الجمعة 2018/02/23

مصطفى حماض.. سيرة ضابط أنقذ حافظ الأسد من محاولة انقلاب خفية قادها ضابط من دير الزور


- وشاية "حماض" إلى غازي كنعان وعلي دوبا أدت لاعتقال "العزاوي" والعشرات معه.

- كافأه "حافظ" بإدخاله إلى سلك المخابرات ثم غضب عليه فولاه قيادة مؤسسة تصنّع "البساطير".

- لغز مقتل "حماض" يقترب من لغز "انتحار" صديقه غازي كنعان.

- مات قبل 30 عاما، لكنه خلف من يكرر مشهد خدماته للنظام.


رغم كل ويلات القتل والدمار والتشريد التي صبها نظام بشار على ملايين السوريين، فإن "أحداث الثمانينات" ما تزال لدى هذا النظام ومحازبيه تشكل مادة دسمة لاستعراض "بطولاتهم" في تنفيذ سلسلة من المجازر ضمن مناطق مختلفة من سوريا، تحت ستار "سحق الإخوان المسلمين".

وفي هذا الإطار ألقت شبكة مؤيدة الضوء على سيرة "العميد مصطفى كمال حماض"، موضحة أنه ولد في أحد أحياء مدينة حلب عام 1940 والتحق بالكلية الحربية عام 1960، وشارك في حربي 1967 و1973.

وفي عام 1982 عرض عليه النقيب "فوزي الغزاوي" (أحد قادة الإخوان وفقا للشبكة) المال مقابل تسليح عناصر تابعين لـ"الإخوان"، قبيل زيارة مرتقبة لحافظ الأسد (يبدو أن الضباط كانوا ينوون اغتيال حافظ أثناء تلك الزيارة)، حسب ما أوردت الشبكة.

لكن "حماض" رفض طلب النقيب "الغزاوي" ولم يكتف بذلك، بل وشى بـ"الغزاوي" والمقربين منه إلى صديقه "غازي كنعان"، الذي أوصله لمقابلة "اللواء علي دوبا" رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية حينها، وكلفه الأخير بتنفيذ عملية القبض على "الغزاوي" وعدد من الضباط والعناصر أثناء وجودهم في "نادي ضباط طرطوس".

وبعد ذلك انخرط "حماض" في عدد من العمليات المخابراتية لصالح النظام، فكافأه حافظ بتعيينه معاونا لرئيس فرع الأمن العسكري باللاذقية، وهناك تمكن "حماض" من متابعة عمله حيث ألقى القبض على "عدنان عقلة" زعيم تنظيم الطليعة المقاتلة، وأعدمه.

ولاحقا.. ولسبب غير معروف، قام حافظ الأسد بنقل "حماض" من سلك المخابرات نهائيا ليوليه منصب مدير مؤسسة معامل الدفاع (يقول التقرير إن الأمر جاء بناء على رغبة حماض الذي اختار لنفسه الراحة بعد التعب!)، وبقي في منصبه حتى قتل في حادث سير بحمص عام 1988، قالت الشبكة إن من دبره لهم هم "الإخوان المسلمون".

*تكسير

تعطي الرواية عن دور "حماض" في اعتقال "النقيب فوزي الغزاوي" ومن معه.. تعطي صورة أوضح الوضع الذي كانت عليه البلاد في تلك الأيام، لاسيما المؤسسة العسكرية، حيث إن الحكم لم يكن مستتبا لحافظ الأسد كما كان يحاول ترويجه.

كما إن خطة "الغزاوي" التي أفشلها "حماض" تؤكد وجود أكثر من محاولة انقلابية على حافظ الأسد (ربما عشرات المحاولات)، لكن جزءا من هذه المحاولات بقي طي الكتمان، خصوصا تلك التي تم وأدها في مهدها، مثل محاولة "الغزاوي".. وهذا ما يؤكد أيضا أن المجتمع السوري ومؤسسة الجيش كانا ما يزالان يعملان بمبدأ المناعة الذاتية التي تتصدى لأي "عضو غريب" يدخل على نسيجهما، وأن عملاء النظام الذين أفشلوا تلك المحاولات بوشاياتهم مقابل "مكافآت" ومكاسب آنية، إنما جروا على سوريا كوارث حقيقية ما تزال تعاني تبعاتها حتى اللحظة، وربما ستبقى تعاني منها لعقود قادمة.

أما عن استدراج "عقلة" فإنه يذكر بسجل طويل من الاختراقات، باتت مخابرات الأسد "مدرسة" فيه لكثرة ما نفذته من عمليات في هذا المجال، إلى درجة يصعب تعدادها في تقرير واحد.

من جهتها، تابعت "زمان الوصل" تفاصيل سيرة "حماض"، فتأكد لها من مصادرها الخاصة أن هذا الضابط لعب بالفعل دورا قذرا في الإيقاع بجماعة "الرائد فوزي العزاوي" (وليس فوزي الغزاوي كما ورد في تقرير الشبكة الموالية)، وأن "العزاوي" هو ضابط من دير الزور كان يقيم في حمص.

