السبت 2017/12/23

لن ينتصر الأسد إلا إذا ولج الجمل في سم الخياط

لا أقلل من قيمة الخسارة التي تكبدتها الثورة السورية خلال العام 2017 الذي يشارف على الرحيل.. فخلال هذا العام احتل النظام والمليشيات الإرهابية التي تقاتل معه والمدعومة من إيران وروسيا مناطق واسعة كانت محررة ولاسيما في ريف دمشق، معظمها لم تسقطْ بالقتال إنما سقطت بالتهجير الذي سبقه الحصار الخانق، إضافة إلى حيِّ الوعر بحمص ومناطق في البادية السورية وريف حماة؛ هذا من جانب الثوار، أما من جانب تنظيم الدولة فكانت الحصة الأكبر من تركَتِه لصالح النظام والذي سيطر على مساحات شاسعة بالبلاد مستفيداً من اتفاقية تخفيف التصعيد التي أقرت في أيار الماضي.

تقدم النظام ذاك أتاح له بث روح الانهزام في صفوف الثورة السورية، وخلَق انطباعاً عاماً أنه انتصر في الحرب وأن المسألة أصبحت مسألة وقت لا أكثر وتنتهي "الأزمة"، لكن يبدو أن النظام تناسى عدة معطيات تعتبر سداً منيعاً وصخرة صلبة أمام محاولته العودة إلى ما قبل آذار 2011 .

1- الحرب على الأرض لم تنته:

أبرز تلك المعطيات هي أن الحرب لم تنته بعد وأن روح القتال والمقاومة لا تزال موجودة لدى الفصائل العسكرية في المناطق المحررة، ومن المعلوم أن النظام يواجه صعوبة كبيرة في التقدم بالأراضي المحررة التي لا يحكم حصارها، كما يجري في أرياف إدلب وحماة وحلب اليوم ، فلا يكاد النظام يتقدم شبراً حتى يفاجَأ بعملية جديدة تربك عملياته وتجبره على إيقافها، سبب ذلك هو أريحية الثوار بالهجوم على مناطق النظام في خلاف لما يجري بالمناطق المحاصرة والتي سقطت معظمها كما أسلفتُ بتكتيك الحصار البربري لا بالقتال، كما حصل في منطقة وادي بردى أو حي الوعر الذي ورغمَ حصاره ظل صامداً أمام محاولات الاقتحام سنين عدة.

2- تهتك الجيش وخسارة الموارد:

المعطى الثاني هو أن النظام تهتك جيشه وأصبح عبارة عن مليشيات مسلحة تعتاش على السطو والسلب والنهب ، ما يعني أنه منهك تماماً عن شن عمليات ضد المناطق المحررة "غير المحاصرة" بدون الدعم الكبير من روسيا وإيران، بل حتى إن عملياته ضد المناطق المحاصرة كالغوطة الشرقية تواجه صعوبات كبيرة ، وفوجئ بهجمات معاكسة للفصائل في عقر داره، ومن غير المستبعد إن أدركتِ الفصائلُ هناك أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم أن نشهدَ استعادة المناطق التي احتلها النظام في الغوطة الشرقية وفتح عمليات بهدف فك الحصار، وهذا بالطبع يعتمد على تحرك فصائل الجنوب بشكل أساسي، وقد شهدنا كيف تمكنوا قبل نحو شهرين خلال ساعات من فك الحصار عن الغوطة الغربية عبر فتح محور بلدة حضر شمال القنيطرة ، ما لبثت أن توقفت المعركة التي دفعت الاحتلال الإسرائيلي إلى التلويح بالتدخل لإيقافها بحجة حماية الدروز، ثم عاد الحصار مجدداً إلى الغوطة الغربية ، والشاهد من هذا هو إدراك حجم ضعف النظام وعدم قدرته على حماية مناطقه حال الهجوم المفاجئ.

يضاف إلى تهتكِ الجيش وتحوله إلى عصابات وأمراء حرب ضعف الموارد الاقتصادية بشكل كبير لاسيما ان جزءاً كبيراً من الحقول النفطية لا يخضع لسيطرة النظام، حيث تستولي مليشيات "قسد" على الحصة الأكبر.

