الأثنين 2017/10/02

حرب إسرائيل ضد إيران في سوريا

فورين بوليسي

بقلم: جوناثان سباير

مركز الجسر للدراسات 

يعتقد مسؤولون إسرائيليون أن إيران قد نجحت في محاولتها الهيمنة على الشرق الأوسط، وهم الآن يستعدون للوقوف في وجه التهديد الإقليمي الذي سيأتي على أعقاب هذه الهيمنة. إذ تُركّز الحملة العسكرية والدبلوماسية التي تقوم بها إسرائيل اليوم على سوريا. وقد قامت الطائرات الإسرائيلية بضرب عدة مواقع وعشرات المركبات التي تنتمي لحزب الله والنظام خلال الحرب في سوريا؛ بهدف منع نقل الأسلحة من إيران إلى حزب الله.

وفي ظل توسع واضح لهذه الحملة الجوية، قامت الطائرات الإسرائيلية في 7 أيلول/سبتمبر بضرب منشأة سورية لتصنيع الأسلحة الكيماوية وتخزين صواريخ أرض-أرض بالقرب من "مصياف"

جاء هذا الهجوم بعد قيام الإسرائيليين بجولة دبلوماسية أدركوا من خلالها أن مخاوفهم بشأن التطورات في المنطقة لم تتلق اهتماماً جِدّياً من طرف الولايات المتحدة وروسيا. إذ قام وفد رفيع المستوى بقيادة مدير الموساد "يوسي كوهين" في أواخر آب/ أغسطس الماضي، بزيارة واشنطن من أجل الإعراب عن عدم رضا إسرائيل عن الموقف الحالي لكل من الولايات المتحدة وروسيا في سوريا بحسب ما ذكرت التقارير.

كما قام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بزيارة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمدينة سوتشي لتباحث الأمر نفسه مع موسكو.

وخلال الزيارتين، خُيبت آمال الإسرائيليين نتيجة الرد الذي تلقّوه. فشغل الإسرائيليين الشاغل الآن يتمحور حول تولي إيران ووكلائها زمام الأمور في سوريا وهو ما يبدو أن اللاعبين الرئيسيين مستعدون للقيام به. فإسرائيل عاقدة العزم على التصدي لتلك المخاوف بنفسها طالما أنه لا أحد غيرها يلقي بالاً لها.

لا تزال القوات الإيرانية على مقربة أو بمحاذاة الجزء الخاضع لإسرائيل من مرتفعات الجولان ومعبر القنيطرة، والذي يفصلها عن الجزء الواقع في الأراضي السورية. وكشفت إسرائيل في مراحل مختلفة من الحرب السورية رغبة الإيرانيين وحليفهم حزب الله في جعل هذه المنطقة خطا ثانيا نشطا في وجه الدولة العبرية إضافة إلى جنوب لبنان.

فسوريا مدمرة اليوم بالكامل والنظام لعبة في أيدي أسياده الإيرانيين والروس، كما إن نصف الأراضي السورية ليست تحت سيطرته. لكن الكتلة التي تقودها إيران ونواياها المعلنة التي تهدف في نهاية المطاف إلى تدمير إسرائيل قائمة بالتأكيد، ومن المحتمل أن تخبو الجهود القائمة للتصدي لها. فقد أعلن الأمين العام لحزب الله مؤخرا ما أسماه "النصر" في الحرب في سوريا مشيرا إلى القتال المتبقي بأنها "معارك متفرقة".

