الخميس 2018/06/07

التيار السلفي السعودي في ظل الإصلاحات والقمع

بقلم: كريم فهيم

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


فقد التيار الإسلامي المحافظ سلطته في السعودية، ما جعل أفراده في حالة ضياع بشأن دورهم في بلد كانوا يتمتعون فيه فيما مضى بنفوذ واسع.

 

على الرغم من عدم التوازن الذي عرفه نفوذ هذا التيار، إلا أنه قد بدأ مؤخّراً بانتقاد التغييرات التي تجري في المملكة مثل تخفيف القيود الاجتماعية على الاختلاط بين الرجال والنساء من خلال الأوساط الإعلامية وفي المساجد وضمن اجتماعات الأهالي.

 

يعتبر محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، العقل المدبر لهذه التغييرات، حيث تعهد بتحديث البلاد وإجراء جملة من الإصلاحات الاجتماعية التي تهدف إلى الحد من نفوذ التيار السلفي المحافظ في السعودية.

 

أدخل طموح بن سلمان بلاده في صراع مع تيار سلفي قوي والذي يعتبر أكبر قوة سياسية متماسكة خارج نطاق الأسرة الحاكمة في السعودية. ومن أجل إسكات أفراد هذا التيار فقد استعمل أساليب الترهيب والتخويف.

 

حيث قام بسجن رجال دين سلفيين عرفوا بآرائهم المستقلة، كما قام بسجن رجال الدين الذين عارضوا منح حقوق أكبر للنساء وتبنّوا وجهات نظر متشدّدة أخرى.

 

يقول أحد السلفيين المقيمين بالرياض وهو رجل في العقد الخامس من عمره معلقا "نحن لا نعرف ما الذي يحدث"، معرباً عن قلقه مما يحدث.

 

يقول السلفي السعودي، بعد جلسة جمعته بمجموعة من السفليين في الرياض "لقد أصبحنا كطائفة الآميش في الولايات المتحدة الذين نبذهم المجتمع الأمريكي بسبب آرائهم الصارمة،.. يبدو أننا أصبحنا غرباء عن هذا المجتمع".

 

يسعى السلفيون إلى إحياء الدين من خلال فرض صارم للقانون الإسلامي، كما يضم التيار السلفي المحافظين الذين يعتمدون في دعوتهم على الوعظ، وكذا تيار الإسلاميين الداعين إلى الحريات السياسية، وآخرين يدعون إلى العنف ضد أولئك الذين يعتبرونهم هراطقة.

 

وقد امتعض الكثيرون إزاء التغييرات الاجتماعية التي تجري في السعودية خصوصا تلك التغييرات التي سمحت بإحياء الحفلات الموسيقية وغيرها من المناسبات التي تسمح باختلاط الرجال والنساء.

 

أدت موجة التغيير هذه إلى طرح جدل حول ما إذا كان يطمح ولي العهد للقيام بنقلة اجتماعية في السعودية أم إنه كان يسعى لتوطيد سلطته من خلال التخلص من منافسيه المحتملين؟

 

يقول مؤيدو هذا التغيير إن ولي العهد أثبت التزامه بالحد من وطأة الطابع الإيديولوجي الذي عُرفت به السعودية عن طريق الحد من نفوذ الشرطة الدينية، التي فَرضت قوانين أخلاقية مثل الفصل بين الجنسين،  والتي يتم فرضها أحيانا عن طريق ضرب المخالفين بالعصي. كما تبنى إصلاحات في رابطة العالم الإسلامي، وهي عبارة عن مجموعة من الجمعيات الخيرية السعودية التي تأسست في ستينات القرن الماضي، استُخدمت لنشر الإيديولوجيات عبر العالم.

 

وكتب سعود السرحان، الأمين العام لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، في مقالته الأخيرة: "لا مجال للتراجع هذه المرة"، مضيفا أن "هناك رغبة واضحة للقضاء على الإسلام السياسي، عند السنة والشيعة على حد سواء، سواء من قبل القادة أو من قبل عموم الجماهير، الذين يرون أن النسخة الأكثر تطرفا ضمن هذه الإيديولوجيات الإسلامية ما يعرف اليوم بتنظيم الدولة". يترأس المركز أحد أفراد العائلة المالكة، الأمير تركي بن فيصل آل سعود، الذي طلب من القيادة السعودية علنا تفسير ما تقوم به.

