الأربعاء 2018/05/30

مدينة الميادين… بعد سيطرة النظام عليها بستة أشهر

في الثاني عشر من شهر تشرين الأول عام ألفين وسبعة عشر سيطرت قوات النظام والمليشيات الموالية على مدينة الميادين في ريف ديرالزور الشرقي فما الذي استجد عليها منذ أن استلمت مليشيات الأسد زمام الأمور فيها..

1- الدمار الذي لحق بالمدينة: الدمار الذي أصاب منازل المدنيين خلال معارك السيطرة على المدينة تم تقديره بأربعين بالمئة من المدينة والتي كان قصف مقاتلات الاحتلال الروسي وحوامات قوات النظام وبراميلها السبب الرئيسي فيه.

ولم يكن الدمار هو السبب الرئيسي في خراب البيوت في الميادين بل زاد في ذلك عملات التعفيش التي قام ويقوم بها عناصر النظام والمليشيات الموالية بالتعاون مع سماسرة وتجار التعفيش التي قامت بنقل جميع ممتلكات المدنيين إلى حيي الجورة والقصور بدير الزور وبقية المحافظات السورية التي أصبحت أسواق التعفيش فيها شيئاً عادياً يرتادها من يريد شراء حوائجه بأبخس الأثمان، ووثقت عدسات النظام وشبيحته عمليات النهب والسلب التي قامت بها قوات النظام في عموم المناطق التي سيطرت عليها ولاسيما مدينة الميادين.

2- البنية التحتية: تم تدمير البنية التحتية في الميادين بشكل كامل فمحطة المياه الوحيدة في المدينة تعرضت لقصف جوي مكثف أدى لخروجها عن الخدمة، أما شبكة الكهرباء فقد تم تدميرها مع محطة التحويل الخاصة بالمدينة ولم يبق في المدينة أي أثر لعواميد الكهرباء وأشرطة نقل التيار الكهربائي فقد تمت سرقتها من قبل عفيشة النظام ومليشياته، أما الطرق العامة فهي غير صالحة للعمل باستثناء بعض الطرق الرئيسية التي قامت قوات النظام بتمهيدها لتسهيل عمليات تنقل آلياتها وعناصرها أما الركام فلايوجد أي جهة تقوم بإزالته أو ترحيله ويعتمد معظم المدنيين على أنفسهم في نقل ركام بيوتهم وحاراتهم إلى أماكن قريبة أو إلى بيوت لم يعد أهلها إلى المدينة، أما المخابز فقد تضررت كثيراً وتم تعفيش ماتبقى منها بعد قصفها من مقاتلات الاحتلال الروسي والنظام.

3- الخدمات:

أ- الكهرباء: حتى هذه اللحظة وبعد مرور أكثر من ستة أشهر على سيطرة قوات النظام على المدينة لم تصل الكهرباء إلى منازل المدنيين وتعيش المدينة حالة من الموت بعد حلول الظلام وخاصة عند الهجمات المنفذة من قبل تنظيم الدولة في محيط المدينة، ولم يقم أي من المدنيين بعمل مشروع لمولدات كهرباء أو مايعرف بالـ"أمبيرات"، ويقتصر التيار الكهربائي فقط على مقرات النظام والمليشيات الطائفية التي تتغذى بالكهرباء عبر مولدات تم تعفيشها من المنازل والدوائر الحكومية بعد السيطرة على المدينة.

ولعلّ عدم استخدام المدنيين للمولدات الكهربائية يعود إلى ندرة وارتفاع أسعار المحروقات الذي يتم تهريبه من قرية ذيبان والحوايج عبر سفن مائية بعلم النظام وتذهب العائدات إلى جيوب ضباطه وعناصره، وبلغت أسعار المحروقات في المدينة:

البنزين : 350 ليرة سورية - المازوت: من 90 إلى 125 ليرة والكاز: من 200 إلى 250 ليرة حسب توافرها.

ب- المياه: مشكلة المياه قائمة في المدينة وتفاقمت بعد إهمال قوات النظام لإصلاح محطة المياه الوحيدة المدمرة في المدينة، وتقوم قوات النظام بتعبئة خزانات في التجمعات السكانية بشكل مجاني، إلا أنها صغيرة ولاتكفي حاجة المواطنين العائدين، ويلجؤون إلى شراء المياه من الصهاريج التي تعود عائداتها أيضاً إلى قوات النظام وسعر البرميل في الميادين من الصهريج بلغ 2000 ليرة سورية، وهذه المياه غير معالجة صحياً ما أدى لانتشار الأمراض في صفوف المدنيين وخاصة الأمراض المعوية إذ أن المياه تنقل من النهر مباشرة ويقول معظم السكان إنها تحتوي على الإشنيات والحشرات "الدود" في بعض الأحيان.

ج- الأفران: بعد تدمير الأفران في الميادين ووجود عناصر النظام ومليشياته والعوائل التي عادت بعد سيطرة النظام على المدينة، أصبحت الحاجة ملحة لتشغيل أي فرن، مادفع المليشيات الإيرانية لتشغيل فرن واحد في المدينة يؤمن الخبز لعناصره وعناصر النظام والمدنيين بأسعار مخففة وذلك في خطوة من إيران لكسب ود العائدين إلى المدينة.

