الأربعاء 2018/02/14

في شرق دير الزور.. تنطبق حرفياً مقولة “روسيا تنزف بصمت”!

عوّلت موسكو كثيراً على "إعلان النصر" في سوريا، وتخيل بوتين أنه بمجرد هذا الإعلان سيفرض شروط "المنتصر" ويستحوذ على أموال إعادة الإعمار، التي بقيت خيط نجاة وحيداً يمكن أن ينقذ ما تبقى من "نظام الأسد". هذا بالإضافة إلى ما يحققه الإعلان من دعايات انتخابية في الداخل الروسي.

على كل حال ..واشنطن كان لها رأي آخر، وقالت للروس ما معناه أنكم استعجلتم "إعلان النصر" ..إذ لم ينته كل شيء بعد. فقدَ إعلان بوتين قيمته مع عدم اعتراف الغرب بذلك، والإصرار على أن أموال إعادة الإعمار لا يمكن منحها لنظام الأسد، وفق ما أعلن مسؤولون أميركيون وأوربيون أكثر من مرة.

روسيا وإيران العاجزتان عن إمداد بشار الأسد بسبل الحياة بعد سبع سنوات من الحرب، لم يعد أمامهما سوى الانقلاب على "اتفاق غير معلن" مع الجانب الأميركي في دير الزور.

الاتفاق قضى أن تستحوذ روسيا على ضفة الفرات الغربية، بينما تضع الولايات المتحدة يدها على الضفة الشرقية الغنية بالنفط والغاز، وهنا وجدت موسكو أنها تعرضت للغُبن من هكذا اتفاق.

وجدت روسيا في عملية "غصن الزيتون" بعفرين فرصة سانحة للمقايضة والابتزاز، ففي الوقت الذي سحبت فيه مراقبيها من عفرين إلى منطقة تل رفعت، كانت ترتقب لجوء مليشيات "ب ي د" إليها أمام الحصار الذي فُرض عليها؛ فمناطق الأسد جنوب شرق عفرين بقيت الشريان الوحيد لإمداد "ب ي د".

السيناريو الأرجح أن روسيا قايضت "ب ي د" على تأمين طرق إمداد لهم في عفرين، مقابل استحواذ قوات الأسد على بعض المناطق النفطية على ضفة الفرات الشرقية بدير الزور، ولهذا حسمت موسكو أمرها بالهجوم على مليشيات "قسد"   وانتزاع بعض حقول النفط والغاز ..لكن الولايات المتحدة كان لها رأي آخر.

حشدت روسيا في الهجوم على منطقة خشام شرق دير الزور مئات المقاتلين، لكن لم تترك قيادة الهجوم هذه المرة لإيران والأسد، بل إن من تولى العملية هم مقاتلون مرتزقة من "مجموعة فاغنر" الروسية، الذين تعتمد عليهم موسكو عادة في تنفيذ "المهمات القذرة"، وهنا بدأت القصة.

طالما وردت تقارير حول خسائر "مجموعة فاغنر" في سوريا، وقالت رويترز أكثر من مرة إنها وصلت إلى عوائل القتلى أو أصدقائهم وأخذت منهم بعض المعلومات في ظل تكتم شديد تفرضه موسكو على طبيعة عمل هؤلاء المرتزقة، إذ تشير المعلومات إلى اشتراط السرّية لقبول المقاتلين في فاغنر، لدرجة أن قبورهم يمنع أن يكتب عليها أي شيء يشير إلى أنهم قُتلوا في سوريا.

يوم الخميس الماضي وجّهت القوات الأميركية في دير الزور ضربة موجعة لمرتزقة فاغنر خلال هجوم لهم على حقل غاز كونيكو في منطقة خشام شرق دير الزور، وأعلن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس حينها أن الضربات كانت "محض دفاعية"، فيما قدّر مسؤول عسكري أميركي "مقتل أكثر من مئة عنصر من القوات الموالية للنظام".  وأوضح ماتيس أن القيادة الأميركية اتصلت بنظيرتها الروسية على الأرض تجنباً لأي تصعيد، مؤكداً أن "الروس قالوا لنا إنه ليس لديهم أحد" في ذلك الموقع. وقال ماتيس إنه لا يعرف من هم المهاجمون، مضيفاً "نعرف أنها كانت قوات مؤيدة للنظام. لكن لا أستطيع أن اقول لكم ما إذا كانوا إيرانيين، موالين للأسد، أو من الروس، أو مرتزقة".

أستطيع أن أسمي ما صرح به ماتيس بأسلوب "تجاهل العارف"، فالقوات الأميركية تعرف جيداً العناصر الذين استهدفتهم، لكنها تعوّل على "الصمت الروسي" تجاه "فاغنر".

روسيا نددت بالهجوم واعتبر سفيرها لدى الأمم المتحدة "فاسيلي نيبنزيا" أن الغارات " جريمة غير مقبولة"، مضيفاً أنه قال للأميركيين إن وجودهم في سوريا "غير قانوني" وان "أحدًا لم يدعُهم الى هناك".

نظام الأسد أعلن يومها أن الضربات الأميركية استهدفت "قوات شعبية" كانت تخوض اشتباكات مع تنظيم الدولة. وهو الأمر الذي كرره مسؤولون روس أيضاً ، مع العلم أن المنطقة التي جرى فيها الهجوم وصدّ الهجوم لا وجود فيها قطعاً لعناصر تنظيم الدولة.

روسيا الآن واقعة في ورطة حقيقية أمام مقتل العشرات من مقاتليها المرتزقة في الضربات الأميركية، ( قال تقرير لموقع بلومبيرغ الأميركي إن القتلى وصلوا إلى 200 )، فلا هي تستطيع التصريح بوجود مقاتلين مرتزقة لأن هذا سيجلب عليها تبعات قانونية، ولاهي تستطيع الصمت أمام الضربة الموجعة. وهنا بدا التخبط على الجانب الروسي، الذي نفى بداية أعداد القتلى،  وصرح بعدم وجود أي مواطنين روس في سوريا سوى القوات الروسية النظامية، ثم عاد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف ليقول "لا يمكن استبعاد وجود مدنيين روس في سوريا ولكن ليس لهم صلة بالقوات المسلحة الروسية".

اللافت أن واشنطن وجهت ضربة ثانية يوم الأحد الماضي لهؤلاء المرتزقة، ويمكن أن تتكرر تلك الضربات طالما أن روسيا تسعى للوصول إلى مواقع النفط والغاز عبر مرتزقة فاغنر، ويمكن القول وفقاً لذلك إن روسيا تنزف بصمت شرق دير الزور، دون أن تتمكن من البوح بوجعها.