الثلاثاء 2018/10/23

هل سرق ابن سلمان الأضواء من بشار الأسد؟!

بلا منازع أو منافس .. تصدر بشار الأسد قائمة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية على مدار سنوات، بسجل أسود يحمل في تفاصيله مقتل نحو نصف مليون شخص واعتقال نحو مئتي ألف آخرين قضى الآلاف منهم تحت التعذيب. يبدو أن أحدا ما في الخارطة العربية الدامية يحاول منازعة الأسد والحصول على ترتيب متقدم في قائمة القمع والإجرام.

في 21 حزيران 2017 صدر أمر ملكي سعودي يقضي بإعفاء ولي العهد "محمد بن نايف" من منصبه وتنصيب "محمد بن سلمان" مكانه. ومنذ ذلك الحين بدأ "بن سلمان" بممارسة مهام الملك في ظل الوضع الصحي لوالده، الذي تجاوز حاجز ال 80 عاما، وبات بفعل "الزهايمر" لا يستطيع إدراك ما حوله إلا في ساعات معدودة من اليوم.

أدرك ولي العهد الجديد أن طريقه إلى الجلوس رسميا على العرش ليس مفروشا بالورود، ولا سيما أنه وصل لولاية العهد بعد إجراء تغيير كبير فيما يعتبر دستور الحكم بالبلاد (بشار الأسد وصل إلى السلطة كذلك بتغيير فقرة في الدستور)، ويبدو أن "ابن سلمان" وضع لنفسه عدة خطط، تضمنت بادئ الأمر التخلص من المنافسين، سواء أكانوا من الحرس القديم في المملكة، أو من الأمراء المنافسين، أو من قيادات الدولة المؤثرة، وفي هذا المجال شن ولي العهد حملة شعواء احتجز فيها العشرات من الأمراء والمسؤولين في فندق "ريتز كارلتون" .

كما أعطى محمد بن سلمان انطباعا عاما بعدم إفساح المجال لأي نوع من الانتقاد أو حرية التعبير، حتى وصل الأمر إلى اعتقال دعاة ومفكرين وعلماء لمجرد الصمت عن "التطبيل" لسياسته القمعية، وفي الوقت الذي سمح فيه للمرأة بقيادة السيارة فقد اعتقل ناشطات في مجال حقوق الإنسان دافعن عن حقوق المرأة في المملكة.

موجة غير مسبوقة من القمع وكبت الحريات صبغت السعودية منذ تنصيب ابن سلمان، فتحول جميع من نجوا من النفي أو الاعتقال إلى مجرد أبواق لولي العهد، وبات الإعلام الرسمي والخاص في المملكة نسخة طبق الأصل عن الإعلام في كوريا الشمالية أو سوريا.

منذ تنصيبه إلى اليوم بات اسم "محمد بن سلمان" في الإعلام العربي والعالمي منافسا قويا لاسم "بشار الأسد" صاحب ال "ألف مجزرة ومجزرة"، وظل الأمر كذلك حتى خرجت مأساة قتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي".

احتفى "خاشقجي" عقب دخوله إلى قنصلية بلاده في إسطنبول التركية بتاريخ 2018/2/10، وكانت النتيجة أن الرجل تعرض لعملية اغتيال مخطط لها من قبل "ابن سلمان" شخصيا، إذ جرى تعذيبه وقتله ثم تقطيع جثته بعد دخوله القنصلية ب 15 دقيقة فقط.

يحتل ابن سلمان اليوم واجهة الأخبار العالمية، وبات تورطه بقتل صحفي في قنصلية بلاده العنوان الأول، وذهبت مليارات الدولارات التي أنفقها ولي العهد لتجميل صورته هباء منثورا .. لم يعد بشار الأسد بطبيعة الحال محور الاهتمام العالمي، واحتل ملف قتل خاشقجي صدارة تصريحات المسؤولين وصناع القرار الدوليين.

لسنا هنا في صدد المقارنة بين جرائم الأسد وابن سلمان، فالقتل هو القتل، والقمع هو القمع، والظروف التي استولى فيها الطاغيتان على السلطة متشابهة إلى حد كبير، ولعل بشار كان مثلا وقدوة لابن سلمان ولغيره من الطغاة، وتجربته الدموية خلال سبع سنوات مع أمانه حتى اللحظة من العقاب أعطى إشارة واضحة للحكام الدمويين مفادها .. افعلوا ما شئتم .. فلا حساب ولا عقاب.

الخلاصة أن المصالح المشتركة بين الكبار قد تؤثر في معاقبة الأسد أو ابن سلمان أو غيرهما .. لكن ينبغي للكبار أن يعلموا بأن فكرة البشرية الآمنة والسلم الدولي باتت شعارات مهددة، في ظل وجود حكام طغاة لا يضعون لقيمة الإنسان وحياته أي قيمة في سبيل الوصول إلى كرسي الحكم.