فمع احتمال وصول القوات المؤيدة لإيران لمدينة البوكمال الواقعة على الحدود السورية-العراقية، سيصبح المجال مفتوحا أمام إمكانية إنشاء "ممر أرضي" تحدثت عنه إيران بشكل متكرر ويمتد من إيران ولا يبعد سوى بضع كيلومترات من الجولان الذي تسيطر عليها إسرائيل. وفي مطلع هذا الشهر، قامت القوات الإسرائيلية بإسقاط طائرة إيرانية بدون طيار على مرتفعات الجولان. شكلت هذه الطائرة آخر دليل على وجود أنشطة إيرانية على الحدود. كما قامت المعارضة السورية بالإبلاغ عن وجود قوات إيرانية في منطقة تل الشرع و تل الأحمر ومقر اللواء 90، كل ذلك على مقربة من الحدود. فمطامع القوات التابعة لإيران مكشوفة. في الوقت الذي شكلت فيه حركة حزب الله النجباء -وهي قوات شيعية مسلحة عراقية تدعمها إيران- فرقة "تحرير الجولان" وعبرت عن استعدادها " لتحريره ". وقامت شخصيات رفيعة المستوى من الحرس الثوري الإيراني وقوات الباسيج بالتقاط صور في مناطق قريبة من الحدود.

قامت إسرائيل بتثبيط هذه المطامع من خلال طريقتين حتى الآن:

أولا: عبر شن هجمات من أجل إحباط محاولات إيران نشر هياكل شبه مسلحة في هذه المنطقة والحد منها. وكان أبرزها الهجوم الذي أودى بحياة "جهاد مغنية"، ابن أحد القادة العسكريين لحزب الله "عماد مغنية" عبر هجوم استهدف "مزرعة أمل" في منطقة القنيطرة في كانون الثاني/يناير 2015 كجزء من هذه الجهود. وكذا قتل 5 عناصر من حزب الله والجنرال "محمد الله دادي" في الحرس الثوري الإيراني في هجوم آخر.

ثانيا: قامت إسرائيل بربط علاقات براغماتية بمجموعات الثوار المحليين الذين لايزالون يسيطرون على الجزء الأكبر من الحدود لحد الآن، كمجموعة فرسان الجولان. ويقوم هذا التعاون على تطبيب المقاتلين والمدنيين وتقديم المساعدات الإنسانية والمساعدة المالية.

كما كان هناك على الأرجح تعاون في مجال الاستخبارات مع أنه لا وجود لدليل على تقديم الأسلحة بشكل مباشر أو المشاركة المباشرة للقوات الإسرائيلية إلى جانب الثوار في ساحة القتال.

في 9 من يونيو/حزيران العام الجاري تم إعلان وقف إطلاق النار في الجنوب الغربي لسوريا بوساطة مباشرة من الولايات المتحدة وروسيا. وفرَض هذا الاتفاق إنشاء منطقة لخفض التصعيد في جنوب غرب سوريا في كل من محافظتي القنيطرة ودرعا. ولايزال التفاوض جارياً بشأن تفاصيل وقف التصعيد. لكن إسرائيل لازالت متخوفة بشكل كبير من أن تؤدي عملية خفض التصعيد إلى عرقلة سير التدابير الاحتياطية على الحدود ضد أي تسلل إيراني. فإذا ما توقف القتال، سيصبح التصدي للتدخل الإيراني أصعب كما سيصبح دعم الثوار غير مجد.

وفي الوقت الحالي، فشلت المحاولات الروسية لطمأنة إسرائيل وضمان أن تراعي شروط وقف النار المخاوف الإسرائيلية فشلاً ذريعاً، وقد أفادت التقارير الأخيرة التي تناقلتها وسائل الإعلام بخصوص مفاوضات وقف إطلاق النار في المنطقة المقترحة، أفادت أن الولايات المتحدة قد توصلت إلى اتفاق مع موسكو يقضي بجعل المليشيات التابعة لإيران على بعد 25 ميلا من الحدود.

