الأثنين 2018/11/26

اتفاق إدلب.. اختبار للعلاقات الروسية-التركية

المصدر: وول ستريت جورنال

بقلم: سون إنجل راسموسن وتوماس غروف

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

تحاول روسيا الدفع بتركيا إلى إخراج المتطرفين من المنطقة المنزوعة السلاح؛ الأمر الذي يعد اختبارا للعلاقات التي تربط البلدين ووقف إطلاق النار الذي لعبت فيه تركيا دور الوسيط بهدف منع حدوث هجوم على ما تبقى من معارضي بشار الأسد داخل إدلب.

وكان كل من تركيا وروسيا قالتا منذ أسابيع، عقب اتفاق أبرمتاه في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي ينص على إنشاء منطقة منزوعة السلاح في الشمال الغربي لمحافظة إدلب، إن الاتفاق يسير حسب ما خطط له، في إشارة إلى النفوذ الذي تحظى به الدولتان للعب دور الوسيط في الشرق الأوسط، دون تدخل من الولايات المتحدة أو أوروبا.

لكن خلال الأيام الأخيرة الماضية، قامت قوات الأسد التي تدعمها روسيا بشن هجمات مكثفة بالصواريخ والمدفعية على البلدات التي يسيطر عليها الثوار جنوب إدلب.

في الوقت الذي يحاول فيه المقاتلون الذي أخرجتهم تركيا من المنطقة المنزوعة السلاح العودة إليها حيث تقع المسؤولية الأمنية على عاتقها.

وقالت وزارة الدفاع الروسية الأحد الماضي إن إحدى طائراتها الحربية قامت بتوجيه ضربات لعدد من الثوار الذين تعتقد أنهم مسؤولون عن الهجوم الكيماوي على مدينة حلب التي يسيطر عليها النظام، والذي أدى إلى إصابة أكثر من 100 شخص.

لم تدعم أي أدلة مستقلة هذا الادعاء، لكن وزارة الدفاع الروسية قالت إنها ستتباحث مع تركيا بشأن هذا الموضوع.

لقد عبّرت روسيا عن شعورها بالإحباط بشكل واضح، ما أثار تساؤلات حول إمكانية استمرار وقف إطلاق النار في معقل الثوار.

لم تقم موسكو بشن هجوم كبير كما إن النظام لا يستطيع السيطرة على إدلب بدون قوة جوية روسية.

خلال اجتماع لهم في سوتشي الثلاثاء الماضي، ضغط وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو على نظيره التركي خلوصي أكار لفصل الثوار المعتدلين عن المتطرفين في إدلب.

وقالت إيرينا زفياغلسكايا، رئيسة قسم الأبحاث في مركز الدراسات العربية والإسلامية الذي يتخذ من موسكو مقرا له، معلقة على هذا الموضوع: "إذا تمكنت تركيا من فصل أولئك الذين يدعمون وقف إطلاق النار وأولئك المستعدين للتفاوض عن الإرهابيين، فمن شأن ذلك أن يمنع شن هجوم واسع النطاق على إدلب".

وقد أقنعت تركيا بعض الثوار بالخروج من المنطقة المنزوعة السلاح والتخلي عن الأسلحة الثقيلة، لكن لا يزال هناك الآلاف.

وقال سام هيلير، وهو أحد المحللين السياسيين البارزين في مجموعة الأزمات الدولية الذين يراقبون الوضع في إدلب، "من الواضح أن بنود الصفقة لم تنفذ بالكامل" مضيفا أن "وقف إطلاق النار سيظل قائما طالما أن داعميه على وفاق بغض النظر بغض عما إذا تم تطبيقه على أرض الواقع أم لا".

إن الهدوء النسبي الذي تشهده إدلب وضع البلدين في موقف يسمح لهما بالتأثير على نتائج الحرب السورية التي دامت سبع سنوات، وسط تساؤلات حول استمرار دور الولايات المتحدة داخل سوريا. وكانت إدارة ترامب أكدت أن الهدف الرئيسي من بقائها في سوريا هو هزيمة تنظيم الدولة بشكل دائم وإخراج جميع القوات التي تدعمها إيران من هناك، وهو ما يعتبر تحولا في التصريحات السابقة للرئيس الأمريكي الذي أعلن عن انسحاب القوات الأمريكية على وجه السرعة من سوريا.