 

لكن منتقدين يقولون إن هناك دلائل على أن "بن سلمان" يستوعب المتشددين، مشيرين إلى الاعتقالات الأخيرة والتشهير الذي طال أبرز المدافعات عن حقوق المرأة في السعودية. كما إن بعضا من أولئك السلفيين الذين اعتقلتهم السلطات ساعدوا الدولة في حربها ضد التعصب والتطرف.

 

يقول عبد الله العودة، نجل سلمان العودة، وهو داعية إسلامي اعتقل منذ أيلول/ سبتمبر الماضي، حيث دعا للقيام بإصلاحات سياسية، يقول ابنه "إنهم يستهدفون المسلمين المعتدلين ويُبقون المتطرفين بالقرب منهم".

 

وأشار باحث في كلية الحقوق بجامعة ييل، إلى أن الحكومة السعودية قد وضعت اسم العودة في لائحة المطلوبين بعد الهجمات الإرهابية في 11 أيلول/ سبتمبر 2001، للمساعدة على مكافحة التطرف،  فاختيار أحد الدعاة المعروفين بآرائهم المستقلة من شأنه أن يضيف شرعية على الحرب التي تقودها السعودية.

 

يقول ستيفان لاكروا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة العلوم بباريس : "تحاول السلطات السعودية في عهد محمد بن سلمان تحقيق توازن بين الليبراليين والمحافظين، كما فعلوا دائماً، ولكن قد أصبحت الأساليب أكثر وحشية الآن مما كانت عليه في ظل الحكام السعوديين السابقين"، على حد قوله.. "هذا ما أسميه ميزان الرعب".

 

وقال العديد من السلفيين إنهم يعتقدون أن الاعتقالات التي جرت في أيلول/ سبتمبر الماضي كان الهدف منها إيصال رسالة مفادها أن تغييرات محمد بن سلمان ليست مفتوحة للتفاوض أو النقد. قال السلفي البالغ من العمر 50 عاماً في الرياض: "لقد جعلوا منهم عبرة للآخرين".

 

(( طُلب من "واشنطن بوست" عدم الكشف عن هويات الأشخاص الذين أجربت معهم مقابلات لإنجاز هذا التقرير خشية انتقام السلطات السعودية منهم )).

 

ردود الفعل إزاء التغيير:

وقال أحد أعضاء التيار السلفي في إحدى الأمسيات في منزل لأحد أقاربه بحي سكني في العاصمة الرياض حيث تجمّع أفراد هذا التيار: "لا تملي علينا السلطات السعودية معتقداتنا"، مشيراً إلى أنهم كانوا يجتمعون بشكل دوري لمناقشة الأمور الدينية، حيث يمكن اعتبار هذه الاجتماعات مجالاً خِصباً لتبلور الإيديولوجيا في السعودية. وأضاف أن اهتمام الدولة مُنصبّ الآن على جوانب أخرى متل الجانب الاقتصادي.

 

قال سلفي آخر، يبلغ من 42 عاما، على القادة السعوديين " أن يدرسوا التاريخ: تاريخ البلدان التي ولّت لأنها تخلت عن دينها.  إن ما يجعلنا أغنياء وأقوياء ليس النفط أو الذهب".

 

تختلف تقديرات عدد السلفيين في المملكة بشكل كبير، من مئة ألف سلفي، إلى نحو مليون أو أكثر. يقول "علي زيد"، وهو رجل أعمال في الدمام: "لست ضد التغييرات التي حصلت بالمملكة مثل افتتاح دور السينما أو تنظيم الحفلات الموسيقية".

 

مضيفا أن العديدين ممن يعرفهم وعُرِفوا بتدينهم "ليسوا سعداء على الإطلاق"، على حد قوله. فهم يعتقدون أنهم "قادرون على مواجهة هذه التغييرات".

 

اشتكى أحد السلفيين الذين يعملون في مسجد بالمنطقة الشرقية من الاحتفالات العامة ومن العدد المتزايد للنساء اللواتي لا يغطين شعرهن، مضيفاً "إن ما يحدث يُبعِد المسلمين عن الطريق الصواب".

 

وحاول البعض مشاركة شكواهم مع شخصيات مؤثرة في مجلس كبار العلماء المسلمين، بمن فيهم الشيخ سعد ناصر الشثري، الذي عارض في الماضي الاختلاط بين الجنسين في الجامعات. لا يعلم أحد موقف رجال الدين هذه الأيام، كما لم يعلق الشثري على ما يجري اليوم من إصلاحات في المملكة.

