الجمعة 2017/06/23

إخوة قطر

مغامرة غير محسوبة العواقب تدخل منطقة الشرق الأوسط في مفترق طرق أشبه بنفق مظلم، لا يبدو معه أفق للتراجع، وحصارٌ جائرٌ لا يلقي بالاً للقانون الدولي، فضلاً عن المروءة الموروثة في الدم العربي أباً عن جد، أريد منه تركيع جارة شقيقة وتأديبها، وكان يظنّ فيه سرعة استسلام وسقوط قطر من دون مقاومة لمطالب لا ترضي سوى تل أبيب وخدّامها، وتدع الحليم حيران، غير أنّه صادف صموداً قطرياً ما كان في حسبانه، ورفضاً دولياً لقوى لها وزن أثقل بكثير من أوزان من تداعى على قطر، كما اصطدم بموقف أميركي متضارب لا تتفق المؤسسة فيه كثيراً مع تصرفات الرئيس ترامب؛ ليدرك المخططون للحصار أنّ حساباتهم لم تكن بتلك الدقة.

في ليلة حالكة رأت قطر فيها مناماً فقصته لأبيها أنّ إحدى عشرة دولة هي عدد دويلات المنطقة مع شمسهم الأميركية وقمرهم الروسي وقعوا لها وأبيها التركي وأمّها الغزّاوية عاكفين خاضعين، أجاب الأب: يا قطر لا تقصصي رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً، سمعت الأخت المتوسطة المنام وأصلته للشمس قبل القمر، نادت أميركا على لسان العزيز ترامب وابنته الحسناء إيفانكا العرب على عجل، في اجتماع بالرياض بالقرب من المدينة، عاصمة الإسلام ومكّة قبلة المسلمين، وقف ترامب، أبو لهب العصر، خطيباً بحكام العرب، الذين أجمعهم العاص بن وائل هذا الزمن من نصب نفسه ملكاً، واللّه وحده هو الملك "سلمان الذي يصلي جالساً.. ويرقص واقفاً"، فقال: يا معشر حكام العرب، اسمعوا وعوا،

والغائب يخبر الحاضر، والحاضر في حكم لله، يا عرب من حالفنا عاش ومن خالفنا مات، وكل ما هو آت لا بدّ هو آت، دبابات ومدرعات، صواريخ وطائرات، زوارق وبارجات، سيطرنا على البحار، واجتزنا الفيافي والقفار، وأطبقنا عليكم الحصار، وخيّرناكم إمّا الطاعة وإمّا الدمار، وفرضنا القرار، وأخيراً استولينا على من في الدار، يا حكام العرب، نهبنا خيراتكم، وسفكنا دماءكم، وحاربنا إسلامكم، ودسنا قبل أن ندنس مقدساتكم، فماذا أنتم قائلون؟! إلى حكم العرب انتقلت الكلمة، ولأن صفات الأتقياء البكاء قبل التلاوة، بكى حكام العرب حتى اخضلت نياشينهم،

بكوا مخافة وتقوى لعبد في معصية خالق، وقالوا بصوت خاشع خافق: ترامب يا مولانا، لقد بنيتم عروشنا، ووضعتم التاج على رؤوسنا، بل وصلتم إلى حمايتنا من شعوبنا، أنتم هبة الله لنا، ولولاكم لضاع ملكنا، فتقبلوا شكرنا وسامحونا على تقصيرنا، فخذ منا ما تريد، واطلب منا المزيد، فنحن عن رضاك لا نحيد، قال لهم: حاربوا الإرهاب، وأغلقوا عليه كلّ باب، فأشار الحكام العرب بأصابعهم إلى قطر، ذاك هو الإرهاب، فلا نذر، وبحول الشيطان قد أعدنا لها مسّ صقر، فأجمعوا أن يكيدوا لها الكيد، ويوفى لترامب الوعيد.

لا تضربوا قطر بل اتهموها بالإرهاب يخل لكم وجه أبيكم ترامب وتكونوا من بعده قوماً خائنين، هكذا انتهت جلست العزيز ترامب مع إخوة قطر، أجمع الإخوة على أن يرموا أخاهم الصغير بالإرهاب، فكان ما كان من ادعاءات شبهت تفصيلاً وإجمالاً باتهامات امرأة العزيز لسيدنا يوسف عليه السلام، براءة يوسف وإن طالت وعاش قبلها المحن، فإن براءة قطر من كيد إخوتها طال إثباتها أو قصر، فإن قطر قد بشرت العالم العربي بسبع سنين عجاف، بدأت بالربيع العربي وأسقطت طغاته، فإنها تبشّر بسبع سنين أخرى يغاث فيها الناس ويعصرون، مرحلة لاحت آفاقها منذ صيف 2014، باستهداف غزة في محاولة للقضاء على حماس، مروراً بانقلاب يوليو/تموز من العام الماضي لكبح قيادة أردوغان وحزبه لهذه المرحلة، وصولاً إلى حصار قطر.

ختاماً يجبّ شكر قطر على الرغم ممّا هي فيه من هذا المصاب، فمنها تعلمتُ أن بعض الأنظمة يكرهوننا لمزايانا وليس لعيوبنا، فقد كرهوا قطر؛ لأنّها صادقة ولا تشبههم، والناس لا يريدون من يذكرهم بنقصهم.

شُكراً قطر، من حصارك تعلمتُ أن الطعنة تأتي أحياناً من حيث لا نحتسب، شُكراً قطر، من حصارك تعلمتُ أن المعدن الأصيل لا تُغيره المصائب، شدّد على مواطنيك وشتم أميرك وتعامل المحاصرون معك بكل قلة أدب، فقلت لرعاياهم في قطر: عفا الله عمّا سلف.