الجمعة 2018/06/08

ثوارنا الأوائل: أولئك النجوم

النجوم في سماء الثورة، والنجوم في طريق الحرية، والنجوم في صحائف العز والشرف وفي سجلات المجد والخلود.

 

لكل زمان أبطاله، والذين خرجوا إلى الشوارع عزلا ثائرين في أيام الثورة الأولى هم أبطال هذا الزمان بلا منازع. أولئك هم النجوم، الذين أوقدوا نار الثورة وحملوا حملها الثقيل في أيامها العصيبة المبكرة، الرجال الذين تظاهروا والذين اعتقلوا والذين عذبوا والذين قتلوا، والنساء اللائي حملن الحمل كاملا غير منقوص، فكن مع الرجال في المظاهرات والاعتصامات يوم كانت الثورة مظاهرات واعتصامات، وما أكثر ما تقدمن الصفوف وكن الفارسات المجليات في الميادين.

* * *

إن الذين ينظرون إلى ثورتنا بعين اليوم يحتاجون لمن يذكرهم بجزء من الحكاية، لعله صار قديما بحيث ينسى حتى كأنه ما كان!

منذ سنوات عاش في الشام طاغية ظن أن الفلك قد توقف عن الدوران وأن عرشه قد سمر فيه بمسمار فلا يحول ولا يزول. وكيف يحول وقد ورثه من أبيه وسيرثه -كما توهم- من بعده الأبناء وأبناء الأبناء، يرثه واحد عن واحد من سلالة القتل والإجرام؟ وكيف يزول وقد أعدوا لحمايته ما لم تعرف دولة في الدنيا مثله ولا نصفه ولا عشره من الأجهزة الأمنية الوحشية القمعية التي تلاحق الناس في اليقظة والمنام؟

هذا كان حال أهل سوريا يومها. ثم أصبح الصباح عليهم ذات يوم فقال بعض شبانهم لبعض: إلى متى السكوت وقد ثار إخواننا في هذا البلد وذاك؟ أنعيش ونموت أذلة مستعبدين كما عاش ومات من قبلنا الآباء والأجداد؟ إن هذا لا يكون!

* * *

في ذلك اليوم البعيد لم يكن أحد من الفصائل المقاتلة قد وجد في الدنيا ولا سمع به الناس. في ذلك الجو الكئيب المشحون بالرهبة والرعب خرج إلى الشوارع ألوف من المتظاهرين الأبطال وقالوا: "توقف أيها الطاغية عن الطغيان، لقد آن لهدم عرشك الأوان". لم يقولوها همسا بين أربعة حيطان، بل هتفوا بها بأعلى الصوت حتى تشققت منها الحناجر فبلغت عنان السماء، وبلغ من قوتها أن أفاق منها شعب أمضى في الرقاد نصف قرن مستسلما للذل والاستعباد والهوان، فهتف الهاتفون مع الهاتفين: نعم، لن نسكت بعد اليوم، نموت ولا نعيش يوما واحدا آخر في الذل والاستعباد والهوان.

كانوا ألفا أو بضعة آلاف، ثم ما زالوا يزدادون حتى صاروا ألف ألف، ثم خمسة آلاف ألف، ثم بلغوا عشرة ملايين. أولئك هم شعب سوريا العظيم الذي استيقظ من رقاد طويل فقام يهز عرش الطغيان، بل قام يهز الدنيا ويذهلها بأعاجيب الصبر والبطولة والرجولة وكرائم المعجزات.

* * *

هؤلاء الملايين بدؤوا بأولئك الأوائل القلائل الذين خرجوا أول مرة. أولئك بدؤوا كل شيء، هم من أوقد نار الثورة، وهم من حمل مشعلها ومشى به المشوار الطويل، وهم من أبقى المشعل وقادا يوم حملوه في قلب الإعصار.

أيها الأبطال العظام، من بقي منكم حيا ومن وفد على الله: لن ننساكم، لن ننسى أنكم كتبتم بتضحياتكم النبيلة العظيمة الكلمات الافتتاحية في كتاب الحرية، وأنكم سطرتم السطور الأولى في سفر المجد التليد.


المصدر : نداء سوريا