الثلاثاء 2017/10/31

الثورة بين الفكرة والواقع

لأن الثورة فكرة .. فمحال أن تموت، وجميع المحاولات التي تريد وَأدها لن تنجح طالما بقي ثائر يحملها في ضميره يدندن بها عزفاً أو يخطها شعراً أو يطلقها رصاصاً في صدر الظالم، لن تموت الثورة وهناك من يؤمن بها ويرسم بها مستقبلاً لطالما حلم به ويستذكر بها ماضياً لطالما أراد التخلص منه، لستُ حالماً ولا خارجاً عن سياق الواقع لكني أريد أن نسبر التاريخ بعمق ونفتح عيوننا لأحداثه المتكررة ولحركة التدافع الكوني الذي يعتبر سُنة لا مَحيد عنها.

أكثر ما لفت انتباهي هو اليأس المتسلل إلى قلوب شباب الثورة الذين امتلكوا في يوم من الأيام همة كانوا يستطيعون من خلالها خلع الجبال، وأهم ما دفع بهذا اليأس الثوري قدماً نحو الأمام برأيي أمران مهمان:

الأول: هي الحال التي وصلت إليه البلدان التي قامت فيها ثورات الربيع العربي عقب حملة الثورات المضادة، ومنهم من يصف الوضع فيها بأنه أصبح أسوأ مما كان عليه قبل الثورة.

والثاني: هو الممارسات التي ارتبطت بالثورة والتي لا تمتُّ لها بصلة وخاصة في البلدان التي انتقل الحَراك الثوري فيها إلى مقاومة عسكرية بسبب إصرار الأنظمة على قتل كل معارض وثائر رافضةً أيَّ حركة باتجاه التغيير؛ لأنها تعلم تماماً أن الخطوة الأولى باتجاه الإصلاح السياسي في البلاد ستكون هي الأخيرة في عمرها لأنها أنظمة منتهية الصلاحية وهَشّة.

أما الأمر الأول فهو للأسف صحيح فالأنظمة التي خرجت الثورات ضدها وبدعم لا محدود من أنظمة أخرى كانت تخشى أن ينتقل المد الثوري إلى عُقرها وبدعم آخر من حلفاءَ دوليين وإقليمين نظراً لتقاطع المصالح تارة ولعداء تقليدي مع أي تحرك يسهم بتحرير الشعوب قد يُخرج مارداً من قمقمه ويصنع نهضة لا يرضى بها المتحكمون بمقاليد العالم تارة أخرى، كما إن الاستغلال من قِبل الكثير من الأطراف (المحليين والخارجيين)  لحالة الفوضى والفراغ الذي خلفته الثورة  جعلنا أمام واقع تملؤه الفوضى وانتقلت ساحات الحرية إلى ساحات صراع بين الدول المتنفذة في كل دولة على حدة،  وتحوَّل الحلم الثوري الجامع لمكونات الثورة إلى كابوس يبدد الهدوء المشتهى، حتى أصبحنا نسمع الكثير ممين يترحم على أيام الدكتاتوريات؛ لكني وللأمانة لم أسمعها من فم شخص راسخ بالثورة.

حالة اليأس التي أحاطت بكثير من الثوار جراء هذا الواقع المأساوي هذه أُقابلها بسؤال مهم، هل اعتقدتم أن تخرجوا على أنظمة بهذا الحجم من الإجرام ولا يكون هناك ردة فعل من هذه الأنظمة التي بقيت طيلة فترة حكمها تحضِّر لهذا اليوم وتُعد العدة لهذه اللحظة وتسخِّر كل الإمكانات لقمع ووأد أي تحرك من هذا النوع؟ فمن ظن أنَّ الثورة نزهة فهو مخطئ ومن اعتقد أن ردة الفعل ستكون أقل إجراماً فهو ليس خبيراً بهذه الأنظمة وبنفاق المجتمع الدولي الذي يدعمها.

والأمر الثاني: هو الممارسات التي ارتبطت بالثورة وصدرت عن بعض الثوار وهي لا تليق بها وهنا لابدَّ من فهم أمرين الأول هو أن الثورة حدث اجتماعي يخضع لقوانين المجتمعات بكل ما يعتريها من أخطاء وسوء والتي عملت الأنظمة دائبة على ترسيخها وتضخيمها، والثاني هو الطبيعة البشرية للثوار أنفسهم وأنهم أيضاً معرضون للأخطاء فالثوار ليسوا ملائكةً معصومين.

يتوجّب علينا أن ندرك نقطة بغاية الأهمية وهي عدم ربط الممارسات الخاطئة بالثورة كفكرة مجردة ... يقول بعضهم كيف لنا أن نفصل بين الثورة وممارسات الثوار، وأين الضير في ذلك؟ فالثورة فكرة ونحن خرجنا من أجل فكرة ومبدأ ولم نخرج من أجل أشخاص فلا نقدس أشخاصاً ولا تصرفات جانبت الصواب وكانت عبئاً ووبالاً على الثورة، ويجب علينا أن نبقى صادحين بالحق و إلا نسكت عن خطأ وعوار نراه بحجة مداراة الثورة والثوار. فالثورة كالدين وكأي شيء مقدس.. بيضاء و لو شوّه صورتها مُدَّعوها، والثورة صافية و إن عكرها المحسوبون عليها.