الجمعة 2018/02/16

ثمن الحرب السورية

لمعرفة الدمار الذي خلفته الحرب، عليك الذهاب إلى حمص، التي أطلق عليها الرومانيون هذا الاسم.

تعتبر حمص ثالث أكبر المدن السورية ولا تبعد سوى 100 ميل عن دمشق على الطريق السريع المؤدية إلى حلب. تقاسمت المدينة مختلف الطوائف التي عاشت في المباني التاريخية بمركز المدينة. كانت أعداد الأطباء والمهندسين كبيرة في حمص حيث إن سكانها اعتادوا القول إنه إذا قمت برمي حجر من النافذة فمن المحتمل أن يصيب إما طبيبا أو مهندسا. أما الآن فقد اختفى معظم الأطباء والمهندسين.. حالهم حال المباني التي عاشوا بها.

مهد الثورة:

تعرف حمص بحرمها الجامعي المترامي الأطراف، ومساجدها الرائعة، وأبراج كنائسها الشاهقة وحدائق الواسعة ومكتباتها ومستشفياتها. قبل اندلاع الحرب، عاش بين ثنايا المدينة القديمة وسوقها الكبير أقلية مسيحية كبيرة تعايشت مع جيرانها السنة. فيما كانت الضواحي الجنوبية معقلا للفلاحين الحضريين، الذين ينتمي أغلبهم إلى الطائفة العلوية التي ينحدر منها بشار الأسد، والذين ينحدرون بشكل أو بآخر من نسيج المجتمع الحمصي. في أواخر القرن العشرين، شكل العلويون نحو ربع سكان المدينة.

بعد سبع سنوات من الحرب، تغيرت مدينة حمص بشكل جذري. تعتبر حمص مهدا للثورة، وكانت أول مدينة كبرى في سوريا تلحق بلدة درعا الجنوبية المتواجدة على الحدود، وتخرج في احتجاجات سلمية، تحولت فيما بعد إلى اشتباكات مع نظام بشار الأسد. أصبحت حينها المدينة القديمة والخالدية وبابا عمرو وأحياء الوعر حصونا للثوار المحاصَرين من قبل قوات النظام. استغرق الأمر نحو نصف سنة لإجبار الثوار على الاستسلام، حيث وافق الكثير منهم على الانتقال مع أسرهم وأسلحتهم نحو أكبر تجمع للثوار في البلاد في محافظة إدلب القريبة من مدينة حمص.

بعد أكثر من عامين من مغادرة المقاتلين، فإن مشهد الدمار في حمص يجعلك تستحضر ما حدث في برلين ودرسدن ووارسو في نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث أصبحت مئات الهكتارات التي كانت فيما قبل مجمعات سكنية، أصبحت اليوم أكواما من حطام. يسود الهدوء في حمص الآن، فقد انتقلت الحرب إلى إدلب وعفرين والمناطق الأخرى، لكن المدينة لم تتعافَ بعد. وقال مصدر تابع للشرطة هناك إن "أعداد السكان في حمص كان نحو 65 ألف نسمة قبل الحرب". مضيفا "أنها الآن تصل ربع ما كانت عليه قبل الحرب أي ما يقارب 30% فقط".

وفي دراسة أجراها موقع للمعلومات الإنسانية "ريليف ويب" حول الظروف الصحية في حمص خلص إلى ما يلي:

"أفادت جميع المجتمعات المحلية بأنها غير قادرة على تفريغ خزانات الصرف الصحي، وأن الاتصالات مع شبكة الصرف الصحي قد تم حظرها، بينما أفاد 65٪ منهم بعدم توفر المياه الكافية لتلبية الاحتياجات المنزلية، بما في ذلك حي الزعفرانية، الذي عانى سابقا من انتشار الأمراض المعدية".

عندما تصمت المدافع:

عادت أعداد قليلة من الناس إلى المدينة القديمة، إلى المناطق القريبة من الأسواق. يقول أحد سكان المدينة ممن فقدوا منازلهم في المدينة القديمة، إن حوالي 10 في المئة فقط من نحو 20 ألف أسرة عاشت هنا قبل عام 2011 عادت. فلم ينج أي مبنى من الدمار الذي خلفته أربع سنوات من الحرب: الأسقف منهارة، والجدران نصف قائمة، والبنايات محترقة. ومع ذلك فإن العديد من المباني لا تزال سليمة.

فقد استُنفدت ميزانية النظام جراء النزاع والعقوبات الدولية، كما إن الأمم المتحدة قد تقلصت ميزانيتها في ظل نقص التبرعات الدولية هذا العام، إذ تقدم الأمم المتحدة الآن الحد الأدنى من المساعدة لإعادة بناء المدارس والمستشفيات والمجمعات السكنية. ويجب أن يعتمد السكان على الموارد القليلة التي بحوزتهم من أجل إعادة الإعمار.

ولكن الأكثر وضوحا من التدمير المادي، هو التغير الذي طرأ على البيئة الطائفية التي سببتها الحرب. فقد تضاءل مستوى الثقة التي كانت بين السنة والمسيحيين والعلويين.

من أصعب الخيارات التي واجهها سكان المدينة عندما توقفت الاشتباكات كانت إما العودة إلى حمص المدمرة أو بدء حياة جديدة في مكان آخر. اختار العديد من المسيحيين، الذين يشكلون جزءا لا يتجزأ من سكان المدينة، العيش في مكان آخر. لم يكن من الصعب على المسيحيين من الطبقة المتوسطة الحصول على تأشيرات سفر لأستراليا وكندا. كما وجد العديد من المسلمين طرقا أفضل للعيش خارج المدينة. يقول أحد سكان حمص إن 90 في المئة من أصدقائه قد غادروا المدينة، لكنه قرر البقاء قائلا " لا أستطيع أن أغادر حمص، رغم أنني أستطيع ذلك، فهي وطني".

فالمدينة التي يعيش فيها أطفاله لم تعد تشبه تلك التي نشأ فيها. "قبل عام 2011، كنا نعيش في انسجام... أما الآن فقد تغير كل شيء."

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: ستراتفور

ترجمة: مركز الجسر للدراسات