الأحد 2018/07/08

إلى المراوغين في الجنوب.. لقد خنتم شعبكم مرتين

مع بدء حملة النظام على الجنوب السوري في حزيران الماضي بمساندة الاحتلال الروسي كان لقادة الفصائل على العلن موقف واحد، وهو اتخاذ قرار الصمود في وجه الحملة التي يتعرض لها الجنوب . سرعان ما تشكلت غرفة عمليات مشتركة  أطلق عليها اسم "غرفة العمليات المركزية في الجنوب السوري" وقالت الغرفة مع اشتداد حملة النظام البيان التالي: "خيارنا الصّمود لن يكون منّا إلا ثباتاً.. اتخذنا قرارنا على مستوى الجنوب وسندافع عن أرضنا، نحيا بكرامة أو نموت بشرف، ولا نستسلم لهذه الطغمة المجرمة فالموت أرحم من العودة لحياة ملؤها الذّل".

شكَّلَ هذا الموقف دفعةً معنوية كبيرة لدى الأهالي في حوران مهدِ الثورة السورية كما كان عامل صمود لدى المقاتلين في الجبَهات، حيث أبدوا مع بدء الحملة استبسالاً كبيراً في صد النظام، لكنَّ ما كان لافتاً هو وجود جبهات عتية على النظام بالريف الشرقي مثل "جبيب" حيث كبدت النظام خسائر كبيرة، وعلى غير بعيدٍ منها كانت هناك جبهات أخرى تسقط بشكل سريع. في الريف الغربي كان الوضع نفسه؛ داعل وإبطع سقطتا سريعاً بفضل "ضفادع" النظام ثم باتت جبهة طفس عتية على النظام كحال جبهة جبيب.

ظل الموقف ملتبساً حتى ظهر أكبر ضفادع درعا "أحمد العودة" التابع لنائب رئيس هيئة التفاوض "خالد المحاميد" يد الإمارات في سوريا، ليُعلن أنه سلَّمَ بصرى الشام لروسيا في مقابل عودة النازحين الذين شُردوا جراء الحملة، أي إنه حاول استغلال مأساة النازحين ليشرعنَ الخيانة التي قام بها، ومن المعلوم أن لا نازحاً عاد لبصرى الشام من المعارضين لروسيا ونظام الأسد.

بعد هذه المجريات بدأت روسيا بتسويق مشروعها في بصرى الشام في عموم ريف درعا الشرقي وصولاً إلى معبر نصيب، كان لغرفة العمليات بعد 4 جولات تفاوضية قرار ثابت وهو رفض تسليم المناطق للنظام وقالت إنها "توافق على وقف الأعمال القتالية من الطرفين وخرجت طلباً للحرية والكرامة وتفاوض لأجل تحقيقها"، وبهذا البيان ازدادت الثقة من المقاتلين والأهالي ووجد بعضهم في ذلك موقفاً مشرفاً ثمّنوه في المفاوضين الذين قال بعضهم في إحدى الجولات التفاوضية "تسقط موسكو ولا تسقط درعا".

لكن الطامة الكبرى كانت بعد الجولة الخامسة التي كشفت المستور، وبيّنت أنَّ الجولات الأربع تلك ما كانت إلا مراوغة وأن قرار بيع الجنوب السوري كان قد تم التوافقُ عليه حتى قبل هجمة النظام  في العاشر من حزيران الماضي، وبموافقة من قادة في الموك أنفسهم خلال اجتماعاتهم مع الأردن الذي كان له إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا دورٌ تاريخي مخزٍ في مأساة الأهالي الذين خرجوا ينشدون الكرامة والعيش الكريم ، لكن لا بأس أن يخون شعب الجنوب أولئك الأجانب الذين دخلوا للقضية السورية بأهداف وغايات متعددة وصلت إلى حد الاحتلال فهذه طبيعة الغزاة، بل إنَّ العجب أشد العجب في أن تكون الخيانة من المقربين إليك، ممن كانوا في يوم من الأيام يعطون الناس خطباً وبيانات طويلة في الإخلاص والثبات على المبدأ، خيانتهم كان طعمها أشد مرارة ووقعها أشد إيلاماً ونتائجها أكثر كارثية.

نعم كانت النتائج كارثية.. ففي الجولة الخامسة من المفاوضات ظهر على  العلن ما تم التوافق عليه قبل هجوم 10 حزيران، أولاً تسليم الفصائل سلاحها الثقيل وثانياً انتشار  الشرطة العسكرية الروسية بالريف الشرقي وصولاً إلى معبر نصيب، وثالثاً تسوية اوضاع المنشقين والمتخلفين عن الخدمة ومن لا يرغب يُسمح له بالمغادرة نحو إدلب، ورابعاً عودة دوائر ومؤسسات النظام للعمل ، هذا جزء من بنود الاتفاق كافٍ ليعطي صورة عامة عن صك الاستسلام الذي وقعه من كلف نفسه ليكون ممثلا لأبناء الجنوب السوري وهو بعد توقيع الاتفاق إما انضم للنظام كحال "العودة وعناصره" وإما ظل في الأردن يتابع عن بُعد ما يجري وكأن  الأمر لا يعنيه بعد أن باع الناس الوهم بعباراتٍ لم يرد فيها إلا تسويق نفسه كحال من قال في يوم من الأيام في أحد الجولات التفاوضية بأستانا "إيران مجرمون إيران لا يوقّعون" وكأن الروس يوزعون الورد في سوريا على السوريين.

