الأربعاء 2018/12/12

حدود النفوذ الأميركي في سوريا

بقلم: جاك دتش

المصدر: المونيتور

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


تعتقد إدارة دونالد ترامب أن لديها النفوذ الكافي للضغط على كل من روسيا وإيران لإعادة نظام بشار الأسد إلى طاولة المفاوضات وإعادة إحياء عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

قال مبعوث الولايات المتحدة إلى سوريا، جيمس جيفري، إن على المجتمع الدولي "إنهاء" عملية أستانا التي تقودها روسيا بسبب إخفاقها في إحراز أي تقدم بخصوص وضع دستور جديد للبلاد التي مزقتها الحرب طوال السنوات الماضية. أدلى جيفري بهذه التصريحات في إفادة لوزارة الخارجية يوم الاثنين الماضي قبيل زيارته إلى كل من تركيا والأردن لطمأنة البلدين باعتبارهما حليفين استراتيجيين للولايات المتحدة في هذا الصراع.

قال مسؤول أمريكي لـ "المونيتور" إن المفاوضين يعتقدون أن الضعف الاقتصادي الذي يعاني منه النظام قد يجبر روسيا على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ولا سيما أن موسكو وإيران ليستا على استعداد لتقديم الدعم العسكري للنظام على المدى البعيد. وقال المسؤول نفسه إن الولايات المتحدة تحاول إقناع روسيا للضغط على الأسد من أجل إنشاء لجنة دستورية تحت رعاية الأمم المتحدة والحد من وتيرة العنف قبل نهاية هذا العام.

ليس من الواضح ما إذا كان إيمان الولايات المتحدة بضعف موقف الأسد يعكس الحقائق على الأرض.

استعاد النظام السيطرة على معظم مناطق البلاد بعد سلسلة من "الانتصارات العسكرية". لكن بعض المحللين يرون أن الأراضي التي يسيطر عليها تعاني من التضخم وتفتقر لسبل الرعاية الصحية، كما تشهد زيادة في نسبة الاضطرابات بين قدامى المحاربين الذي يؤيدون النظام بسبب نقص الخدمات الأساسية. في الوقت نفسه، تتحمل موسكو تكاليف مالية كبيرة لإبقاء الأسد في السلطة، في حين تعاني إيران على المستوى المالي بسبب فرض العقوبات الأمريكية عليها.

يقول نيك هيراس، وهو عضو بمركز الأمن الأمريكي الجديد لشؤون الشرق الأوسط، (مقره واشنطن): "إذا كان الهدف هو تقليص حجم استراتيجية فريق ترامب، فسيكون ذلك بمثابة حفر مستنقع لروسيا" مضيفا أن "ما تسعى الولايات المتحدة لفعله هو جعل المهمة صعبة على الروس في حال لم يرغبوا بتقديم تنازلات وتأييد الموقف الأمريكي".

تتسارع وتيرة السياسة الأمريكية في الوقت الذي سيقدم فيه مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا تقريره النهائي إلى مجلس الأمن الدولي نهاية هذا الأسبوع قبل تسليم زمام الأمور إلى الدبلوماسي النرويجي جير بيدرسون. كان جيفري صرح بأنه يجب إنهاء عملية أستانا ما لم يستطع دي ميستورا تشكيل لجنة دستورية في جنيف بحلول نهاية هذا العام.

ويدعو المسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة إلى وضع دستور جديد قبل إجراءات انتخابات وطنية. لكن هناك تساؤلات حول مدى قدرة روسيا على التأثير في هذه العملية، وتشكيل لجنة سورية لإعادة صياغة الدستور. فشلت هذه الجهود في أواخر تشرين الأول / أكتوبر الماضي حيث تعهد وزير خارجية النظام، وليد المعلم بعدم السماح لأي كان "بالتدخل" في شؤون البلاد.

كما صرح جيفري يوم الاثنين الماضي قائلا "إن مقترحنا، الذي أعتقد أنه يعكس وجهات نظر العديد من الدول الكبرى الأخرى في الأمم المتحدة المهتمة بالأزمة السورية، هو الانسحاب من مبادرة سوتشي وأستانا، والتي باءت بالفشل".

وكانت روسيا تعهّدت بإنهاء عملية أستانا بحلول نهاية هذا العام. يقول آرون ستاين، وهو عضو بارز في بالمجلس الأطلسي، (أحد مراكز الأبحاث بواشنطن): "من خلال استخدام كلماتهم ضدهم وتذكيرهم بالموعد النهائي الذي حددوه يحاول جيفري الضغط على روسيا وإحراجها".