لكن المشكل يتعدى الترتيبات المتعلقة بالطرف الواقع جنوب غرب سوريا. فإسرائيل قلقة من تزايد المطامع الإقليمية لإيران. إذ إن التعقيبات الأخيرة لنصر الله أفادت بـأن الحرب المستقبلية مع إسرائيل ستستدعي تدخل المزيد من المليشيات الإيرانية وضمها إلى الفرق اللبنانية التي تم تعيينها في إسرائيل. وقد صرّح وزير الاستخبارات "يسرائيل كاتس" في مؤتمر أمني عُقد مؤخراً بمدينة هرتسليا -ونقلت تفاصيله وكالة رويترز البريطانية- أنه في الحرب المستقبلية بين إسرائيل وحزب الله من المرجح أن يستعمل هذا الأخير ميناء بحري إيراني وقواعد للقوات الجوية والبرية الإيرانية، و"عشرات الآلاف من عناصر الميليشيات الشيعية التي تم استجلابها من مختلف الدول ".

وفي تقرير أخير لجريدة القدس العربي -التي يقع مقرها في لندن- قال التقرير إن الخطط الإيرانية ترتكز بالأساس على تقليص أعداد السكان العرب السنّة بين كل من دمشق والحدود مع لبنان، وذلك بإجلاء السكان السنة من تلك المناطق واستبدالهم بشيعة موالين للنظام من مناطق أخرى من البلاد أو خارجها. تميل النزعة الاستراتيجية لإسرائيل إلى التصدي لمثل هذه التهديدات على الفور، إلا أن إسرائيل تكتفي بمراقبة هذه التطورات الديموغرافية عن كثب.

تعطي كل هذه المعلومات نظرة أشمل حول التغييرات التي تحصل في ميزان القوى الإقليمي لصالح الكتلة بقيادة إيران. فكل الذين يطّلعون على تصريحات المسؤولين البارزين في الأمن الإسرائيلي، أصبحوا على دراية تامة بأن المنطقة مقسمة إلى أربع كتل كبرى: إيران و حلفاؤها الشيعة (على وجه التحديد)؛ مجموعة من الدول المعادية لإيران والتي تضم دول الخليج المستبدة (باستثناء قطر)، رفقة مصر والأردن وإسرائيل؛ وتحالف القوى الإسلامية السنية المحافظة التي تضمن كلا من تركيا وقطر وحماس والإخوان المسلمين والثوار السنة في سوريا؛ وأخيراً الشبكة الإقليمية السلفية الجهادية التي تضم بشكل خاص تنظيمي الدولة والقاعدة.

غير أن هناك عدة مشاكل تتخلل هذه الصورة عدا عن كونها مبسطة للغاية. فلطالما كانت هناك ضبابية في الخط الفاصل بين كل من الإسلاميين المحافظين السنة والسلفيين، وتخلل هذا الغموض أيضا العلاقة التي تجمع الرؤساء المستبدين ببعضهم كالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وتعاطفه مع بشار الأسد. عدا عن ذلك، تظل كل المعطيات الأخرى جارية المفعول وتتماشى مع العديد من الحقائق في الشرق الأوسط التي لاتزال سارية لأكثر من عقد ونصف.

لكن المعالم الرئيسية لهذه الصورة بدأت في التغير الآن وتحديداً مع التضرر الذي شهده المعسكران المرتبطان بالإسلام السني السياسي خلال الاضطرابات التي شهدتها المنطقة العربية في 2010، وهي الفترة التي عرفت صعوداً مؤقتاً للقوى الإسلامية والسلفية التي تعد منهكة الآن؛ فجل داعميهم إما استقالوا أو تراجع دورهم عن طريق القوى السنية المتسلطة أو القوى الداعمة لإيران.

فالرئيس المصري السابق محمد مرسي قابع في السجن، والإسلاميون في تونس يشكلون أقلية في الحكومة التونسية، كما إن قطر تحت الحصار الذي تقوم به كل من السعودية والإمارات بسبب المواقف التي تبنّتها في السنوات الأخيرة. في حين أن الثوار السنة العرب في سوريا -الذين يعتبرون من أشد الداعمين لهذا التوجُّه - تقطعت بهم السبل، وهم الآن يقاتلون من أجل النجاة غير ساعين إلى الانتصار على النظام. هذا بالإضافة إلى أن السلفيين أيضا في أفول على الأقل كزعماء سياسيين.