3 - مليشيات "قسد":

صحيح أن مليشيات "قسد" التي تشكل "ب ي د" الانفصالية الكردية عمودها الفقري نسقت مع النظام واستغلها إلى حد كبير في العديد من المناطق بسوريا، لكنها تبقى فعلياً خارجةً عن سيطرته وقد شهدنا في الأيام الماضية تراشقاً بالاتهامات بين الجانبين وقالت قسد إن النظام فتح سوريا أمام "جحافل الإرهاب الأجنبي" وذلك بعد أن اتهمها بالخيانة، ومن المستبعد أن يقوم التحالف الدولي بعد أن دعمها واستولى على نحو 30 % من الأراضي السورية بتسليم تلك المناطق للنظام على طبق من ذهب، بل سيبقى الشمال الشرقي من سوريا شبيهاً إلى حد ما حال التوصل إلى أي حل في سوريا بإقليم كردستان العراق.

4- الموقف الدولي :

الموقف الدولي وبالرغم من برودته عن مطلب رحيل النظام في الوقت الحالي لكنه بنفس الوقت لا يريد للنظام أن ينتصر، وبالذات موقف الولايات المتحدة الذي تغيرَ كثيراً بعد مجزرة خان شيخون التي ارتكبها النظام في نيسان الماضي ودفعت واشنطن إلى توجيه ضربة جوية لقاعدة الشعيرات الجوية، فمنذ ذلك التاريخ ونحن نشهد تصريحات لريكيس تيلرسون تقول إن حكم عائلة الأسد أشرف على النهاية، هذا فضلا عن أن المجتمع الدولي لم يرفع حتى الآن العقوبات عن النظام في دلالة على الرغبة ببقائه في عزلة تامة.

 

5- القواعد الأجنبية:

تكاثر القواعد الأجنبية بسوريا مؤشر مهم على أن النظام لن يتمكن من السيطرة على كامل البلاد، وخصوصاً أن هذه القواعد باتت شبه دائمة ، ما يعني أن حلم النظام بالوصول إلى مناطق درع الفرات بحلب أو الشمال الشرقي من سوريا الحسكة والرقة والقامشلي بات في الأحلام ، هذا بالإضافة إلى مناطق في البادية ، فضلا عن القواعد الروسية والتي أظهرت زيارة بوتين الأخيرة إلى حميميم وطريقة معاملته المهينة لبشار أن القاعدة ملك لروسيا وأن النظام لا يملك منها أي شيء على الإطلاق، كما يشار إلى أن كل القواعد الأجنبية بسوريا متفق عليها بين اللاعبين بسوريا ، ما يعني أن روسيا موافقة طوعاً أو كرهاً على وجود تلك القواعد وليس باستطاعتهما فعل أي شيء تجاه المناطق التي تتمركز فيها القوات الأمريكية أو التركية.

صحيح أن الثورة لم تنتصر إلى الآن لكنَّها في نفس الوقت لم تُهزم كما يبث النظام في إعلامه لعبيده الذين يستغبي عقولهم ويزج بشبابهم في محرقته المفتوحة ، على الرغم من المسار الواضح الجلي الذي أوصل سوريا إليه وأدخلها بمتاهات عديدة وشرد وقتل وأعطب الملايين من السوريين.

أوراق كثيرة لا تزال بيد الثوار والمعارضة السياسية لو أحسنوا استخدامها، أبرزها "تمزيق الهدن وعدم الحضور في مفاوضات التسليم كأستانا وسوتشي المقبل"، إضافة إلى شن ضربات استباقيةٍ ضد النظام على الأرض، ولعل هذا كافٍ ليعيد أوراق الثورة السورية قوية كما كانت في 2013 و2014 ، وأما موضوع عدم انتصار النظام فهذا صار من المُسلّمات التي لا تقبل التغيير رغم كل ظروف التآمر ومحاولات إنهاء الثورة السورية.