السبت 2017/09/30

لماذا يخجل “الأستانيون” من الإقرار بفشلهم بعد الإبادة بالمناطق المحررة ؟

لم يكن يوماً اعتيادياً ذلك الذي مر على سوريا أمس الجمعة، كان يوم انتقام وبطش وسفك للدماء، فمشهد الموت والدمار الشامل لم يغب عن معظم المناطق الخارجة عن سيطرة "حلفاء الشر الثلاثة" الأسد والروس والإيرانيين، إذ صب هؤلاء جام غضبهم على مناطق السنة وأمعنوا في خرابها ونشر الرعب والمجازر فيها.

أكثر من مئة قتيل مدني هي حصيلة ضحايا مجازر الجمعة عشية يوم عاشوراء، فلا أدري أكان ذلك حقداً وانتقاماً من السُّنة أم هي شهوةُ القتل التي ركدتْ وخمدت هنيهةً من الزمن لتعود بشكل هيجاني ممعنةً في قتل المدنيين أطفالاً ونساءً وشيوخاً لا يجد أحدهم ملاذاً آمناً يختبئ فيه، أم هي الاثنان معاً ..شهوة الانتقام وسفك الدم تصادفتا في آنٍ واحدٍ ولدى حلفٍ حجز له التاريخ سجلاً حافلاً بأكبر مجازر القرن.

النصيب الأكبر من الغارات "البربرية" كان على محافظة إدلب بالإضافة إلى الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي وغرب حلب وتلك المناطق مدرجة ضمن ما يعرف باتفاق "تخفيف التصعيد" ، ثم تأتي محافظة دير الزور أخيراً وهي المستبعدة من الاتفاق بذريعة محاربة تنظيم الدولة.

بالنظر إلى خارطة الغارات الجوّية في عموم سوريا إذا ما استبعدنا دير الزور بحجة أن "حلف الشر" يقاتل تنظيم الدولة وهو في الحقيقة إنما يشن حرب إبادة على المدنيين ، فإن ذاك الحلف لم يترك منطقةً ضمن الاتفاق إلا وقام بخرقه بالقصف بمختلف أنواع الأسلحة والغارات والتي وصل عددها إلى أكثر من مئتي غارة وقع أغلبها على إدلب، في يوم كان الأكثر استهدافاً بالمحافظة منذ بدء الثورة السورية، إذ تم ضرب أكثر من 90 نقطة مدنية وطبية وخدمية.

اللافت مع كل حرب الإبادة تلك أن لا أحد من "الأستانيين" خرج ليعلن أن الهدنة مع القتلة المجرمين قد انتهت، وأنه لا يؤخذُ عهدٌ من خائن ولا أمانٌ من قاتل ولا ميثاق من كاذب ، بل رفضت ثلةٌ من كبار الأستانيين الخروج بمداخلة على قناة الجسر مساء أمس كي يعقّب أحد منهم على ما يجري في إدلب عموماً، وعلى ما ذكرته "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" خصوصاً من أن بعض الغارات الجوية الروسية على إدلب وقعت على مقرات عسكرية تم إعطاء إحداثياتها من قبل فصائل عسكرية شاركت في مفاوضات أستانا، وخلفت الغارات قتلى وجرحى في صفوف العسكريين إلى جانب المدنيين.

فلمَ يخجلُ الأستانيون من الخروج الآن بمواقف علنية ويعتذرون للسوريين عن الخطأ الجسيم الذي ارتكبوه، بل عليهم أن يقروا بحماقتهم وسذاجتهم حينما أعلنوا في أحد جلسات أستانا أنهم يرفضون أن تكون إيران ضامناً "أي بمعنى موافقة ضمنية على أن يكون الروس ضامنين للاتفاق"، فأين ضمانة الروس الذين أهانوا الاتفاقية وجعلوها خديعة تمكنوا فيها من التقدم شرق سوريا ليعودوا الآن إلى حملة القصف والتي قد تترافق في وقتٍ لاحق مع محاولة تقدمٍ برية.

من الخطأ تحميل معركة "هيئة تحرير الشام" في حماة مؤخراً جريرة ما يجري الآن في المناطق المحررة ، فـ "حلف الشر" كان سيشن هذا الهجوم البربري عاجلاً أو آجلاً، ولن يدع المناطق المحررة في أمن وأمان بدليل أن الطرف الروسي قال في آخر جلسة لمفاوضات أستانا إن الحرب ستتواصل على "الإرهابيين الذين يحاولون إسقاط الحكومة السورية" ، بل وحتى الغارات الجوية تعدَّتْ مناطق "هيئة تحرير الشام" لتضرب مناطق ومقرات فصائل شاركت بأستانا أبرزهم فصيل "فيلق الشام" الذي قُتِلَ من عناصره نحو 40 بضربة روسية على بلدة " تل مرديخ "، فضلاً عن غارات أخرى قتلت عناصر من الجيش الحر في بلدات أخرى، وذلك يحتِّم على مشاركي أستانا وعلى جميع الفصائل في الشمال والغرب والجنوب تطليق الهدن طلاقاً بائناً لا رجعة فيه ، فإن الدور قادم على كل من يراقب بصمت القبور ما يجري لإخوانه بسوريا من مذابح على وقع الهدن، ويُمنّي نفسه بمواثيق وعهودٍ لم تكن يوماً إلا حبراً على ورق، بل ويُعامَلُ الواثقُ بها أشدَّ ممن لم يوثق ولم يكن شاهداً عليها، وما على الفصائل أن تجعله حلقةً في أذنها أن تتذكر وتعي جيداً أنها لو لم تكن قويةً باجتماعها لما فاوضها "حلف الشر الثلاثي" إذ ليس باستطاعته الهجوم عليها جميعاً في وقت واحد، بل إنه سيستفرد بها واحداً تلو واحدٍ وعلى مهل منه حتى يحوز البلاد بأكملها وهذه هي الغاية الكبرى من كل تلك الهدن.. فهل يعي ذلك الأستانيّون بل وحتى الجنيفيّون ؟