فإذا ما نظرنا إلى ما يجري من منظار إسرائيلي، نجد أن ما يحدث في المنطقة هو عبارة عن مجموعة من الأحداث المتباينة. فبشكل عام يُعتبر الإسلاميون السنّة أعداء لإسرائيل، وفشلهم في استرجاع قوتهم مُرحّب به. وقد وصف مسؤولون بارزون في الأمن الإسرائيلي الانقلاب الذي قام به السيسي في 2013 والذي أطاح بجماعة الإخوان المسلمين، "بالمعجزة". أما في سوريا، فما قام به الإسلاميون السنة شتت على الأقل انتباه إيران-عدو إسرائيل الأول.

على مدى خمس سنوات، استطاعت إسرائيل الحفاظ على وجودها في الوقت الذي كان فيه الإسلام السياسي بتياريه الشيعي والسني بين المِطرقة والسندان على الحدود الغربية والشرقية. وعلى الرغم من ذلك، قام التدخل الروسي والإيراني بإعادة توازن القوى على حساب الثوار السنّة، وتسطير آخر فصول الحرب الأهلية التي طال أمدها في سوريا.

فمن وجهة نظر إسرائيلية، عاد الشرق الأوسط إلى مرحلة ما قبل 2010، عندما أدركت كل من إسرائيل والقوى السنّية الداعمة للغرب أنهم في مواجهة مباشِرة مع الإيرانيين وحلفائهم. لكن في2017، يضيف التواجد الروسي المباشر في الشرق -الذي يتحالف أو يتعاون مع أعداء إسرائيل- المزيد من التعقيد إلى الوضع الحالي.

فإدراة الرئيس دونالد ترامب التي تركز بشكل كامل على حربها ضد تنظيم الدولة، لم تقم بالكثير لإزالة المخاوف الإسرائيلية، والمؤكد أن ترامب ومعاونيه يتفقون مع التقييم الإسرائيلي بخصوص التصدي للمطامع الإيرانية الإقليمية. لكن الإدارة الأمريكية لم تركز على هذا الموضوع بالشكل الكافي من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة لصد التقدم الإيراني العسكري و السياسي في كل من سوريا والعراق ولبنان.

ما موقع إسرائيل من هذا كله ؟

أولاً.. تبقى السبل الدبلوماسية مفتوحة أمام إسرائيل من أجل التوجه نحو صناع القرار الدوليين في سوريا من أجل التوصل إلى حل. أما بخصوص واشنطن، فعلى إسرائيل العمل على تحديد أو صياغة استراتيجية أمريكية أكثر تماسكا للوقوف في وجه التقدم الإيراني في الشرق.

أما فيما يتعلق بأهداف إسرائيل مع موسكو، فالتوصل إلى تفاهم مع بوتين -الذي ليس لديه أي توجه إيديولوجي معادٍ لإسرائيل وليس متعاطفاً مع طهران- يبقى الطريق الأفضل أمام إسرائيل كي تتمكن من اتخاذ الإجراءات التي تراها ضرورية لردع الإيرانيين وحلفائهم والوقوف في وجههم.

ثانياً.. ستستمر إسرائيل في الاعتماد على دفاعها العسكري الذي لا وجود لمثيل له في المنطقة. وما حدث في "مصياف" دليل على قدرتها على استعمال دفاعاتها العسكرية من أجل إعاقة ومنع التحركات الاستفزازية للكتلة التي تقودها إيران عندما يستلزم الأمر ذلك. لكن التغييرات الجارية تنتج وضعا جديدا في المنطقة يضع إيران في مجابهة مباشرة مع إسرائيل؛ ما يزيد من إمكانية تصادم بينهما. لم تكن حادثة مصياف الأولى من نوعها في المعركة بين إسرائيل و أعدائها في الشرق، كما إنها لن تكون الأخيرة.