 

إعادة تشكيل التطرف:

بدت الحكومة حذرة من الدخول في مواجهة عنيفة ضد المحافظين. في نيسان/ أبريل الماضي على سبيل المثال، اعتذر المسؤولون عن بث لقطات للمصارعة. وربما كانت اعتقالات ما لا يقل عن 17 ناشطاً في الأسابيع الأخيرة - بما في ذلك المدافعون عن حقوق المرأة – عبارة عن تنازل لحلفاء ولي العهد من المحافظين.

 

في الوقت نفسه، يسعى "بن سلمان" إلى إضعاف تأثير المحافظين على الشباب -الذي يمثلون 60٪ من السكان في البلاد- شيئاً فشيئاً.

 

كما قام بن سلمان بتبني طرح جديد لتجنب الأسئلة الصعبة حول التطور الإيديولوجي للتطرف الإسلامي في المملكة، ملقياً بلائمة وجود فكر متطرف على القوى الخارجية. في حينَ يُعتبَر هذا التفسير "غير دقيق تاريخياً إلى حد كبير"، قال لاكروا، إنه سمح لولي العهد بتجنيد رجال دين في مشروع لإنشاء مؤسسة سنّية أكثر طواعية بقيادة الدولة.

 

وقد اقترنت هذه التغييرات بمحاولات لتعزيز التعاون بين الأديان مع المسيحيين واليهود من قبل الزعماء السعوديين في الأشهر القليلة الماضية، وكذلك للمسلمين الشيعة المهمَّشين في السعودية.

 

كانت رابطة العالم الإسلامي تحت قيادة محمد عبد الكريم العيسى إحدى المؤسسات الإسلامية الداعية لهذا التعاون حيث غيّرت من خطابها. فقبل بضع سنوات فقط، لم يطرح مؤتمر مكافحة الإرهاب الذي استضافته الحكومة السعودية ورابطة العالم الإسلامي موضوع "التطرف السنّي". لكنْ في مقابلة حديثة، بدا هجوم "العيسى" واضحا عندما قال إن مواجهة "المتطرفين السنة من تنظيم الدولة والقاعدة" يعد أولوية قصوى.

 

خطاب سطحي:

أما بخصوص قضية العودة، فيبدو أن السبب الظاهر لاعتقاله هو أنه رفض التغريد دعماً للحصار الذي تفرضه السعودية على قطر على إثر خلاف بين البلدين.

 

لكن يبدو أنه كان لدى السلطات السعودية أسباب أكثر إلحاحاً لإبعاد العودة عن الأنظار، مثل شعبيته ودوره الرائد في حركة "الصحوة"، التي تدعو لإدخال الدين في السياسة. حيث يعتبر الحكام السعوديون مثل هذه الأفكار تهديدا لهم.

 

اعتقل العودة قبل الآن بسبب نشاطه السياسي، لكن منذ إطلاق سراحه في عام 1999، لعب دورا مهما في انتقاد المقاتلين الإسلاميين.

 

وكتبت "مضاوي الرشيد" وهي باحثة سعودية في كلية لندن للاقتصاد في كتابها "الحداثة الصامتة: الصراع على السياسة الإلهية في السعودية":  "لقد قام العودة في عدة منابر إعلامية بشجب الجهاديين وأظهر سوء فهمهم بفحوى النصوص الإسلامية حول الجهاد الشرعي، مؤكدا عدم شرعية قتل المسلمين وغير المسلمين"، بعد أحداث 11 من أيلول/ سبتمبر".

 

وكتبت أنه بعد ثورات الربيع العربي التي بدأت في أواخر عام 2010، قدم العودة دعم المظاهرات السلمية "خياراً ثالثاً بين موقفين دينيين"،  بين تطرف الجهاديين والخضوع لرجال الدين التقليديين.

 

وقال نجل العودة إن الاعتقال كذَّب الحديث الذي يدور في السعودية حول الإصلاح. وقال "إن الإصلاحات الحقيقية، مثل الإصلاحات السياسية والانتخابات وحرية التعبير وحرية التجمُّع، تشكّل تهديداً حقيقياً للخطاب السطحي الذي تقدّمه الدولة".

 

وفي إشارة منه إلى عمل والده، قال: "إذا كانوا يتحدثون عن محاربة التطرف، فإن والدي وأصدقاءه كانوا يقودون حملة ضد التطرف عِقدَين من الزمن".