د- الخدمات الصحية: قبل سيطرة النظام على المدينة كانت مشفى الطب الحديث والمشفى الوطني ومشفى الصناعة عاملة وفيها معدات طبية حديثة، ونتيجة القصف وعمليات التعفيش خرجت جميع المراكز الصحية عن الخدمة، وكما ذكرت سابقاً أن إيران تسعى لخطب ود المدنيين فقد أقامت المليشيات الإيرانية مستوصفاً يقدم الخدمات للمدنيين مجاناً وتقتصر خدماته على المعاينة وإجراء بعض العمليات الجراحية الخفيفة، وقامت قوات النظام أيضاً بتفعيل المستوصف المركزي في ساحة "الجراديق" وعينت فيه موظفي قطاع الصحة العائدين وتقدم فيه اللقاحات المقدمة من الأمم المتحدة ولكنها لاتقدم أي علاج للمواطنين المراجعين، ويقتصر عملها على المعاينة وكتابة الوصفات الدوائية التي يصعب على المدني تأمينها إلا عن طريق الباصات القادمة من دمشق وديرالزور.

وتشهد المدينة حالة صحية مزرية بسبب انتشار الأمراض الجلدية والإسهالات لقلة المياه وشرب المياه القادمة من النهر مباشرة كما ذكرت سابقاً.

هـ - التعليم: بعد عمليات تدمير التعليم التي عانى منها أهالي المدينة في ظل وجود تنظيم الدولة الذي أغلق جميع المدارس وطرد جميع الكوادر التعليمية واقتصر التعليم أثناء سيطرته على منهاج قام بوضعه أثناء فترة سيطرته على الرقة ودير الزور والموصل، جاءت قوات النظام لتنهض وفق زعمها بالتعليم وقامت بافتتاح ثلاث مدارس وهي مدرسة زبيدة وعلي بن أبي طالب وعبد الغفور ملاهاشم وعينت فيها المعلمين العائدين إلى المدينة، ولكن أعداد التلاميذ العائدين إلى التعليم قليلة جداً في ظل الظروف الاقتصادية للمدنيين الذين يفضلون أن يعمل الأطفال ليساعدوا ذويهم في مشاق الحياة التي فرضتها عليهم قوات النظام، وقامت قوات النظام بجمع تلاميذ وأطفال من قرية بقرص وقرى ريف الميادين في مدرسة زبيدة وصورت بياناً لعودة التلاميذ في مدينة الميادين إلى مدارسهم،واستغلت قوات النظام كعادتها مساعدات الأمم المتحدة المقدمة من منظمة الطفولة العالمية " اليونيسيف" التي تقدم الدعم لعمل دورات للأطفال المحرومين من التعليم ووظفت فيها أقارب الضباط والعناصر في صفوف قوات النظام ومليشياته الموالية.

4- العائدون : عادت إلى مدينة الميادين بعد سيطرة قوات النظام عليها نحو سبعين عائلة تقريباً معظمهم من الموالين للنظام والذين خرجوا من المدينة بداية الثورة السورية، ومعظمهم من كبار السن والأطفال والنساء، باستثناء عوائل الشبيحة وعناصر النظام الذين أجبرهم النظام على العودة إلى المدينة، وفرض النظام على العائدين شروطاً تتمثل في تطويع أحد أفراد العائلة بما يسمى بـ"الدفاع الذاتي" والذي يعمل على الوقوف على حواجز النظام على شكل مناوبات ليلية، أم الموظفون العائدون فكلهم عناصر في الدفاع الذاتي ويفرض النظام عليهم مناوبات يومية على الحواجز دون أي استثناء لأي موظف.

رواتب العاملين المتطوعين في مليشيات "الدفاع الذاتي" نحو 30 ألف ليرة سورية، أما من يجبرهم النظام على التطوع فرواتبهم هي مايستطيعون تعفيشه من منازل المدنيين أو سرقته من خلال وقوفهم على الحواجز، وتقوم مليشيات الدفاع الذاتي بحملات اعتقالات بشكل شبه شهري وذلك للاستفادة من النبالغ المالية التي تدفع من قبل أهالي المعتقلين للإفراج عنهم ويقتسم عناصر الدفاع هذه المبالغ لتعويضهم عن الرواتب غير المدفوعة من النظام، وتأتمر ميليشيات الدفاع الذاتي بفرعي الأمن السياسي والعسكري، ويتعرض كل من يخالف الأوامر أو يتغيب عن المناوبات على الحواجز لعقوبة النقل إلى مدين أخرى تقع تحت سيطرة النظام.

ويتعرض العائدون إلى الميادين للابتزاز من قوات النظام وميليشياتها حيث افتتحت ثلاث بقاليات فقط في المدينة، لبيع المواد التموينية للأهالي وتعود ملكيتها لضباط النظام وتوزعت في دوار الطيبة والبلعوم والنادي، ولا يسمح النظام للعائدين المدنيين بافتتاح أي بقالية أو دكان إلا بعد الاتفاق مع ضباط النظام لتقاسم العائدات معهم، وانتشرت في المدينة ظاهرة بيع المخدرات والمشروبات الروحية بشكل علني دون أي رادع قانوني أو شرعي، وهذا مايجعل المدينة تبدو كمدينة أشباح بعد حلول الظلام والخوف يسيطر على المدنيين من عمليات السرقة والقتل من قبل متعاطي المخدرات الذين هم بالغالب من عناصر النظام وميليشياته.

هذا ما آلت إليه الحال في مدينة الميادين بعد سيطرة النظام والمليشيات الطائفية عليها، ولعلّ هذا التحقيق ينطبق بنسبة تسعين بالمئة على جميع المدن والقرى التي سيطر عليها النظام في محافظة دير الزور وغيرها.


تحقيق : أحمد العطرة