الخميس 2017/11/30

القصف يقتل الكريم

منطقة الجزيرة على ضفة الفرات الجنوبية بريف ديرالزور الشرقي، وعلى وجه الخصوص قرى ريف البوكمال، يتصف أهلها كما كل أبناء المحافظة بالكرم والجود، مهما ساءت ظروفهم.

ولعل القصف المتواصل من قوات النظام والاحتلال الروسي وميليشيات الحشد الطائفي العراقي على مدينة البوكمال، وريفها في خط الشامية جنوب نهر الفرات دفع معظم الأهالي للنزوح والهجرة القسرية.

مدينة البوكمال احتوت آلاف النازحين من أهالي مدينة ديرالزور على مدى سنوات الثورة السورية، ولم ير النازحون إليها من سكانها إلا كل خير، كانوا أهلا وسندا ومعينا لإخوتهم في السراء والضراء، ولكن وفي الفترة الأخيرة وبعد القصف الهمجي على المدينة اضطر مدنيو البوكمال ونازحوها للفرار إلى الريف القريب، ليجدوا ثمرة ما زرعوه سابقا مع أهالي دير الزور، وبالفعل لقوا أهلا يحتضنونهم، ويكرمونهم ويقاسمونهم اللقمة التي أصبحت في ظل حصار مناطق سيطرة التنظيم، مغموسة بالدم، ورغم ذلك إلا أنهم وقفوا وقفة رجال لن ينساها لهم تاريخ الثورة السورية، وكما خلَّد التاريخ حاتم الطائي، فأهل محافظة دير الزور كانوا "حواتم" من نوع آخر، فلم يذبحوا خيلهم، لكنهم أطعموا جياعاً في وقت عزَّ به رغيف الخبز، ولم يمننوا ولم يتحدثوا بكرمهم، ومن الواجب أن يوثق أهل الثورة هذه المواقف.

قرية الشعفة.. والتي قتل فيها منذ أيام أكثر من خمسين شهيدا نتيجة القصف البربري لمقاتلات المحتل الروسي على مجمع سكني يحوي عوائل نازحة، فسوَّته بالأرض واختلطت دماء النازحين بدماء أهالي الشعفة، الذين كانوا ( معازيب ) أي "مضيافين" بما لهذه الكلمة من معنى يعرفه أبناء الدير جيدا.

وقف أحد كبار السن من أهالي الشعفة يدعو الله على ضفة الفرات أثناء استقبال النازحين من جهة الشامية، يدعوه أن يستر على الشعفة ويحميها من القصف قائلا ببساطة وطيبة يفهمها، من عاشر الكرام.. ويتمتم بلهجته.. ( يارب .. استر على الشعفة .. بس تا نظل معازيب، وما حدا يقول قصّرنا)

الشعفة قرية صغيرة تعكس صورة كل مدن وقرى محافظة ديرالزور التي فضل فيها الكرماء الموت على أن يبخلوا على ضيوفهم، ولكن القصف أجبرهم على أن يتركوا ديارهم ليجدوا الموت في مخيمات الموت التي تشرف عليها المليشيات الكردية، والاستغلال في الشمال السوري من قبل ضعاف النفوس وليس كل أهل الشمال، ولايزالون في مناطق نزوحهم ينتظرون ساعة يصيح فيها المنادي... حيَّ على الدير .. ليعودوا إلى كرمهم رغم كل الموت والعوز الذي لحق بهم، نتيجة القصف والتهجير.