السبت 2019/01/12

ماذا تخبئ المباحثات التركية الأمريكية المقبلة حول شرق الفرات؟

أسبوع حافل بالمباحثات بين المسؤولين الأمريكيين والأتراك حول مصير منطقة شرق الفرات ومنبج، ورغم أن المباحثات أشرف عليها من الجانب الأمريكي أرفع شخصية مقربة من ترامب وهو مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، إلا أنه لم يصل لصيغة تفاهم مشترك مع تركيا، وقد غادر بولتون أنقرة الأسبوع الماضي وسط أجواء مشحونة بعد رفض الرئيس التركي لقاءه؛ بسبب مواقف اعتبرتها أنقرة خاطئة من بولتون.

بولتون كان يطالب بإيجاد آلية تضمن حماية مليشيا "ب ي د" في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي، وهذا ما أثار غضب تركيا التي ترى في تلك المليشيات امتدادا لـ "ب ك ك" المصنف إرهابياً، ولا تزال الأفق بين أنقرة وواشنطن مسدودة رغم الإشارات الإيجابية المتكررة التي يُطلقها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بأن أنقرة أعطت ضمانات بحماية الأكراد في مرحلة ما بعد الانسحاب، ويقصد بومبيو بالأكراد مليشيا "ب ي د" ، أي إنه يرى في "ب ي د" تمثيلاً للشعب الكردي وهو ما ينافي الواقع والحقيقة كما ترى أنقرة التي ترفض منح أي ضمانة لتلك المليشيات، مشددةً في ذات الوقت على أن مشكلتها ليست مع الأكراد بل مع ذراع "ب ك ك" الذي تخوض معه نزاعاً منذ عقود عديدة، ولا تريد عودته مجدداً على الحدود السورية فضلاً عن العراقية التي تخوض فيها حروباً كلفتها خسائر كبيرة.

زحمة المباحثات والاتصالات بين أنقرة وواشنطن تأتي في وقت تقترب فيه مغادرة القوات الأمريكية لسوريا بحسب ما أعلن التحالف الدولي الجمعة بأن أول دفعة من القوات الأمريكية غادرت سوريا، وفي ذات الوقت يصرح المسؤولون الأمريكيون بأن ترامب لم يتراجع في قراره الأخير، ما يعني أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مصير شرق الفرات ومنبج، وسيتحدد فيها الطرف الذي ستختاره واشنطن ليكون خليفةً لها في المنطقة الأهم في سوريا.

على الأرض تقول المعطيات إن الولايات المتحدة لا تريد أن ترى قوات النظام وإيران وروسيا محلها، وفي الوقت نفسه لا يمكنها أن تترك الأتراك يُنهون "ب ي د"، السبب في الأولى يعود لعدم تقوية النفوذ الإيراني بشكل أوسع في سوريا وهو الأمر الذي لا يزال يردده المسؤولون الأمريكيون بأن تقليص النفوذ الإيراني أولوية بالنسبة لواشنطن، وأما السبب في الثانية فمردُّهُ إلى تجنب الحرج الكبير الذي ستقع فيه الولايات المتحدة بعد خيانة جديدة محتملة للقوات الكردية التي استخدمتها في الحرب ضد تنظيم الدولة، فرحيل الولايات المتحدة سيدع "ب ي د" ومشروعه في مهب الريح، ولعل هذا ما دفع بعناصر المليشيات إلى الركض وراء نظام الأسد وروسيا وسعيهم لإيجاد صيغة تفاهم ترضيهما، وهو ما لم يتحقق منه أي شيء حتى الآن لعلم موسكو والأسد بأن ظهر "ب ي د" سيكون مفتوحاً إن غادرت الولايات المتحدة. ورفَضَ النظامُ بحسب الكثير من المصادر منحهم أيَ ضمانات بالحكم الذاتي، خاصة أنه اتهمهم في وقت سابق بالخيانة لتعاملهم مع الولايات المتحدة.

في الأسبوع المقبل ستَجري مباحثاتٌ جديدة بين تركيا وأمريكا بشأن شرق الفرات ومنبج وفق ما أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي، ويعتقد الكثير من المحللين والمتابعين أن مسؤولي الولايات المتحدة في حرج شديد الآن بعد قرار ترامب المفاجئ الذي لاقى رفضَ الكثيرين منهم، وتسبّب باستقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس، فمسؤولو الإدارة الأمريكية يريدون منح ضمانات لـ "ب ي د" بعد مغادرتهم، وهذا ما لن يتحقق على الإطلاق مع رغبة جميع الأطراف الفاعلة بتحقيق مكاسب في مرحلة ما بعد الوجود الأمريكي الذي كان حجر عثرة أمام الجميع.. فأيُّ نتيجةٍ ستصل إليها المباحثات التركية الأمريكية المقبلة لمصير شرق الفرات ومن خلفه قاطنوهُ الذين يخشون عملية مباغتة من قبل النظام والروس أو توقيع اتفاق من تحت الطاولة يوسع سيطرة النظام وروسيا على حساب تقليص الوجود التركي، وهذا المصير أعطت إشارات له قبل أيام صحيفة "ميدل إيست أي" البريطانية التي ذكرت أنه تم عقد اجتماع بين الموساد ومخابرات كل من مصر والسعودية والإمارات وهي جميعها أطراف تعادي تركيا وكانت قد قدمت دعماً للمليشيات الكردية ونظام الأسد، وفي نفس الوقت تتحرك وفق الأوامر الأمريكية، وقد اتفقت تلك الأطراف بحسب الموقع على أن تركيا هي الخصم العسكري الرئيسي وليس إيران.