الأثنين 2018/11/19

“حرب العصابات” تشتعل بين الثوار والنظام.. هل تنهي اتفاق إدلب؟

بعد توقف المعارك إلى حد كبير في الجبهات بين المناطق المحررة ومناطق النظام عقب توقيع اتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا في أيلول الماضي، بدأ أسلوب حرب العصابات يظهر بشكل لافت من قبل الثوار والنظام في المنطقة، وسط تساؤلات عن مدى ما يشكلُه ذلك الأسلوب من مخاطر يمكن أن تؤدي إلى تصعيد كبير، يطلق رصاصة الرحمة على اتفاق المنطقة منزوعة السلاح الذي لا تنظر بعض الأطراف الفاعلة وغير الفاعلة في سوريا إليه على أنه دائم.

شكّل الهدوءُ في الجبهات أحد أهم الأسباب في تكرار العمليات الخاطفة والقنص، وكانت الفصائل العسكرية بمختلِف تشكيلاتها تتميز عن مليشيات نظام الأسد والمليشيات الإيرانية بأنها أكثر جرأة على خوض أسلوب حرب العصابات، فعدد العمليات التي خاضتها الفصائل أكبر من عدد العمليات التي قام بها النظام والتي كان أكبرها عملية الالتفاف ضد نقاط مقاتلي "جيش العزة" في الزلاقيات ما تسبب بسقوط 19 قتيلاً من عناصر "العزة".

تتمثل الأسباب التي دفعت الفصائل إلى اتباع هذا الأسلوب بكونها لم تجد طريقة في الرد على الخروقات التي يقوم بها النظام غير ذلك الرد، وهذا الرد بالواقع شكّلَ إرباكاً لدى النظام ودفعه في بعض الأحيان إلى تكثيف القصف ضد المنطقة التي تصدر منها العملية الخاطفة، بهدف منع تكرار حدوث مثل ذلك، ما يعني أنه يريد أن تمرّ عمليات القصف التي يشنّها ضد المدنيين دون رد.

يدعم ذلك الرأي الخبير العسكري والاستراتيجي العقيد "هيثم إدريس" الذي يقول في حديث خاص مع الجسر إن "أسلوب حرب العصابات أفضل طريقة للرد على خروقات النظام، لكنه يدعو إلى التمييز بين أمرين؛ أولهما أنه إذا كانت العمليات مخططة بالتوافق مع كافة القوى المسيطرة على المحرر فهي عمليات ناجحة وستقض مضاجع النظام ويكون لها تبرير إعلامي ودولي كونها دفاعا عن النفس، وثانيهما أن العمليات الخاطفة إذا كانت من قبل فصيل معين لأهداف تخدم النظام فسيكون ذلك مبرِّراً للنظام وداعميه للانقضاض على اتفاق المنطقة منزوعة السلاح والشمال المحرر".

يعتقد الكثير من المحللين أن أسلوب حرب العصابات لا يمكن أن يجر إلى تصعيد كبير بين الفصائل العسكرية ونظام الأسد، ويعود ذلك إلى الضغط الذي يمارسه طرفا الاتفاق (روسيا وتركيا) على النظام والمعارضة، بهدف الاستمرار بالوضع على ما هو عليه بالوقت الحالي، تمهيداً لاتخاذ خطوات أخرى؛ تشكل أرضية للحل السياسي وفق ما ترى تركيا، وتمهد لروسيا رسم الحل وفق ما تقتضيه المرحلة، وما من الممكن أن يشكله استمرار الاتفاق من تحسين لصورتها السيئة التي سببتها سنوات التدخل الثلاث، وذلك في محاولة لكسب ود الغرب من أجل إعادة الإعمار التي تقف عاجزة بشكل تام عن البدء بـ 10 بالمئة منها، ويضاف إلى ذلك سبب آخر وهو التناغم الروسي التركي وعدم رغبة بوتين في تعكير صفو العلاقات مع أردوغان ولا سيما بعد التقارب الكبير بينهما وعزم أنقرة شراء إس 400 رغم اعتراض واشنطن بشدة وتهديدها، فضلا عن مشروع الغاز الروسي الذي سيُنقل عبر البحر الأسود إلى الساحل التركي ومنها إلى أوروبا.

عن ذلك الموضوع يرى العقيد "هيثم إدريس" في حديثه مع الجسر أنه "ليس من مصلحة روسيا في هذا الوقت خسارة تركيا الشريك القوي في الاتفاق، وفي ذات الوقت هي لا تستطيع الضغط على الإيرانيين الذين يتمنّون تخريب الاتفاق وإشعال حرب بالمنطقة لما يواجهونه من ضغوط اقتصادية بسبب العقوبات الأمريكية، وهذا ما نسميه خلط الأوراق والهروب إلى الأمام" ، ويضيف إدريس "أن روسيا تهدد أوروبا بموجات جديدة من اللاجئين إذا لم تدفع أموال إعادة الإعمار ما يعني أن المصلحة الروسية والإيرانية بتخريب الاتفاق هي على توافق ببعض النقاط وتصادم وتضاد في أغلب النقاط"، لكن إدريس يرى في الوقت نفسه "أن الحاسم في موضوع المنطقة العازلة وتخريبها هي الولايات المتحدة الأمريكية التي تمتلك الدور الرئيسي للحل في سوريا، والأكثر حسماً منه هو وحدة قرار فصائل الثورة السورية".

في طبيعة الحال فإن العوامل المهدّئة للتصعيد في الشمال السوري لا يمكن أن تبقى كما هي، ما يعني أن اتفاق المنطقة منزوعة السلاح سيُنقض (أو يُتفقُ على نقضه) في لحظة مفاجئة، خاصة مع حديث تركيا المتكرر عن نيتها إطلاق عملية عسكرية في منبج و شرق الفرات، فذلك قد يدفع أنقرة إلى التخلي عن ورقة إدلب في مقابل الحصول على ورقة تجدها أهم بكثير وهي منطقة شرق الفرات لتؤمّن بذلك حدودها الجنوبية وتنهي بشكل قاطع التهديد بدويلة كردية على حدودها، ما يعني تغيراً في خارطة القوى الكبرى المسيطرة على الأرض.

يرى البعض أن إيران هي من يقف وراء جميع عمليات التحرش التي يقوم بها النظام ضد المنطقة منزوعة السلاح، يدعم ذلك ما ذكره فصيل جيش العزة الذي أكد أن الحرس الثوري هو من يقف وراء الهجوم في الزلاقيات، ولا شك فإن إيران وجدت نفسها خارج اللعبة في اتفاق سوتشي الأخير، ما دفعها إلى إعلان أنها سترسل "قوات محدودة" إلى محيط المنطقة المنزوعة بطلب من نظام الأسد، في خطوة اعتبرها البعض استعراضية والبعض الآخر حذر منها ودعا إلى الاحتراز من تكرار الهجوم الدامي في الزلاقيات.

الخلاصة أن حرب العصابات قد تستمر إلى فترة طويلة طالما بقيت التفاهمات الدولية تمنع الفصائل والنظام من شن عمليات كبيرة، ما يعني أنه يجب على الفصائل استثمار ما يمكن استثماره والمبادرة للعملية الخاطفة بدلاً من انتظارها.