وقد كانت حادثة الإيقاع بالضابط "العزاوي" وإفشال محاولته الانقلابية من تدبير "حماض"، الذي يبدو أنه كان يومها في نفس رتبة "العزاوي" بل ربما يكون "ابن دورته"، حيث نجم عن وشايته إجهاض المحاولة وإلقاء القبض على "العزاوي" وعشرات الضباط الآخرين من الكلية البحرية، وإعدام نصف الضباط المقبوض عليهم تقريبا، علما أن هناك من استطاع النجاة بنفسه من الاعتقال وفر خارج سوريا.

وتبقى حادثة مصرع "مصطفى حماض" لغزا، يقترب من لغز "انتحار" غازي كنعان ومحمود الزعبي، لاسيما أن هناك من يشير إلى تورط النظام بتدبير حادث السير الذي أدى إلى مصرعه (مصرع حماض)، مستدلا بـ"تكسير" الرتبة الذي خضع له الرجل على يد حافظ إذ نقله نهائيا من سلك المخابرات، وأسند له قيادة مؤسسة تصنّع -من ضمن ما تصنّع- الأحذية العسكرية (البساطير) والبطانيات، وهذا بلا شك في عرف جيش النظام رسالة إهانة ونبذ اضحة لا تحتمل التأويل.

*اختراق "الطليعة"

أما بخصوص "عدنان عقلة" زعيم تنظيم "الطليعة" فإن المتهم الأول والرئيس بتسليمه لمخابرات الأسد إنما كان شخصا من جسر الشغور يدعى "ج.د" (تحتفظ زمان الوصل باسمه كاملا)، حيث كان بمثابة عميل للنظام وجاسوس على الطليعة رغم أنه كان "منظما" في صفوف "الطليعة" حينها، حسب معلوماتنا.

وتشدد مصادر خاصة على أن النظام نجح في استمالة وتجنيد "ج.د"، رغم أن هناك خلافا على طريقة "الاستمالة" بين من يقول إن صهر رفعت الأسد وأحد منفذي مجزرة سجن تدمر "معين ناصيف" وعد "ج.د" بأن يسقط عنه حكم الإعدام إن هو "تعاون" معهم، وبين من يرى أن "ج.د" ضعف أمام إغواء النظام له بالمال والجاه وغيرهما، وهناك طرف ثالث يجزم أن "ج.د" لم يكن في الأصل سوى ضابط مخابرات، وأنه انضم إلى الطليعة بقصد مبيت لاختراقهما.

[caption id="attachment_283944" align="alignnone" width="832"] محمد مصطفى حماض[/caption]

وأياً تكن الوسيلة التي جند بها النظام "ج.د" ليخترق تنظيم "الطليعة"، فإن معظم الأصابع تشير إلى أن الرجل هو الذي أوقع فعلا بـ"عدنان عقلة" وجره إلى حتفه على يد مخابرات النظام، بعدما أقنعه بالعودة إلى سوريا، ممنيا إياه بوجود أتباع ينتظرون مقدمه لينضموا إلى "الطليعة" ويستأنفوا قتالهم ضد نظام حافظ الأسد.

وقد عمدت مخابرات النظام عمدت إلى نصب فخ محكم لـ"علقة"، واستدرجت من خلاله عشرات الراغبين في العودة من "الطليعة" إلى سوريا إلى قبضتها، بعدما كشفت كثيرا من خيوط التنظيم.

*الدرع

مضى 30 عاما على مصرع "العميد مصطفى كمال حماض"، لكن مرارة خيانته ووشايته التي أجهضت محاولة للانقلاب على حافظ، ما تزال في حلق فئة من السوريين، لاسيما عائلات الضباط المشاركين في المحاولة، كما إن انقضاء هذه السنوات الطويلة كان كفيلا بإظهار نسخة جديدة من "حماض"، ممثلة بابنه "محمد حماض"، الملقب "أبو مصطفى"، والذي يتولى قيادة مليشيا "درع الأمن العسكري"، وقد سبق للنظام والروس أن كرموه على خدماته.

ويقدم "محمد حماض" يقدم نفسه ضمن "رجال الأعمال"، بل إن إحدى الروايات تقول إنه تكفل بتمويل مختلف احتياجات "الدرع".

وحين يتعلق الأمر بارتكاب الجرائم والانتهاكات من قتل وتعذيب وسلب، لاتختلف "درع الأمن العسكري" عن بقية المليشيات التي شكلها النظام لقمع الشعب السوري، بل إن هذه المليشيا تضم في صفوفها واحدا من أعتى مجرمي المرتزقة وهو "محمد علي سلهب" الملقب "أبو علي سلهب"، حيث أسندت له مهمة القائد العسكري لمليشيا "الدرع"، فضلا عن "بديع سعيد" الملقب "الخال أبو إسماعيل".

وفي 2015، رخص النظام لما يسمى "شركة الدرع للحراسات الأمنية المحدودة المسؤولية" في اللاذقية، برأسمال قدره 50 مليون ليرة، على أن تكون ملكية 80% منها "لمحمد مصطفى حماض"، والبقية لشخص يدعى "وفيق سليمان".

وعمد النظام في السنوات الأخيرة لرفع وتيرة ترخيص الشركات "الأمنية"، مستخدما إياها غطاء لإنشاء المليشيات المدعومة مخابراتيا، وهو ما تجلى في سيرة "شركة الدرع" التي لم تكن سوى مليشيا "درع الأمن العسكري".