الخميس 2018/06/14

خواطر رمضانيّة ..تضخّم الشكل وغياب المضمون

رمضان شهر الطاعات، والتراويح في معظم بلاد الإسلام أزعم أنّها عند بعضهم أهمّ من الفرض، والنَّاس أنواع، بعضهم يبحث عن إمام خفيف القراءة، لا يطيل، فهو مقتصد، وصنف ثان يبحث عن إمام حسن القراءة، يقوم بجزء كلّ ليلة، والنَّاس طاقات، ولنا صاحب من أهل الهمم العالية، من الصنف الأخير، له شيخ رمضانيّ، تشدّ إليه الرحال في رمضان، ويتمّ الشيخ جزءاً من القرآن كلّ ليلة، وينوّع في القراءة، متنقّلاً بين القراءات المختلفة، بصوت شجيّ، فيعلو البكاء والنشيج خلفه، في ظاهرة إيمانيّة راقية، ونتيجة لهذه الميزات للشيخ تمّ نقله إلى مسجد فخم، شُيّد حديثاً، وتمّ فرشه بأرقى المفروشات، ويتّسع لجماهير الشيخ، وذلك كلّه حسن، وهو شكل إيماني رائع، ولكن صاحبنا ذهل عند زيارته للمسجد الجديد، من روائح الطعام، ومن بقايا الطعام، من مخلّفات الإفطار والسحور، التي تملأ المسجد، فلم يستطع أن يستمتع بالقراءة وهو يدير في رأسه فكرةً لم تفارقه!

أين الخلل؟ فهؤلاء المجتهدون في الصلاة، لا يظهر عليهم بعد البكاء والخشوع أَي نوع من التقوى، تنعكس على السلوك، وساحة المسجد لو صوّرها زائر عابر لأصبحت مثلاً للتناقض الحادّ، من الإقبال على النوافل، وهي وسائل، ونسيان الغايات وهي إعمار الأرض، بل ونسيان غاية الحياة (ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً)، فأين حسن العمل، من فوضى الشوارع؟ والمواقف ونظم العمل، وإقامة العدل على مستوى أداء الفرد في الحد الأدنى؟.

فأنت حين تنظر في الرسائل التي تصلك في (الواتز) تحثّك على التديّن طوال رمضان، وبعد رمضان، تحسب أنّك حين ستخرج للشارع ستجد تطبيقاتها في الشارع، فتفاجأ بأنّ الشارع والحياة شيء، وكلّ ما يصلك هو عبارة عن طلب للأجر، بغير استحقاق فقضيّة، (ابعث) فلك ألف حسنة، جعلت سبيل الحصول على الحسنات سهلاً، وليس مكابدة للواقع، هو مجرّد عمل محدود، قد يكون عبادة فرديّة شاقّة، وقد يكون كبسة زرّ لإرسال رسالة، وستصلك الحسنات بالآلاف.

بين العبادة الفرديّة -مهما تضخّمت- وكبسة الزرّ توجد أرض قاحلة، من النظام والنظافة والأخلاق الحسنة، ناهيك عن مطلب البرّ والقسط... هي تجلّ واضح لنموّ الشكل على حساب المضمون، وهي أشبه بمن يشغلك في الغربة بحثاً عن الطعام المذبوح باسم الله، وهو غارق في الفساد بكلّ أشكاله، دون ذكر لله.

إلى هنا... هذا توصيف انطباعيّ، ويبقى: ما هي الأسس الكبرى التي تطرحها هذه الحال على أفكارنا التربويّة، ومناهجنا التعليميّة الدينيّة، وعلى خطابنا الاجتماعيّ عموماً، وكيف نخرج من هذا المأزق الحضاريّ؟ سؤال يحتاج إلى تفكير عميق، وغوص في الأعماق والجذور المنشئة لهذه التناقضات كلّها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د.جاسم السلطان