الثلاثاء 2018/09/11

أردوغان: يجب على العالم إيقاف الأسد

بقلم: الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

المصدر: وول ستريت جورنال

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


إذا هاجم نظام الأسد إدلب، فسيؤدي ذلك إلى كارثة إنسانية وجيوسياسية.

عبر الحدود الجنوبية لتركيا، استهدف نظام بشار الأسد المجرم، على مدار سبع سنوات، المواطنين السوريين عبر الاعتقالات التعسفية، والتعذيب الممنهج، والإعدامات الجماعية، والبراميل المتفجرة، والأسلحة الكيمياوية والتقليدية منها على حد سواء. ونتيجة للحرب السورية، التي أطلق عليها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة "أسوأ كارثة إنسانية عرفها العالم منذ الحرب العالمية الثانية"، أصبح الملايين من الأبرياء لاجئين أو نازحين داخليًا.

بذلت تركيا مجهوداً جباراً للتخفيف من معاناة الشعب السوري، حيث قامت باستضافة نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ، الحصيلة الأكبر من اللاجئين مقارنة مع البلدان الأخرى. في الوقت نفسه، أصبحت تركيا هدفًا للمنظمات الإرهابية التي تقوم بعملياتها بالقرب من حدودنا: كتنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني. لم تتمكن التكاليف الكبيرة المترتبة على الجهود الإنسانية ولا المخاوف الأمنية من إضعاف عزيمتنا.

عندما واجهت تركيا تلك التحديات، بذلت جهوداً دبلوماسية لإيجاد حل سياسي. فقامت بجلب المعارضة السورية إلى طاولة المفاوضات في جنيف وأطلقنا مباحثات أستانا بالتعاون مع روسيا وإيران. ونتيجة لذلك، تمكنت تركيا من التوسط لإبرام اتفاقات وقف إطلاق النار، وإنشاء مناطق خفض التصعيد، بالإضافة إلى عمليات إخراج المدنيين من المناطق التي كانت تتعرض لهجمات النظام.

لكننا نجد أنفسنا اليوم في منعطف خطير، حيث يستعد نظام الأسد، بمساعدة حلفائه، لشن هجوم كبير ضد إدلب، التي تضم نحو ثلاثة ملايين شخص وتعد ملاذا آمنا بالنسبة للنازحين. وفي محاولة لمنع الاعتداء، ساهمت حكومتنا في إنشاء منطقة لفك الاشتباك وقمنا بإنشاء 12 مركزاً مراقبة ولتوثيق انتهاكات وقف إطلاق النار.

يسعى نظام الأسد إلى إضفاء الشرعية على الهجوم الذي يعتزم شنه على إدلب تحت مسمى "مكافحة الإرهاب". ولا تظنوا أن هناك دولة تدرك مدى ضرورة مكافحة الإرهاب أفضل من تركيا، التي عانت بشدة من الهجمات الإرهابية منذ بداية الصراع السوري؛ الشيء الذي أدى إلى انعدام الأمن في المنطقة بأسرها. لكن حل بشار الأسد زائف. لا يجب عدم التضحية بالأبرياء تحت شعار مكافحة الإرهاب. إذ لن يؤدي هذا سوى إلى خلق بؤر جديدة للإرهاب والتطرف. كان صعود تنظيم الدولة نتيجة - وليس سبباً - لما كان يحدث في سوريا. لذا يجب على المجتمع الدولي احتواء مثل هذا العنف لاقتلاع الإرهاب من الجذور.

نواجه اليوم في إدلب، تحديات مماثلة؛ إذ لا تزال بعض المنظمات الإرهابية المعروفة، بما في ذلك هيئة تحرير الشام، نشطة في هذا المجال. ومع ذلك، فإن هؤلاء المقاتلين لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة من سكان إدلب. ومن أجل القضاء على العناصر الإرهابية والمتطرفة في إدلب وتقديم المقاتلين الأجانب إلى العدالة، من الضروري القيام بعملية دولية شاملة لمكافحة الإرهاب.

قد لعب الثوار المعتدلون دورا أساسيا في حرب تركيا ضد الإرهابيين المنتشرين في الشمال السوري، لذا فإن مساعدتهم وتوجيههم سيلعبان دورا حاسما في إدلب كذلك.

إن منع الهجوم على إدلب لا يحتاج إلى إعادة بذل جهود مكافحة الإرهاب. لقد نجحت تركيا في محاربة الجماعات الإرهابية، بما في ذلك تنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني، دون الإضرار بالمدنيين أو تشريدهم. ومن أجل استعادة مستويات الاستقرار للمناطق المتضررة، فقد العشرات من الجنود الأتراك حياتهم للقيام بذلك. إن قدرة تركيا على الحفاظ على النظام في شمال سوريا دليل على أن اتباع نهج مسؤول تجاه مكافحة الإرهاب قادر على الفوز بعقول الناس وقلوبهم.

يجب على جميع أعضاء المجتمع الدولي إدراك حجم المسؤوليات التي تقع على عاتقهم في الوقت الذي أصبح فيه الهجوم على إدلب وشيكا، إذ ستكون عواقب تقاعس هذا الأخير وخيمة. لا يمكننا ترك الشعب السوري تحت رحمة بشار الأسد. إن الغرض من هجوم النظام على إدلب شن هجمات عشوائية للقضاء على معارضته دون تمييز. الهدف منه ليس شن حملة حقيقية أو فعالة لمواجهة الإرهاب. سيخلف هجوم النظام كوارث إنسانية وأمنية خطيرة لتركيا وبقية أوروبا وما بعدهما.

من المهم بالنسبة للولايات المتحدة، التي ركزت على الهجمات الكيماوية، أن تزيح ناظريها عن هرم الموت الذي تتبناه، وتدرك أن الأسلحة التقليدية مسؤولة عن إزهاق الأرواح بشكل أكبر. لا تقع مسؤولية وقف سفك الدماء المحتمل على عاتق الغرب وحده، فروسيا وإيران، مسؤولتان عن منع وقوع هذه الكارثة الإنسانية باعتبارهما شريكتين في مباحثات أستانا.

تعد إدلب المخرج الأخير قبل فوات الأوان. فإذا فشل المجتمع الدولي، بما في ذلك أوروبا والولايات المتحدة، في اتخاذ إجراءات الآن، فلن يدفع السوريون الأبرياء وحدهم ثمن هذا الفشل بل سيدفعه العالم بأسره.

لقد بذلت تركيا كل ما في وسعها لوقف سفك الدماء. لضمان نجاحها، يجب على بقية دول العالم وضع مصالحها الذاتية جانبا واستعمال نفوذها من أجل التوصل إلى حل سياسي.