الثلاثاء 2018/10/30

الخطة الروسية الجديدة بخصوص سوريا

بقلم: مروان كبلان

المصدر: موقع الجزيرة بالإنجليزي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


بعد تأجيلها مرات عديدة، عُقدت قمة إسطنبول أخيراً يوم السبت الماضي، حيث جَمعت كلاً من تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا، لمناقشة سبل تحقيق السلام في سوريا. إذ كان من المقرر عقد هذا الاجتماع الرباعي في أوائل أيلول/سبتمبر الماضي، لكنها أجلت بسبب الخلافات الرئيسية بين الدول الأربع المشاركة.

جمعت القمة عناصر من مجموعة عملية أستانا والتي تضم كلا من (روسيا وتركيا وإيران) ومجموعة العمل المصغرة من أجل سوريا، التي تضم كلا من (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والسعودية والأردن ومصر)، لكن هذه المجموعة كانت قد فشلت في إصلاح الخلافات داخلها وبينها وبين المجموعة الأخرى.

بعيدا عن البيان المشترك الذي أصدرته هذه الدول والذي شدد على ضرورة البدء "بعملية سياسية شاملة من أجل سوريا" لإنهاء الصراع السوري، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق حول كيفية تحقيق هذه الأهداف. كما إن العديد من القضايا الرئيسية لا تزال قائمة كالمصير السياسي لبشار الأسد، والوجود العسكري الأجنبي، ومسألة اللاجئين وإعادة الإعمار، ومستقبل المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية في الشمال الشرقي.

استخدام روسيا ورقة اللاجئين:

بعد تحقيق أهدافها العسكرية الرئيسية والتي تتمثل في -هزيمة المعارضة وتأمين نظام بشار الأسد -، تحاول روسيا ترجمة هذا "النصر" إلى مكاسب سياسية. إنها تسعى إلى تطبيع الوضع في سوريا بالتركيز على إعادة الإعمار وعودة اللاجئين السوريين.

يتمثل الهدف السياسي لروسيا الآن في إقناع المانحين المحتملين، ولا سيما الاتحاد الأوروبي ودول الخليج، بضخ الأموال في الاقتصاد السوري المتردي والمساعدة في إعادة إعمار البلاد. تحظى دعوة موسكو لعودة اللاجئين بشعبية كبيرة في أوروبا حيث تسعى روسيا إلى إقناع ألمانيا - التي تستضيف أكثر من مليون سوري-  إلى الدفع بالاتحاد الأوروبي للعب دور في إعادة إعمار.

لقد استخدمت روسيا ورقة اللاجئين قبل الآن، حيث كانت تستهدف عمدا المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بهدف إغراق تركيا وأوروبا باللاجئين السوريين وإجبارهم على إعادة النظر في دعمهم لجماعات المعارضة المسلحة. أصبح اللاجئون بالفعل قضية أساسية في السياسة الأوروبية، ما ساهم في صعود القوى القومية المتطرفة في مختلف أجزاء القارة الأوروبية.

يبدو أن العديد من دول الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ألمانيا، مستعدة لتمويل إعادة الإعمار في سوريا، ولكن فقط بعد التوصل إلى تسوية سياسية. تعتقد مجموعة العمل من أجل سوريا أنه بعد "انتصار" النظام العسكري بدعم من روسيا، فإن تمويل إعادة الإعمار هو الأداة الوحيدة الباقية بين يدي المجتمع الدولي للضغط على الأسد وحلفائه لإيجاد حل سياسي للصراع.

وبالمقابل.. تسعى روسيا إلى فصل عملية إعادة الإعمار عن أي عملية سياسية. وقد بدا هذا الخلاف جليا حول هذا الموضوع خلال قمة إسطنبول، وعلى وجه التحديد خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب القمة.

أثارت تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العديد من التساؤلات عندما قال إن اتفاق سوتشي بشأن المنطقة المنزوعة السلاح في محافظة إدلب "إجراء مؤقت"، ملمحاً إلى أن الخيار العسكري ما زال مطروحاً. فسر كثيرون هذا التصريح على أنه تهديد ضمني موجه إلى تركيا وألمانيا وفرنسا: إذا لم يوافقوا على الخطط الروسية، فيجب أن يكونوا مستعدين لاستقبال نحو ثلاثة ملايين مدني يعيشون حاليا في إدلب والذين من المحتمل أن يفروا باتجاه حدودهم.

لماذا تسعى روسيا إلى إخراج الولايات المتحدة من سوريا؟

لقد كانت تصريحات بوتين بخصوص إدلب إشارة إلى أن هدفه النهائي في سوريا هو إنهاء أي وجود عسكري أجنبي هناك، بما في ذلك القوات التركية والفرنسية، وخاصة القوات التابعة للولايات المتحدة. ففي أوائل تشرين الأول/ أكتوبر الحالي قال بوتين: "يجب أن نسعى لإخراج جميع القوات الأجنبية من سوريا".

في الواقع، لقد أدّت خطط الولايات المتحدة بالحفاظ على وجودها العسكري في سوريا بعد انتهاء الحرب ضد تنظيم الدولة إلى امتعاض روسيا بشكل كبير.

