الأربعاء 2018/05/09

العرب والاتفاق النووي الإيراني.. لا في العير ولا في النفير !

بغض النظر عن نتائج إلغاء الاتفاق النووي مع إيران من قبل إدارة ترامب، وكذلك بغض النظر عن جدية الولايات المتحدة في منع إيران من اكتساب أدوات القوة المتمثلة بالسلاح النووي.. فإن قرار الرئيس الأميركي أثار حول العالم موجة من تباين الآراء والمواقف إزاء خطوة رأى البعض أنها ستسرّع سباق التسلح النووي حول العالم، بينما رأى آخرون أنها ضرورية لكبح طموح إيران في المنطقة والعالم.

ترامب رأى أن الاتفاق النووي مع إيران كارثي، ووصفه بالأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة، بل عدَّه نقطة سوداء في تاريخ سلفه باراك أوباما، أما أوروبا وخلفها روسيا فأعلنتا أن موقف ترامب لا يعنيهما بشيء، وأكّدتا تمسكهما بالاتفاق مع طهران انطلاقاً من مصالح اقتصادية متبادلة، وتعاملات تجارية حكَم بها قانون رفع العقوبات عن إيران بموجب اتفاق لوزان 2015.

أما إيران فأعلنت بوضوح في أكثر من مناسبة، أن الاتفاق النووي إذا لم يجلب لها مصالح اقتصادية، ولم يساهم في رفع العقوبات عنها بشكل كامل، فإنها ستنسحب منه، وها هي اليوم تصف خطاب ترامب بالسطحي والسخيف وتقول إن أوروبا هي الخاسر الأكبر من إلغاء الاتفاق، وتتوعد بالعودة إلى تخصيب اليورانيوم بمستويات أعلى من ذي قبل.

وأما إسرائيل فإنها كانت من أشد المرحِّبين بقرار ترامب، لأنها تعتبر هذا الملف جزءاً من أمنها الذي لا تساوم فيه قيد شعرة، بل إنها زادت بالوعيد بأنها لن تسمح لإيران بالمكوث في موطئ قدم بسوريا.

المواقف السياسية إزاء الاتفاق النووي مع إيران جميعها تمثل المصالح بلا شك، ففي عالم اليوم الذي يشبه إلى حد كبير عالم الغاب، يبحث الأقوياء دائماً عن مكاسب جديدة تزيدهم قوة ومنَعة، بينما يلوذ الضعفاء بتكرار المواقف واجترار الآراء ليس انطلاقاً من مكاسب أو مصالح، إنما بحسب الجهة التي يتبعون إليها..وهكذا كان حال العرب إزاء الحدث.

بغداد ودمشق مثلاً، نددتا بإلغاء الاتفاق، ليس لأنهما طرف فيه أو أحد المتأثرين ببنوده بل لتبعية حكامهما المباشرة بإيران.. بينما رحبت السعودية وحلفاؤها بإلغاء الاتفاق فقط لأنهم محسوبون على معسكر ترامب.

واقع الأمر أن إلغاء الاتفاق النووي أو بقاءه حدث لا يعني الدول العربية في شيء، أمام فشل على جميع المستويات تعيشه تلك الدول، وأمام اضمحلال الموقف العربي إزاء قضايا داخل حدود دولهم..وإن من أشد العجب أن يطالب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بتعديل الاتفاق النووي مع إيران، رغم أن هذه المؤسسة المهترئة عجزت منذ نشأتها عن أن تصنع لها وزناً أمام الشعب العربي على الأقل، فما بالك أمام المواقف الدولية؟

جامعة الدول العربية مجتمعةً عجزت حتى الآن عن إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، ولم تُفلح في إيقاف شلال الدم بسوريا، وبدت مشلولة أمام العدو الجديد.. إيران، التي تحتل جزراً عربية من الإمارات، وتضع يدها اليوم على أربع عواصم عربية لها ثقلها في التاريخ وفي المستقبل، لكن هذه الجامعة "الفاشلة" لا تجد حرجاً من أن تصدر رأيها في الاتفاق النووي مع إيران على نحوٍ مُخزٍ!

الحقيقة المُرّة التي يجب أن يواجه بها العرب أنفسهم أنهم اليوم بلا وزن ولا طعم ولا لون ولا رائحة.. فالعالم أجمع يبحث عن مصالحه وعلى أساسها يقيم التحالفات والتوازنات ويشن الحروب، بينما تنشغل الجيوش العربية في هذه المرحلة بتطبيق مناظر الإعدام المروِّعة، وتلك الوظيفة المقدّسة التي كُلّفوا بها من قِبَل وكلائهم.. "محاربة الإرهاب".. نعم .. سيصل العالم إلى مجرّات الكون الواسع ويمتلكون أقوى أدوات التكنولوجيا، وربما تفنى الأرض بحرب نووية واسعة، بينما لا يزال العرب منشغلين بالقمع وإعدام الأطفال..والفشل..والتبعية.. والخواء الفكري والسياسي والاقتصادي.