إن التوصل إلى حل يرضي حلفاء الأسد - روسيا وإيران - من شأنه أن يجعل الوجود الأمريكي في سوريا صعبا، في الوقت الذي يسعى فيه هذان البلدان جاهدين إلى الحد من النفوذ الأمريكي. لكن انهيار المنطقة المنزوعة السلاح قد تكون له نتائج عكسية على موسكو.

بالنظر إلى أعداد سكان إدلب المهولة، فمن المتوقع أن يكون هجوم النظام أكثر دموية مقارنة بالهجمات السابقة والتي تعرضت روسيا على إثرها للعديد من الانتقادات عقب مساعدتها للنظام خلال شنه هجوما بالأسلحة الكيماوية على ضاحية الغوطة بدمشق. يحذر البعض من أن هجوما على إدلب قد تكون نتائجه أسوأ من المعركة التي دارت في حلب سنة 2016، والتي أودت بحياة أكثر 30000 شخص وأدت إلى تهديم الأحياء التي كانت تحت سيطرة الثوار بالكامل.

وقال ألكساندر باونوف، أحد الباحثين في مركز كارنيغي: "من بين العواقب التي ستترتب على هجوم إدلب، ظهور موجة جديدة من الانتقادات ضد روسيا ومن المحتمل أن تزداد الأوضاع سوءا فتفقد كل من روسيا وتركيا ثقة المجتمع الدولي ويصبح بشار الأسد الرابح الوحيد".

يعتبر اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب، والذي أدى إلى إنشاء ممر تصل مساحته إلى 12 ميلاً داخل هذه المنطقة، الأطول مقارنة بالاتفاقات السابقة حيث يعكس التقدم الذي أحرزه كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في تسوية خلافاتهما.

فقد عرفت العلاقات التركية الروسية حالة من الفتور بعد أن أسقط المقاتلات التركية طائرة حربية روسية على الحدود السورية التركية عام 2015.

قامت روسيا بعدها بقطع الاتصال العسكري وفرضت عقوبات اقتصادية على أنقرة وحظرت الرحلات الجوية بين البلدين، الشيء الذي أثر بشكل كبير على قطاع السياحة في تركيا.

في ظل سعي كل من أردوغان وبوتين للتخفيف من حدة التوتر تلك، رفعت موسكو العقوبات التجارية التي كانت قد فرضتها على تركيا.

تموّل الآن شركة روساتوم النووية الروسية أول محطة للطاقة النووية في تركيا، كما التقى الرئيسان في تركيا لتدشين القسم الأول من خط أنابيب الغاز الطبيعي المشترك.

لقد أدت العلاقات الروسية -التركية إلى توتر علاقات هذه الأخيرة مع الغرب. فقد أثارت أنقرة، التي تعد عضوا في منظمة حلف شمال الأطلسي، غضب واشنطن عبر شرائها لنظام دفاع جوي روسي الصنع، من طراز (إس -400) هذا العام.

يعتمد نجاح اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب بشكل كبير على قدرة كل من أردوغان وبوتين في الحفاظ على العلاقات التي تجمع بلديهما.

لقد أبدى بوتين تفهمه للمخاوف التركية بشأن تزعزع استقرارها العسكري والسياسي بسبب المهاجرين والمتطرفين الذين قد يحاولون على الأرجح دخول البلاد في حال تعرض إدلب للهجوم.

من جانبه، وعد أردوغان بوتين بتطهير إدلب من المسلحين الذين يعتبرونهم إرهابيين.

من المحتمل أن تقوم "هيئة تحرير الشام" بتقويض اتفاق إدلب، التي تعتبر منظمة تابعة للقاعدة وتقوم بتجنيد "قوات النخبة" عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال دعوة المقاتلين الذين يتمتعون بصحة جيدة، من غير المتزوجين، والذين هم على دراية بالشريعة الإسلامية للانضمام إلى صفوفها.

لقد استفادت هذه الجماعة اقتصاديا من البقاء داخل منطقة وقف إطلاق النار.

فقد سمحت الصفقة تركية الروسية بفتح الطريق السريع الرئيسي الذي كان مغلقا لشهور، ما سمح لهذه الجماعة بفرض ضرائب على حركة المرور التجارية والخاصة بنقاط التفتيش التي ما زالت تحت سيطرتها. كما تستفيد "هيئة تحرير الشام" من سيطرتها على معبر باب الهوى الحدودي منذ عام 2017.