الأثنين 2018/08/27

روسيا وأمريكا للعالم: ادفعوا ثمن احتلالنا لسوريا

لا يبدو أن سياسة التدمير التي اتبعتها روسيا وحلفاؤها من جهة، وأمريكا وحلفاؤها من جهة أخرى في سوريا كانت تهدف فقط إلى احتلال الأراضي السورية إلى أجل غير مسمى وسرقة خيراتها وقتل أحلام شعبها، بل إن لذلك الحجم المخيف من الدمار الممنهج أسباباً أخرى بدأت تتضح اليوم أكثر وأكثر، فالطرفان الأكثر حضوراً على الأرض في سوريا اتبعا خلال الفترة الأخيرة سياسة جمع الأموال من الحلفاء وغير الحلفاء بهدف ما يسمونَهُ إعادةَ إعمار ما دمرته الحرب، أي إنهما وبعد أن دمرا بأعتى الآلات الحربية وجعلا من سوريا حقلاً للتجارب يريدان من غيرهما دفع تلك الكلفة، والتي بطبيعة الحال لن تذهب كلها إلى تأهيل البنى التحتية بل إن ما سيؤهل لا يساوي واحداً بالمئة من قيمة الأموال المدفوعة التي ستذهب بطيعة الحال إلى تمويل وجودهما.

أمريكا المسيطرة اليوم على مساحة ثلث الأراضي السورية، ورغم أن يدها تقع على المنطقة الأغلى في سوريا غير أنها تنصلت من دفع فلس واحد لتمويل بقاء قواتها أو إعادة تأهيل ما دمرته آلتها الحربية والتي أسفرت عن مقتل الآلاف وتدمير بنىً تحتيةٍ وخاصة في مدينة الرقة، فنجد أنها وبعد مزاعم كثيرة لترامب وصخب إعلامي كبير حول نيته سحب قواته من سوريا تمكن من حَلبِ من يُفترض أنهم حلفاؤه وفي مقدمتهم السعودية والإمارات منتزِعاً منهم ملايين الدولارات لتمويل بقاء تلك القوات، وصرحت السعودية أن الهدف من تلك الأموال هي لإعادة تأهيل مشاريع في مدينة الرقة، ولا يخفى أن الحلف بين السعودية وأمريكا من طرف واحد، يعني أن السعودية تدفع في مقابل لاشيء ولا أي شيء تقدمه واشنطن لها، سوى المزاعم بمواجهة النفوذ الإيراني سواءٌ في سوريا وغيرها، واستطاع ترامب خداعَ السعودية وغيرها بأكذوبة الانسحاب، وتمكن من امتصاص أموالهم رغم أنه عيَّنَ مبعوثاً أمريكياً جديداً لسوريا معروف بمعارضته للانسحاب الأمريكي من العراق، كما صرح مستشاره جون بولتون أن واشنطن ستبقى في سوريا، هذا فضلاً عن أنَّ ترامب معروف بطبعه المادي البحت، فكيف له أن يترك أرضاً غنية بالموارد تدر عليه الملايين؟ بالإضافة إلى أنه ممسك بمنطقة استراتيجية يستخدمها في نزاعاتٍ أخرى، وهذا ما يظهر في استخدامه لورقة المليشيات الكردية ضد تركيا التي ترى فيها تنظيماً إرهابياً.

وإن كانت أمريكا ممسكة بورقة شمال شرق سوريا فإن روسيا ترى نفسها ممسكة بأوراق أكثر وتحاول من خلالها الحصول على الأموال. في صدارة تلك الأوراق ملف اللاجئين السوريين، كم فاوض عليهم لافروف خلال الفترة الأخيرة ؟ ، وكم حاول الإيحاء بأن موسكو تضمن سلامة العائدين إن هي حصلت على الأموال التي تزعم أنها تريد توظيفها في إعادة الإعمار ؟ ، لم تكتف موسكو باحتلال ما يزيد عن 55 بالمئة من الأراضي السورية والوصول الدائم إلى البحر المتوسط، لا بل إنها تريد المزيد لتملاً خزينتها من الأموال مستخدِمةً في ذلك سياسة الابتزاز كحال ندها الأمريكي، غير أن الابتزاز الروسي يختلف عن الأمريكي من حيث نوعه، فهو ليس كواشنطن يدور في فلك الانسحاب وترك الآخرين يدفعون الثمن، بل إنها تهدد بعمليات عسكرية في الأراضي السورية تنتج عنها موجةُ نزوحٍ تؤدي بالطبع لعمليات لجوء نحو تركيا وأوروبا.

يكاد يصح القول إن أكثر دول العالم وحشية ولا إنسانية تكالبت على سوريا اليوم، إذ إنك كيفما قلّبتَ الأوضاع في سوريا تجد أن الجميع حاول ولا يزال استغلال مأساة السوريين سواء من بقي منهم في أرضه أو لم يبق، وفي مقدمة هؤلاء روسيا وأمريكا اللتين اختلفا في كل شيء، سوى في سوريا اتفقتا على شيء واحد، وهو دفن أحلام السوريين وتطلعاتهم بالعيش الكريم وقتل كل صوت ينادي بالحرية، ورغم أنهما قوتان محلتان لسوريا بذرائع متعددة غير أنهما يريدان من دول أخرى تمويل استمرارية ذلك الاحتلال !.