فقد أعلنت الولايات المتحدة نيتها البقاء شمال شرقي سوريا في أيلول/ سبتمبر الماضي، معلنة أن قرارها هذا جاء للأسباب التالية: منع عودة ظهور تنظيم الدولة، احتواء النفوذ الإيراني، ومنع طهران من إقامة ممر بري عبر العراق وسوريا إلى لبنان، بالإضافة إلى استخدام هذا الوجود العسكري كورقة مساومة للدفع باتجاه حل سياسي في سوريا.

تسيطر الولايات المتحدة اليوم على ثلث الأراضي السورية عبر تحالفها مع قوات سوريا الديموقراطية (قسد).  في الوقت الذي تسيطر فيه روسيا (من خلال النظام) على نصف أراضي البلاد. أما ما تبقى من الأراضي فهو تحت إشراف تركي.

تحتوي المنطقة التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" على 90 ٪ من احتياطات النفط والغاز في سوريا، بما في ذلك "حقل العمر" الذي يعتبر أكبر حقل نفطي تحت سيطرتها، فضلا عن معظم الموارد المائية، والسدود الرئيسية، ومحطات الطاقة.  يعتبر الشمال الشرقي أيضا مصدرا حيويا للغذاء بالنسبة لسوريا. وفي حال بقيت هذه المنطقة خارج سيطرة النظام، فلا يمكن لدمشق أن تستمر بدون الحصول على المعونات الأجنبية.

ففي الوقت الذي يسعى فيه الروس إلى جني الثمار الاقتصادية لتدخلهم العسكري في سوريا، فهم لا يريدون ولا يستطيعون تقديم المساعدات المالية لدمشق. وبالتالي، فإن انسحاب القوات الأمريكية ضروري لبقاء النظام ونجاح مشروع النظام والروس.

لذلك، بدون اتفاق أمريكي روسي، لا يمكن إحراز تقدم كبير بخصوص إيجاد حل سياسي في سوريا.

ومن هذا المنطلق، فقد كان محكوما على قمة إسطنبول بالفشل لأن الولايات المتحدة لم تكن موجودة. ربما لهذا السبب أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أنه سيستضيف قمة أمريكية-روسية، حول سوريا بباريس في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر القادم.

المستقبل السياسي للأكراد:

إن الوجود العسكري الأمريكي على الضفة الشرقية لنهر الفرات مثير للقلق بالنسبة لتركيا أيضاً، ولكن لأسباب مختلفة تماماً. واشنطن تدعم وتمول القوات الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني (بي كي كي) التي دخلت في حرب عصابات مع الحكومة التركية منذ عقود. تعتقد تركيا أن استمرار وجود القوات الأمريكية بالقرب من حدودها الجنوبية مع سوريا يمكّن الأكراد ويغذّي طموحاتهم بالحصول على الاستقلال.

كان الدعم الفرنسي للمقاتلين الأكراد في شرق سوريا أيضا محل خلاف بين باريس وأنقرة قبل وأثناء قمة إسطنبول. فقد قام الفرنسيون في الأشهر الأخيرة بزيادة حجم وجودهم العسكري في المنطقة، دعما لـ"قوات سوريا الديمقراطية (قسد)" ضد تنظيم الدولة.

كدليل عن عدم الرضا، قامت الاستخبارات التركية بالكشف عن مواقع القوات الفرنسية الخاصة في المناطق التي تسيطر عليها (قسد). وكانت فرنسا قد اقترحت أن يكون لـ"قسد" مقعد في أي لجنة دستورية سيتم تشكيلها لإعادة صياغة الدستور السوري في المستقبل، وهو ما رفضته تركيا بشكل قاطع.

لكن فرنسا والولايات المتحدة ليستا الوحيدتين اللتين تدعمان الأكراد. إذ تضغط روسيا على تركيا لقبول وجود الأكراد في أي محادثات سياسية حول مستقبل سوريا، في محاولة منها للدفع باتجاه اللامركزية في النظام السياسي السوري.

رغم كونهم شركاء في عملية أستانا، إلا أن روسيا وتركيا لا تثقان ببعضهما. فخلال العام الماضي، كانت أنقرة شاهدة على الكيفية التي استخدمت بها موسكو عملية أستانا للقضاء على المعارضة السورية أو طردها من ثلاث مناطق من أصل أربع، كانت خاضعة لاتفاقيات خفض التصعيد التي أبرمت في أيار/ مايو من عام 2017. وخلال الصيف الماضي، قامت روسيا بدراسة خطط لاجتياح إدلب والقضاء بذلك على آخر معقل للمعارضة السورية.

مع كل هذه الأجندات والمصالح والأهداف المختلفة، فمن الصعب للغاية رؤية إمكانية توصل القوى الرئيسية في الصراع السوري إلى اتفاق. في النهاية، وإن فعلوا ذلك، فسيكون بالتأكيد على حساب الشعب السوري، الذي يبدو أنه ليس له رأي في المفاوضات حول مستقبل بلده.