الجمعة 2018/07/06

“الأسد الضعيف”.. خيار إسرائيل المفضل

بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا بأقلّ من شهرين، وبالتحديد في 12-5-2011، أعطى ابن خال بشار الأسد "رامي مخلوف" كلمة السرّ الأولى والأخيرة في ميزان صراع بدأ كثورة، وتحول إلى حرب إقليمية عالمية على التراب السوري.

في مقابلة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" أكد "مخلوف" أن نظام الأسد "لن يستسلم بسهولة" و"سيقاتل حتى النهاية". وشدد على أنه "لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا"، وحذَّر من "أن السلفيين هم البديل عن النظام الحالي".

عندما انتفض السوريون على نظام بشار الأسد كانت آخر جولة من "محادثات السلام" بين دمشق وتل أبيب بوساطة تركية قد توقّفت آخر العام 2008، لكن هذا لا يعني أن حالة غير معلنة من "السلام الفعلي" كانت تضبط إيقاع العلاقة بين الطرفين، حيث حافظت حدودهما على هدوء تام منذ نهاية حرب 1973، وهنا يجب أن نتذكر جيداً اليوم التالي لوفاة "حافظ الأسد"، حيث كان ابنه بشار جاهزاً لاستلام مقاليد الحكم، حينها خرج مسؤولون إسرائيليون على الشاشات يريدون شيئاً واحداً.. استمرار الوضع القائم.

وبالفعل، فقد استمر الوضع القائم على ما هو عليه، وحافظت العلاقة بين دمشق وتل أبيب على شكلها أيام حافظ الأسد، حرب في الإعلام والتصريحات، وسلام في الواقع وعلى الحدود.

حين أدلى "رامي مخلوف" بتصريحاته، كانت الثورة السورية في مرحلة التظاهر السلمي، ولم يكن الثوار قد حملوا سلاحاً بعد، لكن "مخلوف" أراد إيصال رسالتين مهمتين مبكّراً، استبق فيهما المراحل اللاحقة:

تقول الرسالة الأولى "التهديدية" : إن "السلام غير المعلن" مع إسرائيل مهدد في حال تعرض نظام الأسد لأي خطر عسكري، وهذا يعني إمكانية شن هجمات عبر الحدود تزعج هدوء إسرائيل وأمنها المستتب.

أما الرسالة الثانية -وهي الأهم- فأراد النظام منها أن يقول لإسرائيل: نحن الخيار الأفضل على حدودكم.

مع مرور أكثر من سبع سنوات على الحرب السورية يبدو أن إسرائيل كانت قد حسمت أمرها باتجاه واحد.. الاستجابة لرسالة "رامي مخلوف"، فجميع الأحداث التي دارت منذ عام 2011 تشير إلى أن أحداً لا يريد للأسد أن يسقط، ويتأكد الرأي القائل إن التدخل الروسي المباشر في قمع الثورة ما جاء إلا بعد ضوء أخضر غير معلن أُعطي لموسكو للقضاء على ما يهدد بشار الأسد بالزوال. لكن العلامة الأهم لموقف إسرائيل من نظام الأسد اتضح بشكل لا لبس فيه عند بدء الهجوم على محافظة درعا جنوب سوريا، بعد اتفاق لوقف إطلاق النار أبرم عام 2017 برعاية روسية أميركية في الأردن.

حمل هذا الاتفاق حساسية وخصوصية عن باقي إعلانات وقف النار التي ضربت بها روسيا وحليفها الأسد عرض الحائط، وذلك لقرب المنطقة الجنوبية من حدود وقف النار بين سوريا وإسرائيل، وظُنّ أن المنطقة ستنجو من أي تصعيد لرفض إسرائيل وجود المليشيات الإيرانية بالقرب من حدودها.

بشكل مفاجئ أعلنت الولايات المتحدة تنصلها من اتفاق وقف النار، وقالت للفصائل العسكرية التي تدعمها هناك إنها غير ملزَمة بحماية التهدئة، وأن عليهم تدبّرَ أمورهم واختيارَ ما يريدون. ما اعتُبر إذناً صريحاً لروسيا والأسد بمباشرة هجومهما على القرى والمدن المحررة في محافظة درعا. وعلى إثر ذلك خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي ليطالب بإعادة تطبيق اتفاقية "وقف الاشتباك" الموقّعة في 31 أيار مايو 1974 بين دمشق وتل أبيب في جنيف، وترافق ذلك مع تصريحات إسرائيلية برفض وجود أي طرف سوى نظام الأسد على حدود وقف النار، ما يعني أن إسرائيل ترفض وجود المليشيات الإيرانية هناك، ويعني كذلك أنها تفضّل إنهاء وجود الفصائل المعارضة بتلك المنطقة.

"عدوّ تعرفه خير من عدو تجهله".. لعل حُكّام تل أبيب وحلفاءهم أدركوا بُعد هذه القاعدة في الحرب السورية، وساروا على خيار واحد يرى في نظام بشار الأسد الحلّ الأمثل للحفاظ على هدوء حدودهم الشمالية، ولا سيما أن هذا "العدو المعروف" لم يعُد في أحسن حالاته، فعلى الرغم من أنه لم يُهزم في الحرب، إلا أنه لم ينتصر، من انتصر في الواقع هو روسيا، التي تضمن تل أبيب مصالحها معها إلى أبعد الحدود.

صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية قالت في مقال لها يوم الثلاثاء 3- تموز، إن بشار الأسد أصبح شريكاً استراتيجياً جديداً لإسرائيل. وفي مقال تحليلي للكاتب، زيفي بارئيل، قال إن تقييمات الجيش الإسرائيلي ووزارة الخارجية تظهر بأنهم "ينظرون إلى استمرار حكم الأسد بأنه الأفضل أو حتى الحيوي لأمن إسرائيل".

وأوضح الكاتب أن موقف المسؤولين الإسرائيليين من نظام الأسد في بداية الثورة عام 2011، والتنديد بانتهاكات قواته تجاه المتظاهرين ليس إلا "بهلوانيات دبلوماسية". وختم الكاتب مقالته بالطلب من إسرائيل أن تتمنى للأسد "نجاحاً كبيراً وحياة طويلة".