الثلاثاء 2018/04/24

“الفزعة”.. استراتيجية العرب الدائمة في حروبهم 

لم يغادر منطق الفزعات، العقلية الاستراتيجية العربية التي ظلت تعتمد عليه لعقود من الزمن، في وقت لم يعد ينفع الارتجال فيه بالمطلق، فمراكز الأبحاث والدراسات أضحت تُحصي الأنفاس السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية على مستوى العالم، لكن في واقعنا العربي نجد أن عقلية "حرب البَسوس" والغارات والثارات ما زالت متجذرة، هذه الحروب التي خيضت بعيداً عن كل حسابات المنطق والعقل والربح والخسارة، هي حرب من أجل الحرب فقط.

في بداية الربيع العربي وقفت معظم الدول العربية في الطرف المقابل المضاد الخائف من هذا التيار الجارف.. لم تحاول الدول العربية ممثَّلة بدول الخليج العربي الاستفادة منه وتوظيفه لخدمة الواقع العربي المتردي والمشتت أمام المشاريع الإقليمية المعادية وتلك الدولية. لكن لم يدركوا أن لا فراغ يجب أن يكون في الشرق الأوسط، فإن تخلَّت الدول العربية عن دورها المفترض، فهناك من ينتظر هذه الفرصة وسيحاول ملأه بكل ما أوتي من إمكانات.

إيران المتربّصة بهذه المنطقة، المتطلعة إلى مجدٍ تليدٍ لا بدَّ أن يمر فوق أجساد العرب وأوطانهم، وتركيا التي حاولت أن تؤثر في محيطها وتجد لنفسها مجالاً حيوياً يتيح لها الحركة بعد عقود من حكم العسكر الذي جعلها تابعاً لمشاريع مُعلبة، والاحتلال الإسرائيلي كيان يريد أن يتوسع في كل فرصة تسنح له، مع الاختلاف الجذري والكبير بين هذه المشاريع وأهدافها ومشروعيتها.

أما العرب فلا يملكون سوى ردات فعل وارتجالات لم تنجب لهم إلا الخسائر وهذا ما حصل فعلاً، فإيران التي دعمت بقوة نظام بشار الأسد والتي اعتبرت سقوطه خطاً أحمر، أيقظت لدى العرب رغبة في إسقاط هذا النظام ليس كرهاً فيه ولكن لمواجهة إيران في سوريا، والتي تعتبر إحدى أهم خطوط الصراع الجيو استراتيجي في المنطقة، لكن للأسف الاستراتيجية التي اتبعتها الدول العربية في مواجهة إيران في سوريا هي الفزعة، القائمة أصلاً على عواطف جيَّاشة لا حسابات، والتي يمكن أن تفتر بعد فترة صغيرة وهذا ما حصل ، ناهيك عن تصارع واختلاف رؤى الجهات الداعمة أصلاً، فما تريده السعودية مختلف تماماً عما تريده الإمارات وكذلك قطر، وربما يصل أحياناً إلى مستوى التنافر والتضاد كما حصل في سوريا ولاحقاً في اليمن، هذا التكتيك كان مختلفاً تماماً عن الأسلوب الإيراني لإدارة المواجهة التي كانت تعتمد على أسس عقلية منطقية مصلحية يتم إذكاؤها بالعاطفة لكن ليست العاطفة هي الموجه الرئيس لها.

بعد فترة من الزمن جف نبع العاطفة العربية لمواجهة المشروع الإيراني في سوريا ودول أخرى وهذا أمر طبيعي، وتباينت المشاريع إلى أكبر حد بين الدول الداعمة فمن قال إن الأسد سيرحل إما سياسياً أو عسكرياً أصبح لا يجد حرجاً بالقول إن الأسد باق وكأن لسان حاله يقول فشلنا في مواجهته.

وفي معرض حديثنا هذا لابدَّ أن نذكر استراتيجية هذه الدول بدعم الفصائل العسكرية لمواجهة نظام الأسد والمليشيات الإيرانية كمثال واضح على عقلية القبيلة التي أدير بها الصراع، والتي تختلف بالآليات والمآلات عن دعم إيران لأذرعها العسكرية في سوريا "المحلية والعابرة للحدود".

فإيران وجهت جميع المليشيات التابعة لها على اختلاف جنسياتها ومشاربها باتجاه واحد وعجزت عن ذلك دول الخليج العربي التي حاولت إيجاد نوع من التنافر بين الفصائل التي من المفترض أنها تملك مشروعاً واحداً وهو إسقاط النظام، وفي اللحظة التي شاهدنا بها التململ الخليجي عن دعم الفصائل العسكرية الثورية لعدة أسباب منها الواقعي ومنها اللاواقعي، وجدنا أن إيران لم تفتُر همتها في دعم مليشيا حزب الله في لبنان الأمر الذي يجسد النفَس الطويل للسياسة الإيرانية، فالأخيرة استمرت في دعم هذه في السراء والضراء منذ مطلع ثمانيات القرن الماضي حتى يومنا هذا عسكرياً وسياسياً ومالياً، ولم تتخلَّ عنها على الرغم من الضغط الكبير الذي طالها بهذا الشأن، ناهيك عن دعمها للعديد من المليشيات المحسوبة عليها في الرقعة العربية وخاصة في العراق ومؤخراً في اليمن.