السبت 2018/02/24

الغوطة ودرس حلب.. لماذا لا نتدارك الخطأ إلا بعد الوقوع فيه ؟

ما يحصل في الغوطة الشرقية اليوم من حملة إبادة وتطهير عرقي تنقلها شاشات التلفزة في كل ساعة وتعجز الكلمات عن وصفها ولا تحركُ شعرةً في ضمير البشرية كان قد حصل في مناطق سورية عديدة أبرزها مدينتا حمص وحلب، حيث يعلم الجميع ما تعرضت له هاتان المدينتان من حملة قصف وإبادة، ومن يُقلّبُ المواقفَ الدولية آنذاك يجبُ ألا يعوّلَ اليوم على أي تحرك عربي دولي ينقذ الغوطة الشرقية، بل على العكس فإن المواقف الدولية كانت في مأساة حمص وحلب في صف النظام وتقف نفس الوقفة المخزية اليوم في مأساة الغوطة الشرقية، أي بمعنى أن هناك رغبة دولية جادة لجعل النظام يستفرد بالمناطق المحررة المحاصرة ليفرض عليها خيار التهجير بعد أن يكون قد فشل بالاقتحام.

إذا ما عُدتَ بالذاكرة قليلاً إلى الوراء قبل نحو عام وعدة أشهر أيْ إلى سيناريو مذبحة حلب تجد تفاصيل ما حدث فيها يحدث اليوم بحذافيره في غوطة دمشق الشرقية وكأن هناك فقط تبديل بين الأسماء، سواء ميدانياً أو من حيث الموقف العربي والدولي والأممي، فعلى الصعيد الميداني يشن بوتين والأسد ومليشيات روحاني هجمات جوية وبرية هي الأعنف على الغوطة منذ سنوات شبيهة بهجمات حلب، وما يميز الغوطة عن حلب أن رقعتها الجغرافية أكبر اتساعاً من رقعة حلب آنذاك ، ومع ذلك فإن المليشيات الأسدية الروسية الإيرانية جعلت المكانين واحداً حيث كثفت حملة قصف الغوطة بآلاف الغارات الجوية وآلاف القذائف وقتلت في 4 أيام ما لا يقل عن 400 مدني وأصابت الآلاف في مشهد حوَّلَ الغوطة إلى أشبه بمشرحة بشريّة وجعل الأهالي يلجؤون إلى دفن ذويهم في مقابر جماعية وهذا بالضبط ما حصل في مدينة حلب.

الموقف الدولي كان داعياً إلى تهدئة، لكن ما هي نوع التهدئة التي يريدها ولأي غاية وسبيل، يا ليتها كانت لإيقاف القصف أسبوعاً واحداً لمداواة الجرحى أو إدخال مساعدات للجوعى المحاصرين، بل إن مطلب ترحيل المدنيين جاء من لسان أحد قادة الدول الكبرى وهي فرنسا التي كان لها موقف مماثل في مأساة حلب، إضافة إلى دي ميستورا الذي كان تحذيره من احتمال تكرار ما حصل في حلب بالغوطة رغبة منه بدفع الغوطة إلى هذا السيناريو في ظل تواطؤ غير معلن مع النظام الذي ترغب القوى الكبرى بتسليمه الغوطة كما سلمته من قبل حلب وإن كانت قد أظهرت في الإعلام خلاف ذلك.

تكثر المناشدات الدولية وتبقى كلاماً فارغاً تماماً كما حصل في حلب، حيث لم تبق منظمة أو دولة إلا وحذرت من الإبادة هناك، وانعقد مجلس الأمن مرات وكما جرت العادة كانت روسيا تعرقل مساعي الهدنة إلا وفق شروطها حيثُ تريد استثناء هيئة تحرير الشام لتشرعن عمليات استئصال البشرية، وها هو الحدث يتكرر اليوم حيث فشل المجلس لـ 3 مرات متتالية بعقد جلسة بسبب إصرار روسيا على إدخال تعديلات تُفرّغ مشروع قرار الهدنة من مضمونه.

مَنْ أوصلنا إلى هذا السيناريو وكيف وصلنا إليه؟ ! .. لا أعتقد أن أحداً لم يعد يعرف الإجابة على هذا السؤال، لكن لماذا نبحث الآن عن الحلول بعد أن نكون قد غرقنا في الأخطاء التي أوصلتنا إليه وستوصلنا إلى ما هو أشر منه، قبل أن تُسلمَ مدينةُ حلب للنظام كان الموقف الشعبي في المناطق المحررة داعياً إلى فتح جبهات تخفف عن أهالي المدينة المحاصرين، فكان موقف معظم الفصائل وبالذات فصائل الجنوب بعيداً كل البعد عن شارع الثورة والثوار ولم يطلق رصاصة تجاه النظام نصرةً لحلب، وها هو الموقف يعيد نفسه مرة أخرى اليوم في كارثة الغوطة ، ففصائل الجنوب أطلقت بضعة صواريخ لا لنصرة الغوطة بل لتقول إنها شاركت بحملات القصف نصرة لها، ومن المعلوم أن من يريد أن ينصر الغوطة وهو قادر لا ينصرها بهذه الطريقة خصوصاً وأن الجنوب يعج بآلاف المقاتلين !

ومن أسباب سقوط حلب أيضاً الاقتتال الداخلي الذي حصل أثناء حملة النظام على المدينة، وها هو الاقتتال والتناحر يعيد نفسه لكن ليس في الغوطة إنما في الشمال السوري الذي كان الأهالي ينتظرون إطلاق معركة فيه لنصرة الغوطة ففوجئوا بإطلاق معركة ضد بعضهم البعض استُخدمت فيها أسلحة لو أطلقت في معركة ضد النظام لحررت عددا من القرى ولجعلته وروسيا يعيدان حساباتهما ويخففان عن الحملة في الغوطة، هذا فضلاً عن الخلافات وعدم التنسيق بين الفصائل العسكرية في الغوطة لصد هجمات النظام تماماً كما حصل قبيل سيطرة النظام على حلب.

وأمام مجريات حلب التي تعيد نفسها اليوم في الغوطة فإن خلاصة الحديث تكمن في أنه إن استمرينا بانتظار قرار دولي يلجم النظام وروسيا فإن الغوطة ستسلم للنظام أو أنه سيستمر بحملات الإبادة الجماعية دون أي رادع أو حسيب ، وإن أعادت الفصائل ترتيب نفسها وأطلقت معارك تشغل النظام فسيلجأ النظام بنفسه ويطالب بهدنة كما كان يحصل إبان كل تقدم كبير تحققه الفصائل في معارك التحرير الماضية بسوريا، إذْ دفعت كمائن فيلق الرحمن بالغوطة روسيا إلى المفاوضات كي تدخله ضمن اتفاقية خفض التصعيد قبل شهور، وفي حال استمرار الرضوخ وعدم نجدة الغوطة فعلياً لا عملياً فإن الثورة السورية ستفقد أحد أبرز قلاعها ، فسقوط الغوطة يعني عملياً سقوط جنوب دمشق والقلمون الشرقي بكل سهولة، وبالتالي سيتوجه النظام إلى مناطق الجنوب التي راقبت سقوط مناطق دمشق ابتداءً من داريا والمعظمية وخان الشيح والتل ووادي بردى وغيرها واحدة تلو الأخرى وكأن الأمر لا يعينها، وما فصائل الشمال عن ذلك ببعيد.