الأثنين 2018/02/26

الجسر ترد على “انتقادات” حول “مشهد تمثيلي” يسخر من اقتتال الفصائل  (فيديو)

رسالة الإعلام في أصلها تقوم على كشف العيوب في المجتمع وحماية مصالح الناس عبر تسليط الضوء في أماكن الخلل والزلل، ومن هنا أخذت الصحافة اسم "السلطة الرابعة" أو "صاحبة الجلالة".

وإذا كانت هذه مهمة الإعلام عموماً، فقد اقتضى الأمر أن تأخذ الرسالة أبعاداً أجلَّ وأسمى في المأساة السورية المتواصلة منذ عام 2011. حيث صنع الإعلام السوري الذي لم يخضع لسلطة النظام مفاهيم جديدة يمكن أن تشكّل مدرسة في ما يسمى "إعلام الأزمات" أو "الإعلام الحربي"، ولا يتسع المجال هنا لسرد تفاصيل ذلك، هرباً من الحشو والتطويل.

لم تخرج قناة الجسر منذ ظهورها على الفضاء الواسع في العام 2015، عن الخط الذي يؤمن به غالبية السوريين الذين يدفعون يومياً ثمن حقوق رآها "العالم الحرُّ" خروجاً عن العُرف وتغريداً خارج السِّرْب. واكبت القناة أحداث الثورة بانتصاراتها وهزائمها، وكانت ولا تزال صوتاً حُراً يبوح بما يعجز المضطهدون في سوريا عن روايته، ويدافع بما استطاع عن حق السوريين في العيش الكريم بدولة حرة مدَنية.

وفي هذا الإطار، تتابع القناة بكل أسًى وحزن أحداث القتال الداخلي بين الفصائل الثورية، أو المحسوبة على الثورة، أو المعارضة للنظام، سمِّها ما شئت، وأبدت الجسر في هذا المضمار خطّاً مِهنياً ملتزماً لا يستطيع أحد الضرب به أو انتقاده مهما حاول لذلك سبيلاً، نقلت أخبار الاقتتال بحياد وموضوعية، ولم تصطفَّ قطُّ مع طرفٍ دون طرف، ولم تكن ميَّالة إلا لجهة واحدة .. المدنيين الذي وقعوا بين فكَّين شرسَين، حرب الإبادة الروسية الأسدية الإيرانية، وحرب الاقتتال الداخلي بين فصائل يُفترض أن يكون همُّها وهدفُها حماية المدنيين والقيامَ بمصالحهم والذودَ عن حياتهم.

عبر مقالاتها وبرامجها ومواقع التواصل لديها، سعت قناة الجسر إلى أن تكون عامل ضغط أخلاقي على جميع الفصائل المتنازعة، وحاولت أيضاً أن تعبِّر عن آراء المدنيين الذين تضع القناة آراءهم هدفاً أول لها.

ما يلفت النظر هنا أنه في الوقت الذي يشن فيه الأسد وحلفاؤه الطائفيون حرب إبادة وتهجير على من تبقى من صامدي غوطة دمشق الشرقية، تدور رحى حرب أخرى في الشمال السوري المحرر، لا علاقة فيها للنظام أو روسيا أو إيران، بل إن أطرافها فصائل شحذت سيوفها على رقابٍ بعضها، ووجهت نيرانها إلى الجهة الخطأ. في الوقت الذي تدور فيه بالغوطة ملاحم شرف تسطّر تاريخاً مصيرياً في الثورة السورية، ينقل العالم أخبار الاقتتال الدامي بين كل من "هيئة تحرير الشام"، و"جبهة تحرير سوريا".

لا تُدخل قناة الجسر نفسها في ذرائع الطرفين وحججهما وأهدافهما من ذلك الاقتتال – الذي لا يخدم في الحقيقة سوى بشار الأسد – بل إن ما وقفت عنده الجسر هو القتلى والجرحى المدنيون الذي يسقطون يومياً بنيران الطرفين الصالية، والإشارة إلى أن هذا الاقتتال يدق إسفيناً خطيراً في نعش الثورة السورية.