ليست المصيبة في الاتفاق فحسب، بل إن غرفة العمليات وصفت القرار بأنه "خارطة حل" وطالبت الأمم المتحدة بالإشراف عليه وكأن هناك بنوداً مفصلية لصالح الثورة فيه. وقالت الفصائل إن الضامن في هذا الاتفاق هو الجانب الروسي، أي إن من كان قبل ساعات قليلة من توقيع الاتفاق وحتى بعد الاتفاق يقتل ويشرد ويهجر هو الكفيل لعدم دخول  النظام إلى المناطق التي ستسلم فيها الفصائل سلاحها الثقيل، وربما كان الجواب في نفس اليوم الذي تم فيه توقيع الاتفاق حيث نشر النظام صوراً تظهِرُ سيطرته على معبر نصيب ودبابات وآليات عسكرية فيه، ولعل في هذا نموذج آخر عما حصل قبل شهور في ريف حمص الشمالي والخيانة التي حدثت فيه كذلك من بعد القادة المحسوبين على الثورة، حيث انتشر النظام بعموم الريف الشمالي بحمص رغم مزاعم روسيا بعدم دخول النظام.

سقطت نصفُ مساحة الجنوب السوري بشكل لم  يكن متوقعاً على الإطلاق، نحو 50 بالمئة من مساحة المناطق المحررة تسقط في غضون أقل من 20 يوماً ، رغم صعوبة الطرق وطبيعة المنطقة في الجنوب ومعرفة المقاتلين بها أكثر من النظام بكثير، فضلاً عن أن النظام لا يمتلك من الخبرات والمقاتلين خططاً عسكريةً تتيح له مثل هذا التقدم السريع، وهذا السقوط السريع إن دل على شيء إنما يدل على أن قرار التسليم كان مدبَّراً بليل وما على من خان الثورة السورية ومبادئها إلا الانسحاب وترك المقاتل الصادق الطاهر النية يقاتل وحده أمام أعداد كبيرة من النظام والمليشيات الإيرانية وتحت حمم الطائرات الحربية.

إذن لقد تعرض الجنوب السوري وأهاليه إلى الخيانة مرتين من قبل أشد المقربين إليه، أما الأولى فكانت عندما كان الجنوب في معزل تام عن بقية المناطق المحررة الثائرة التي طلبت منه أياما كثيرة النجدة ولاسيما في الغوطة الغربية حيث كانت المسافة على بعد ضربة حجر لقلب الموازين على النظام في معقله بدمشق، حيث بدا الجنوب لطيلة سنوات وكأنه كانتون مستقل وذلك بسبب رفضه فتح الجبهات لنصرة مناطق أخرى والاعتماد على المحتل الخارجي وإيكاله مهمة الحفاظ على المنطقة، ثم ما كان  من ذلك  المحتل إلا أن تخلى عنه سريعاً  بعدما تفاهمات مع المحتلين الآخرين، وأما الثانية فكانت حينما باع قادة الجنوب (وليس حديثنا موجهاً إلى الجميع بل إلى من وضع يده بيد جلاده قاتل أهله وشعبه وسلمه مفاتيح الريف الشرقي وصولاً إلى معبر نصيب) بثمن بخسٍ في استهانة ليس لها نظير بدماء من ضحى بحياته لتحرير تلك المناطق، وكان في نفس الوقت يخدع الأهالي والمقاتلين الشرفاء ببيانات مخادعة ومواقف كاذبة، بل حتى بيان الهزيمة لم يُسمَّ باسمه إنما سُمي بـ "خارطة حل تنقذ أهالي الجنوب"، وأي نجدةٍ هذه التي ستتيح للنظام تجنيد الآلاف من أهالي الجنوب ليكونوا خزانه البشري يضرب به المناطق الأخرى المحررة بسوريا.

يبقى الأمل الآن في الجزء الثاني من الجنوب السوري الذي لا يزال صامداً أي الريف الغربي وصولاً إلى القنيطرة ومناطق  أخرى رفضت الإذعان، وقد أعلن 11 فصيلاً أمس الاندماج تحت مسمى واحد حمل اسم "جيش الجنوب"، وقال إنه يعاهد أهل الجنوب السوري بأن "قراره  الحرب وبذل الدماء وعدم التنازل عن الكرامة"، ولعل رسالة أهل حوران اليوم لهذا الجيش الوليد أن لا تخونوا العهد مثل ما فعل الكثير ممن قال نفس تلك العبارات ولا تبيعونا الوهم، وما نطلبه منكم هو الصمود وعدم توقيع صك الاستسلام كما فعله غيركم فالنخوة فيكم يا أهل حوران لا تموت، ومن خان وسلم واستسلم لا يمثلكم ولن يمثلكم، فأنتم من جعل شعار "الموت ولا المذلة" شعاره الأساسي..