الجمعة 2018/05/04

القنصلية السورية في إسطنبول.. بؤرة الإذلال والتشليح

مع صعوبة الإجراءات التي يطلبها الجانب التركي من السوريين في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى خلال سنوات اللجوء السابقة بشأن المعاملات التي يجب تصديقها من القنصلية السورية في إسطنبول تصاعدت معاناة آلاف السوريين ممن يتحتم عليهم الذهاب إلى القنصلية للقيام بالمعاملة المطلوبة، خصوصاً أن الدوائر التركية بدأت في الفترة الأخيرة تطلب "تقريباً" تصديقَ أيِّ وثيقة لسوريٍّ يسعى إلى تحديث بياناته بشأن (الكملك) وهي بطاقة الحماية المؤقتة أو الذي يسعى إلى الحصول على جواز سفر، وتندرج المعاناة كذلك حتى ممن يسعى إلى استخراج وثيقة لا تلزمه في تركيا بل تلزمه لإجراء معاملة ما في سوريا مثل الوكالة العامة أو معاملة الزواج وغيرها من الأوراق الثبوتية.

"محمد" أحد السوريين الذين لجؤوا إلى تركيا قادماً من مدينة دير الزور بعد الحملة التي تعرضت لها خلال سيطرة تنظيم الدولة عليها، يقول في حديث خاص مع قناة الجسر إنه عانى كثيراً خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بعد نيته تصديق شهادته الجامعية بهدف تسجيلها في بيانات "الكملك" الخاص به لدى دائرة الهجرة في إسطنبول التي تشترط لإدراجها في بياناته أن تكون الشهادة مصدقةً من القنصلية السورية، وبدورها القنصلية السورية تشترط أن تكون الشهادة مصدقة من خارجية النظام في دمشق كي تكون مؤهلة للحصول على ختم القنصلية، والمعضلة الأكبر تبرز هنا فالخارجية تشترط أيضاً أن يكون صاحب العلاقة موجوداً أو أحد أقاربه من الدرجة الأولى وهذا ما لم يكن متوفراً لدى محمد.

يروي محمد ما حدث معه بقوله: "عندما ذهبت إلى أمنيات الجانب الآسيوي من إسطنبول لتسجيل الشهادة في بيانات كملكي ، لم أكن أمتلك سوى الشهادة الورقية ورغم أنها مصدقةٌ من الخارجيّة إلا أن الموظف التركي اشترط أن تكون بحوزتي الشهادة الكرتونية والتي لم أكن أمتلكها آنذاك، فشرحت للموظف أن الشهادة في مدينة دير الزور ويصعُبُ عليَّ إحضارُها بسبب الحصار المفروض على المدينة، إلا أنه رفض التماس العذر واشترط أن توجد الشهادة، وهذا ما دفعني إلى اللجوء لسماسرة دفعت لأحدهم مبالغ مالية وأخرجها لي من دير الزور وأوصلها إلى دمشق ثم دفع بها إلى تركيا بعد أن أخذ مني ما يقارب من 200 دولار.

حصل محمد على الشهادة لكن معاناته لم تتوقف.. يقول " ذهبت إلى القنصلية السورية ففوجئت بما يحصل على أبوابها، المنظر على الأبواب يعيد للأذهان تماماً مناظر دوائر النظام الحكومية في سوريا ويكأنك لست في إسطنبول بل بالقرب من إحدى الدوائر الحكومية بسوريا.. طوابير تقف تلتمس النظر بعين الشفقة من الموظف التركي المختص بإدخال السوريين إلى القنصلية، ساعة وساعتان وثلاث وأربع وخمس... وينتهي اليوم ولم تسنح لي الفرصة للحديث حتى مع الموظف التركي الذي يأتي مسرعاً يأخذ عدداً قليلاً ثم يرحل ، وفي اليوم الذي يليه حصل نفس الأمر باستثناء أني رأيت الكثيرين يدخلون بسلاسة تامة بدون أن يقفوا في الطوابير ، كان السماسرة يشتغلون على العلن وليس في السر تراهم منتشرين بين السوريين يحددون لهم سعر حجز دور كل معاملة ، مثلاً جواز السفر المستعجل تكلفة حجز الدور تصل إلى 500 دولار والعادي 300 وموعد تصديق الشهادة 100 دولار وموعد معاملة أخرى بالسعر الفلاني، وإذ هناك أسعار محددة تم تخصيصها لسلبها من السوريين الذين يضطر أغلبهم كما اضطررت أنا إلى أخذ دور عن طريق السماسرة بعد عجزي عن أخذ الدور عن طريق الأنترنت على موقع القنصلية الذي وضعه النظام شكلياً فقط وليس باستطاعة أحد "على الغالب" أخذ بطاقة دور من خلاله بيسر وسهولة.

