 2018/11/13

خطة اقتصادية يمكنها إعادة الاستقرار في سوريا بدون الأسد

بقلم: ماثيو برودسكي وبسام براباندي

المصدر: ناشيونال إنترست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

 

هكذا تستطيع أميركا المساعدة في بناء اقتصاد سوريا وحماية البلاد من التهديدات المحتملة.

بعد اتخاذها القرار بالبقاء في سوريا لفترة أطول، يجب على الولايات المتحدة السعي لتعزيز نفوذها من أجل مواجهة إيران وتحسين موقفها تجاه روسيا، في الوقت الذي سيتم فيه التفاوض على نهاية مقبولة للصراع السوري.

عرفت الحرب في سوريا فترة من الهدوء بفضل عملية وقف إطلاق النار تحت رعاية تركية في إدلب.

لا تزال الولايات المتحدة وحلفاؤها من المليشيات الكردية يسيطرون على شمال شرق البلاد، بينما استعادت قوات الأسد -المدعومة من روسيا وإيران- النصف الآخر من البلاد.

لكن هذا لا يعني أنهم لا يسعون إلى تحسين مواقفهم الاستراتيجية، فالهدوء النسبي السائد مهدد بالانهيار في أيّة لحظة.

بالنسبة لكل من بشار الأسد، وفلاديمير بوتين، والملالي في إيران، يتلخّص المسار الدبلوماسي في محاولة جذب الاستثمارات الدولية لإعادة الإعمار، من خلال محاولة إقناع العالم بأن الحرب انتهت، وأن سوريا مستقرة.

يرتبط هذا المسار السياسي بعملية أستانا، التي تقودها روسيا وتنضم إليها كل من إيران وتركيا، والتي تعتمد مشاركتها على الحليف الذي تسعى إلى الضغط عليه في وقت معين.

إن الغرض من هذه العملية صياغة الإصلاحات مع الإبقاء على هيكل السلطة نفسه وجعل الأسد دمية في يد بوتين.

رغم وجود قائمة طويلة من القضايا العالقة بين كل من أنقرة وواشنطن، إلا أن تركيا شريك رئيسي لكل من الولايات المتحدة وروسيا، وهو وضع لا يمكن الاعتماد عليه عندما يتعلق الأمر بمستقبل سوريا.

لكن من وجهة نظر أنقرة، فإن تحالف أميركا مع الأكراد، هو حجر عثرة أمام شراكة أكثر تماسكاً فيجب على الولايات المتحدة استخدام نفوذها مع كل شركائها من أجل تعزيز موقفها مع روسيا.

وذلك من خلال العمل على إبرام اتفاقية من شأنها أن تدمج منطقة شمال شرق سوريا أو منطقة الجزيرة مع جيب إدلب الشمالي الغربي على المستوى الاقتصادي.

من شأن ذلك أن يربط العرب والأكراد مرة أخرى على جانبي نهر الفرات، وعزل المناطق التي يسيطر عليها الأسد في الجنوب. سيكون التركيز بشكل أولي على التجارة، ولا سيما المواد الزراعية مثل القطن والقمح الآتية من الشرق، والفاكهة والخضروات التي سيتم جلبها من الشمال الغربي، حيث تعتبر هذه المواد ضرورية للاستهلاك المحلي.

إن الشروع في هذه العملية يتطلب استخدام الدبلوماسية الأمريكية بشكل حذر، وعلى الخصوص في مدينة منبج الشمالية، التي تقع بين مناطق النفوذ التركية والأمريكية. باعتبارها خطاً أمامياً للاحتكاك الكردي التركي في سوريا، تخضع منبج لاتفاق ينص على عدم وجود مقاتلي المعارضة أو القوات التركية في المنطقة، بالإضافة إلى انسحاب القوات الكردية التي تدعمها القوات الأمريكية، وذلك في حزيران/ يونيو الماضي.

إن الطريقة الأمثل لحل القضايا الشائكة الحالية هي تحويل المدينة إلى مركز اقتصادي ومركز للتجارة بين مناطق النفوذ التركية والأمريكية.

يمكن للولايات المتحدة أن تستفيد من نفوذها الكبير في مثل هذه المفاوضات عن طريق استخدام موارد النفط والغاز السورية، التي يقع 95٪ منها تحت سيطرتها وسيطرة حلفائها من المليشيات الكردية في الشمال الشرقي.

