الخميس 2017/12/07

الانعكاسات الكارثية لقرار ترامب إعلان القدس عاصمة لإسرائيل

العنوان الأصلي : يرتكب ترامب خطأ جسيماً بحق القدس

بقلم: حنان عشراوي

المصدر: نيويورك تايمز

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

أعلن ترامب يوم الأربعاء أن إدارته ستقوم بتغيير جذري في السياسة الرسمية للولايات المتحدة والمجتمع الدولي والتي امتدت 70 سنة: فهو يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

سيتم تفسير القرار من طرف الفلسطينيين والعرب وبقية العالم على أنه خطوة استفزازية كبيرة، وهي خطوة ستُلحق ضررا لا يمكن إصلاحه لخطط ترامب لإحلال السلام في الشرق الأوسط، ولكل جهود إدارته المستقبلية كذلك. كما إنها ستقوِّض الأمن القومي للولايات المتحدة. لذا على الرئيس أن يعيد النظر في قراره في الحال.

منذ إنشاء إسرائيل في 1948، رفضت الأمم المتحدة والولايات المتحدة -كغالبية الدول- الاعتراف بسيادتها على القدس، التي تعتبر مدينة مقدسة لكل من المسلمين واليهود وكذا المسحيين.

ولهذا السبب، لطالما جعلت الولايات المتحدة سفارتها في تل أبيب. ومنذ أن احتل الجيش الإسرائيلي القدس الشرقية سنة 1967 في الحرب العربية-الإسرائيلية، رفضت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي محاولات إسرائيل غير القانونية فرض سلطتها على المدينة من خلال توسيع حدودها وضم القدس لها، وبناء حلقة من المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة حول أطرافها لفصلها عن باقي أجزاء الضفة الغربية.

مع إعلانه الأربعاء الماضي، أعطى ترامب شرعية لأفعال إسرائيل غير القانونية وبعث رسالة مفادها أن الولايات المتحدة لا تحترم أياً من الاتفاقيات والقوانين الدولية وأن القوة ستسود على العدالة والقانون.

على الأغلب، لا يجب أن يكون هذا مفاجئاً. فقد سعِد أعضاء باليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية بفوز ترامب، لاعتقادهم بأن لهم حرية التصرف في توسيع المستوطنات. كما إن اختيار الرئيس لصهره، جاريد كوشنر، لترؤُّس الجهود السلام الفلسطينية-الإسرائيلية التي تقوم بها إدارته وتعيينه "ديفيد فريدمان" سفيراً لدى إسرائيل، اللذينِ تربطهما علاقات مع حركة الاستيطان الإسرائيلية، كلها عزّزت موقف المستوطنين ومؤيّديهم في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وبالفعل، فقد وسَّعت إسرائيل من عدد مستوطناتها خلال العام الماضي.

ومن خلال حصولها على القدس ضِمن اعتراف رسمي، فقد أعطى ترامب مطلق الحرية للاحتفاء بسياساتها المتمثّلة في ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة ومحاولاتها المتعمَّدة محوَ الوجود التاريخي والسياسي والثقافي والديموغرافي للفلسطينيين في فلسطين التاريخية.

سيشجِّع ذلك المسؤولين الإسرائيليين على تكثيف انتهاكهم للحقوق الفلسطينية في المدينة؛ من خلال تدمير المزيد من المنازل الفلسطينية وتشريد المزيد من العائلات الفلسطينية. فمنذ احتلال إسرائيل للقدس الشرقية في عام 1967، قامت السلطات الإسرائيلية، وفقا للأمم المتحدة، بتدمير نحو 20 ألف منزل فلسطيني في المدينة.

وسيعني ذلك أيضا سرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية وجعلَها مستوطنات، كما إن المزيد من الفلسطينيين المقدِسيين ممن لهم حق الإقامة في المدينة التي ولدوا ونشؤوا فيها وتعيش أسرهم هناك، سيتم إلغاء إقاماتهم من طرف إسرائيل، كما فعلت مع أكثر من 14000 فلسطيني منذ عام 1967، وفقا لمجموعات حقوق الإنسان.

كما إن هذا الاعتراف سيزيد من دعوات الإسرائيليين اليمينيين، بمن فيهم أعضاء حكومة نتنياهو، لضم أجزاء من الضفة الغربية أو كلها: ففي نهاية المطاف، إذا أعطت الولايات المتحدة موافقتها على ضم القدس، فما الذي يمنع الإسرائيليين من اليمين المتطرف من الاعتقاد أنهم لن يفعلوا الأمر نفسه مع المزيد من الأراضي يوما ما؟

وعلاوة على ذلك، فإن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس كجزء من إسرائيل يمكن أن يشجع المتطرفين اليهود المسيانيين المتطرفين  - بعضهم مدعوم من قِبل مسؤولي الحكومة الإسرائيلية - الذين يرغبون في بناء مَعبد يهودي في مسجد الحرم الشريف في البلدة القديمة من القدس الشرقية، واحدة من أكثر المواقع الدينية حساسية في العالم.  ويمكن لهذا أن يُشعل بسهولة سعيراً دينياً كبيراً في الشرق الأوسط ويتجاوز المنطقة، ويخلِّف نتيجة لا يمكن التنبؤ بها.

وسيضع إعلان يوم الأربعاء الماضي النهاية لحلم حل الدولتين الذي ظل قائما لأكثر من 25 عاماً كهدف رسمي للحكومة الأمريكية. فإذا ما أصبحت القدس كلها جزءا من إسرائيل، فلا يمكن اعتبار القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية، ما يجعل فكرة وجود دولتين جنبا إلى جنب بسلام فكرةً بالية.

وإذا لم يكن ذلك كافياً لإقناع ترامب بالعدول عن رأيه، فعليه الاستماع إلى مشورة وزير الدفاع الخاص به جيمس ماتيس عام 2013، عندما كان رئيسا للقيادة المركزية للولايات المتحدة، التي تشرف على العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، قال السيد ماتيس إنه "دفع ثمن الأمن العسكري بشكل يومي" لأن الولايات المتحدة "اعتُبرت متحيّزة في دعمها لإسرائيل". فالاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة إسرائيل يزيد من حِدة هذه المشكلة بشكل مطّرد.

ويحدونا أمل كفلسطينيين في أن تسود الأصوات العاقلة، وأن تمتنع الولايات المتحدة عن القيام بأي عمل من شأنه أن يزيد من زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. وإذا أراد ترامب حقا أن تتاح له فرصة لإحلال السلام، فعليه أن يعيد النظر في قراره بشأن القدس على الفور.