دخلت إلى القنصلية وإذ بالموظف يفاجئني بقوله انتظر 3 أشهر كي تأتي الموافقة على التصديق، مرت الأشهر الثلاثة وذهبت إلى القنصلية وحصلت معي أمور أعقدُ من تلك حصلت خلال محاولتي الأولى بتصديق الشهادة، لدرجة أن أحد السماسرة طلب مني 50 دولاراً ليمنحني مجردَ عبور لسؤال الموظفين بالقنصلية هل جاء تصديق شهادتي أم لا، مع العلم بأن تصديق الشهادة لا يحتاج 3 أشهر بل ساعات ربما كانت كافية أو يوم على الأكثر للتثبت من صحة المعلومات الخاصة بالشهادة، وظل الأمر هكذا حتى حصلت على تصديق الشهادة بعد مرارة استمرت أكثر من 4 أشهر دفعت فيها ما لا يقل عن 350 دولاراً وعانيت ما عانيت من مشقة بدنية ونفسية لمجرد الحصول على ختم ! .

"خليل" سوري آخر من دمشق دفعت به ظروف الحرب مبكراً في الغوطة إلى أن يعيش في تركيا، يقول إنه طُلب منه في تركيا تصديق جواز سفره من القنصلية رغم أنه كان يسافر به على مرور السنوات الخمس الماضية ولم يكن هناك أي تصديق على الجواز، يروي تفاصيل ما حدث معه بقوله " : بعد أن شاهدت ما يحصل على بوابة القنصلية من استهتار بالسوريين وعدم منح الفرصة لمن يحاول أن يدخل بشكل "نظامي" إلا فيما ندر اضطررت لدفع مبلغ 100 دولار للسماسرة لأخذ موعد تصديق فقط، ثم دخلت وأتممت المعاملة ودفعت كذلك 25 دولاراً.

مردود مالي كبير رغم التعقيدات

في واقع الحال فإن محمد وخليل نموذجان عن آلاف النماذج من السوريين الذين بات لديهم الدخول إلى القنصلية أمراً في غاية الصعوبة بسبب انتقاء النظام ثلة من الموظفين تعتمد بالدرجة الأولى على محاولة إذلال السوريين الذين يحاولون الحصول على معاملاتهم بالطرق التقليدية، وتعتمد بالدرجة الثانية على التشليح، أي محاولة امتصاص أموال السوريين بأي طريقة كانت ، فمن يريد تصديق شهادة عليه أن يدفع ومن يريد أن جواز سفر عليه أن يدفع ومن يريد حتى أن يمضي بمعاملة وفاة عليه أن يدفع ، طبعاً هذا الدفع خارج الإطار الرسمي ، فأي معاملة عليها رسوم لا تؤخذ إلا بـ "الدولار" يعود بالنهاية إلى خزينة نظام الأسد، ورغم ذلك فإن البؤرة المسماة بالقنصلية تتعمد اتباع أساليب الإذلال والامتهان، ولا يهم لدى هؤلاء الموظفين أن يكون السوري قادماً من ولاية تركية مجتازاً مئات الكيلو مترات إما من خلال الطيران أو الباصات وما في ذلك من مشقة بدنية وتكلفة مالية، المهم لديهم هو تحصيل المال بأي طريقة كانت ، فإدخال 300 معاملة فقط يومياً كفيلة بأن تدر على النظام شهرياً مئات آلاف الدولارات، فكيف وعدد السوريين في تركيا أكثر من 3 مليون شخص نحو ربعهم يحتاج إلى القدوم للقنصلية للقيام بأي معاملة تستلزمه مستقبلاً ! .

الموظفون الأتراك شركاء

ومن دون شك فإن الموظفين الأتراك على بوابة القنصليّة يتحملون هم الآخرين جانباً مما يحصل من معاناة للسوريين الراغبين بالتصديق، فجميع السماسرة يتنقّلون تحت مرآهم ويُدخِلون من يشاؤون في أي وقت شاؤوا دون إقامة أي اعتبار لمسافر و امرأة أو كبير في السن اضطرت به الظروف إلى أن يقدم إلى القنصلية للقيام بمعاملة ما، وهذا ما يستدعي من الحكومة التركية كما يقول الكثير من السوريين أن تخفف من الإجراءات المرتبطة بالقنصلية لما لها من تعقيدات متعمدة يتبعها النظام كإجراءات عقابية ضد اللاجئين السوريين في تركيا، ولاسيما أن بعض المعاملات بات مطلوباً لها ورقة "لاحكم عليه" ، فكيف يمكن للسوري استخراج هذه الورقة إذا كان النظام يعتبر نسبة 95 % من اللاجئين السوريين مطلوبين لاسيما الشبان، ثم كيف يمكن أخذ "ورقة تزكية" من قنصلية تضع صورة قاتل السوريين في وسط بنائها يراها يومياً سوريون فقدوا بسببه إما أخاً أو أباً أو أماً أو صديقاً وغير ذلك ، وفي نفس الوقت اعتبرته الحكومة التركية قاتلاً وقالت إنها لا تناصر الظالمين.