يتطلب تحقيق ربح من هذا المحرك الاقتصادي تكريره وتصديره، لكن جل مصافي البترول موجودة في حمص وبانياس، كما إن موانئ التصدير الثلاثة الواقعة على ساحل البحر المتوسط لا تزال تحت سيطرة الأسد.

يمكن إرسال الناتج إلى تركيا التي ستحقق ربحا من تكريره وتصديره إلى أوروبا.

كما يمكن إنشاء وإدارة صندوق مشترك من قبل الولايات المتحدة وتركيا وممثلين عن منطقة الجزيرة، لمنع تمكين مجموعة أو طائفة دون أخرى من أرباح هذا المحرك الاقتصادي.

ومن خلال قيامهم بذلك، يمكنهم البدء في عزل الأكراد السوريين غير المنتمين إلى حزب العمال الكردستاني، الذي يتخذ من تركيا مقرا له، وتعتبره أنقرة جماعة إرهابية.

إن عملية إعادة الدمج الاقتصادي هذه، والتي يمكن أن يطلق عليها اسم "التعاون الاقتصادي في شمال سوريا"، ستحقق العديد من الأهداف.

بغض النظر عن استفادة نحو ستة ملايين سوري يعيشون داخل هذه المنطقة الاقتصادية، فإنها ستشجع أعداداً كبيرة من اللاجئين والنازحين داخلياً على العودة دون خوف من انتقام الأسد وما يطلق عليه "اتفاقات المصالحة".

يمكن توفير الخدمات الأساسية من خلال إدارة هذه العملية بصورة مشتركة، والتي من شأنها أيضا أن توفر التمويل الكافي لإعادة الاستقرار في سوريا.

وهذا بدوره سيشكل أساساً لفرص تجارية مشروعة، وجذب الاستثمارات الأجنبية لإعادة إعمار سوريا، دون أن يكون للأسد أو رجال الأعمال الروس من النخبة الحاكمة أي دخل.

سيساهم هذا الجهد في بدأ نموذج اقتصادي فعال للتعاون، يمكن من خلاله للقادة السوريين الظهور والمشاركة في أي مفاوضات جادة مع النظام. كما إن ربط هذه الخطة بعملية جنيف السياسية سيُظهر أن المجتمع الدولي لا يسعى إلى تقسيم سوريا، ويرسل رسالة واضحة لا لبس فيها للأسد ومؤيديه بأن استئنافه للأنشطة الاقتصادية ليس أمراً ممكناً.

كما إن إنشاء هذا الميثاق الاجتماعي الاقتصادي الجديد سيعزز الفكرة القائلة بأن استغلال الموارد في الشرق لتغذية النشاط الاقتصادي في المدن الغربية الرئيسية في سوريا تحت سيطرة الأسد، لن يُستأنف دون انتقال سياسي كما نص عليه قرار مجلس الأمن رقم 2254.

هناك فوائد إضافية للولايات المتحدة أيضا؛ إن من شأن خطة كهذه أن تفرض عزلة مالية على إيران في الوقت الذي تسعى فيه جاهدة لتجنب فرض عقوبات على قطاع الطاقة الخاص بها.

كما إنها ستعزز من نفوذ أميركا على روسيا، الأمر الذي لن يكون مفيدا في سوريا فقط وإنما خارجها أيضا.

إن الدفع بالمسار السياسي في سوريا إلى الأمام يتطلب التفكير خارج المألوف. إن إنشاء مثال فعّال للتكامل الاجتماعي الاقتصادي سيسمح للسوريين بتحقيق ما ناضلوا من أجله منذ عام 2011، أي الكرامة والاستقرار وفرص العمل وسيادة القانون، وعقد اجتماعي جديد، والأهم من ذلك، توفير الحماية المادية والسياسية التي يحتاجون إليها لإعادة بناء بلدهم بأنفسهم.

والأهم من ذلك هو إمكانية تحقيق ذلك دون سيطرة إدارة ترامب على الأراضي السورية، بل باستخدام قدرتها المالية الوفيرة وتمكين الشعب السوري المستعد لشق طريقه نحو مستقبل أفضل.