وأضاف جيفري أن العقوبات الأمريكية على قطاع النفط الإيراني والتي أعيد فرضها في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي بعد انسحاب إدارة ترامب من الصفقة الإيرانية عام 2015 قد أدت إلى انخفاض في عدد شحنات النفط التي يتم إرسالها من روسيا وطهران إلى نظام الأسد، غير أنه رفض الإدلاء بالمزيد من المعلومات للصحفيين عندما طلبوا منه ذلك. وقال مصدر مقرب من الإدارة الأمريكية لموقع "المونيتور": "إن الوضع الإيراني سيئ للغاية".

لكن محاولات إنهاء محادثات أستانا وعملية جنيف التي ترعاها للأمم المتحدة قبل نهاية العام هو قرار بالغ الخطورة. ترى المعارضة أن هذه الخطوة لا توفر الوقت الكافي، الشيء الذي من شأنه أن يؤدي إلى تقويض المفاوضات إذا لم تتمكن الولايات المتحدة والدول الأوروبية من الضغط على روسيا لإعادة العملية إلى مسارها.

تحدث هادي البحرة، الرئيس السابق للائتلاف الوطني للثورة والمعارضة السورية في إسطنبول، لـ" المونيتور" بهذا الشأن فقال "أمام المجتمع الدولي فرصة ضئيلة حتى نهاية هذا الشهر... من أجل إقناع الروس بفتح هذا الطريق المسدود... إذا فشلوا في ذلك، يجب إعادة النظر في كل الجهود الماضية من أجل تعزيز هذه العملية السياسية وجعل أجندتها واضحة ومحددة".

أظهرت العديد من التقارير المستقلة تناقصا في أعداد القوات العسكرية التابعة للنظام. فحسب تقرير سابق لموقع " Bellingcat" هذا العام، تناقصت أعداد القوات المدرعة، بشكل كبير عقب الهجوم الذي شنه النظام على ضاحية الغوطة الشرقية بدمشق.

يساهم الكونغرس بشكل كبير في تدهور الوضع المالي للنظام بشكل متزايد حيث شكل السناتور راند بول، آخر العقبات التي كانت أمام تمرير قرار فرض عقوبات قدمته إدارة ترامب ضد نظام الأسد.

وقالت رندا سليم، (عضو بارز في معهد الشرق الأوسط الذي يعقد حوارات غير رسمية بشأن الوضع في سوريا)، لـ"المونيتور" في رسالة إلكترونية: "لقد شهد الاقتصاد في سوريا تراجعا كبيرا، ونتيجة لذلك، لا يمكن إطلاق مشاريع إعادة الإعمار التي يمكن أن يستفيد منها رجال الأعمال الروس دون ضخ أموال من الخارج".

تقدر وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية التراجع الذي شهده الاقتصاد في سوريا بأكثر من 70٪ منذ بدء الصراع. ومع ذلك ليس من الواضح إذا ما كانت وزارة الدفاع الأمريكية تشاطر وزارة الخارجية تقييمها المتفائل حول ضعف نظام الأسد. فقد شكك وزير الدفاع، جيمس ماتيس، بشكل علني في مدى نفوذ روسيا على القوات التابعة للنظام.

وكان قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال جوزيف فوتيل أدلى بشهادته أمام مجلس الشيوخ في آذار/ مارس الماضي قائلا إن قوة نظام الأسد "تزداد". بينما قال الجنرال كينيث ماكنزي إن القوات الموالية للأسد " لديها ميزة لا يمكن تجاهلها" مقارنة بالثوار في إدلب، الذين ينتشر معظمهم تحت الحماية التركية داخل المنطقة المنزوعة السلاح. وأضاف ماكنزي أن النظام سيواصل على الأرجح محاولاته لتحقيق الاستقرار في البلاد بعد الحرب المدمرة التي دامت سبع سنوات ونيف. "إن نجاح النظام في إنهاء الحرب يبدو شبه مؤكد، على الرغم من أنه لم يتطرق أو يعالج الأسباب الكامنة وراء الحرب كالحرمان من الحقوق السياسية والفقر وتوفير المياه، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي" حسب ماجاء على لسان ماكنزي.

في الوقت الذي تعهدت فيه الولايات المتحدة بعدم تقديم مساعدات مالية لإعادة إعمار المناطق التي يسيطر عليها الأسد دون التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا، يرى عدة خبراء أن دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي قد بدؤوا بإعادة النظر في مسألة تقديم المساعدات المالية لسوريا.

وقال فريدريك هوف، المستشار السابق في إدارة باراك أوباما بخصوص الملف السوري: "لا تملك الولايات المتحدة اليوم سوى نفوذها".