بثّت قناة الجسر عبر مواقعها مقطعاً تسجيلياً يعرض مأساة الاقتتال الداخلي في حلب وإدلب بطريقة ساخرة، وكانت الرسالة أكثر من واضحة: قتالكم سيُفنيكم ليرقص الأسد على بقاياكم. وهنا تلقّت قناة الجسر انتقادات وردتها عبر رسائل إلكترونية، مفادها أن المقطع المذكور يسيء إلى "شعائر الدين"!

وفي الوقت الذي تجد فيه قناة الجسر لزاماً عليها أن تدافع عن وجهة نظرها ينبغي إيضاح عدة نقاط في غاية الأهمية:

1- لم تكن الجسر يوماً منبر إساءة لـ"شعائر الدّين" أياً كانت، لكن المشهد التمثيلي الذي بثّته قام بتصوير أطراف الصراع الداخلي كما يظهرون عادة، ولم يكن منتجو المشهد بالتأكيد قادرين على تصوير أطراف النزاع الداخلي بشكل آخر، وإلا لذهب مضمون الرسالة وهدفها.

2- "الغاضبون من المشهد التمثيلي"  تجاوزوا الرسائل المهمة فيه، إلى انتقادات واهية يترجمها أصحابها بـ"الإساءة لشعائر الدين" ليست إلا هرباً من مواجهة الحقيقة، وفراراً من الإدانة اللاصقة بطرفي الصراع، وتمييعاً وتزييفاً للحقيقة عبر تحويل الأمر من مأساة ونكبة يعيشها الشمال المحرر، إلى مهاترات وانتقادات وتوجيه ملاحظات لا تغير من الحقيقية شيئاً.

3- كنا نتمنى من الأطراف التي انتقدت المشهد التمثيلي أن تردَّ على مشاهد أخرى من واقع الاقتتال الداخلي، مشاهد يدمى لها القلب من حزن ومن كمَد، أحدهما يظهر فيه أب وأمّ يرثيان طفلهما المضرّج بدمائه إثر مقتله بمعارك "تحرير سوريا والشام"، والآخر يظهر فيه شخص ألقيت أمامه أشلاء متفحمة لأم وأطفالها سقطت قذيفة على منزلهم لوقوعه في "خط  اشتباك" بين طرفي "التحرير"!. كنا نتمنى لو ردَّ المنتقدون على هذه المقاطع الصادمة وقدموا للناس مبررات ما يفعلون في هذه المرحلة المصيرية التي تُوضع فيها تضحيات السوريين على مِحَك حَرِج مضرَّج بدماء الأبرياء.

4- نعجب كل العجب ممن يدافع عن "شعائر الدين"، وينتفض لإساءة مفترضة عليها، أن يغضب لمشهد تمثيلي رسالته جلية واضحة، في الوقت الذي يسكت فيه عن قتل مدنيين أبرياء أو ربما يشارك في ذلك. ربما نسي ذاك "الغاضب لشعائر الدين" أن دماء الأبرياء أحقّ أن يغضب لها، بل أحق أن يصونَها ويذود عنها، إلا إذا اعتبر ذلك المنتقد أن لحوم السوريين ودماءهم باتت بضاعة زهيدة الثمن تنتظر من يشتري ومن يبيع.

نعم.. دماء الناس أولى بالغضب والانتقاد، وإذا كان "المنتقد" يقتدي بتعاليم الإسلام الغرّاء، فرسول الإسلام – عليه الصلاة والسلام – قدَّم حرمة الدم على كل الحرمات والشعائر مهما عظُمت.

في النهاية تؤكد قناة الجسر أنها لن تحيد عن رسالتها، ولن تترك ما أخذته على عاتقها من نقل الخبر بأمانة وموضوعية، وأنها لم ولن تتجاوز ما رسمته لنفسها، وأنها تتقبل كذلك كل آراء الانتقاد والملاحظات البنّاءة، شرط أن تكون موضوعية نافعة.

فيديو المشهد التمثيلي :