الأثنين 2018/07/02

واشنطن بوست: هل يتنازل ترامب عن النصر في سوريا لصالح بوتين؟


بقلم: ديفيد إغناتيوس

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


تقترب الحرب الكارثية في سوريا من نهاية دبلوماسية، حيث تسعى كل من الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل إلى إبرام اتفاق يضمن بقار بشار الأسد في السلطة مقابل تقديم تعهدات روسية بتقييد النفوذ الإيراني في المنطقة.

أصبح الحد من القوة الإيرانية الهدف الرئيسي والوحيد لإدارة ترامب في سوريا، بعد السحق شبه التام لتنظيم الدولة هناك. يبدو أن الرئيس ترامب مستعد لتبنّي سياسة من شأنها السماح للأسد بالبقاء في السلطة.. بقاء زعيم استبدادي قتل شعبه باستخدام الغاز السام، والتخلي عن معارضةٍ سوريةٍ تم تدريبها جزئياً من طرف الولايات المتحدة.

لقد شهدت سياسة ترامب في سوريا تقلبات عديدة، حيث أصبح عدم التزامه بالوعود العسكرية التي قدمها أسلافه جورج دبليو بوش وباراك أوباما للشرق الأوسط السمة الأكثر شيوعا في سياسته هناك، وبدأ بنكث هذه الوعود الواحد تلو الآخر.

تأتي المناقشات الدبلوماسية حول سوريا في وقت يستعد فيه ترامب لعقد قمة في 16 تموز/ يوليو الجاري مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. يبقى جدول الأعمال الذي سيناقَشُ في هذه القمة غير معروف بالنسبة للكثير من الدبلوماسيين الأجانب والمسؤولين في إدارة ترامب، إلا أنه من المرجح أن تتم مناقشة الملف السوري في هذا اللقاء.

من الجوانب المثيرة للاهتمام في صفقة سوريا المحتملة، التعاون الكبير بين كل من روسيا وإسرائيل. يركّز جدول الأعمال الإسرائيلي، على كبح جماح إيران في المنطقة، وعلى ما يبدو فإن الإسرائيليين قد أدركوا أن بوتين شريك إقليمي يمكن الاعتماد عليه.

قام خبراء إسرائيليون وأوروبيون وأمريكيون باستعراض أهم النقاط الأساسية لجدول أعمال القمة، إذ ستقبل الولايات المتحدة وإسرائيل ببقاء الأسد في السلطة مقابل إجراءات روسية ملموسة للحدّ من النفوذ الإيراني، والتي تضم:

-إبقاء القوات التي تدعمها إيران على مسافة 80 كيلومترا على الأقل من الحدود الإسرائيلية في هضبة الجولان.

-حصول إسرائيل على إذن روسي ضمني لمهاجمة أهداف إيرانية تهدد أمنها في سوريا، طالما لن تتكبد القوات الروسية أية خسائر. وهذا ما قامت به إسرائيل في الأسابيع الأخيرة عندما قامت بتوجيه ضربات عسكرية لقواعد إيرانية سرية، وعرقلت محاولة طهران فتح "جبهة ثانية" في سوريا مكمّلة لحزب الله في لبنان.

 

- تعزيز سيطرة قوات النظام، التي تدعمها القوة الجوية الروسية، جنوب غرب سوريا واستعادة مواقعها على الحدود الأردنية. تفضّل الأردن سيطرة الأسد على الحدود لأنها قد تسمح باستئناف حركة مرور الشاحنات، الأمر الذي من شأنه أن ينعش الاقتصاد الأردني المنهك. أما بخصوص قوات المعارضة الموجودة في الجنوب الغربي فيبدو أنها ستُضطَرّ للدفاع عن نفسها دون الحصول على أية مساعدة عسكرية تُذكر. ومع فرار آلاف النازحين السوريين الجدد إلى الحدود الأردنية المغلقة، من الممكن أن يتعرض هؤلاء المدنيون المحاصرون لمذبحة جديدة.

-ستقوم الشرطة العسكرية الروسية بدوريات في مناطق جنوب غرب سوريا، وربما في أماكن أخرى، في محاولة لتعزيز الاستقرار في تلك المناطق. ويرى أحد الدبلوماسيين الأوروبيين أن نشر القوة الروسية من أجل استتباب الأمن في تلك المناطق هو "مجرد تمنٍّ لا يستند إلى الواقع". ستحتفظ الولايات المتحدة في الوقت الحالي بمعسكرها في التنف جنوب سوريا لمنع أي تقدم إيراني هناك.

-سيصل نطاق انتشار قوات نظام الأسد وروسيا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية شمال شرق البلاد، على الخصوص في المناطق التي قامت فيها القوات الكردية وقوات العمليات الخاصة الأمريكية بتوحيد صفوفها لهزيمة تنظيم الدولة وتعزيز الاستقرار. يأمل القادة الأمريكيون أن تبقى القوات الأمريكية لمدة 18 شهراً أو أكثر في هذه المناطق، لكن ترامب كان قد أعرب عن نفاد صبره بخصوص التدخل الأمريكي في سوريا.

ويشعر قادة المعارضة السورية بخيبة أمل شديدة من الصفقة التي يتمّ إبرامُها، وقد حذّر أحدهم من أن "الخيانة الأمريكية" ستكون حاضنة للحركات الجهادية في المستقبل.

تشكّك الدول الأوروبية -التي كانت حليفاً سرياً رئيسياً للمعارضة في سوريا- بشدة في مدى نجاح هذه الخطة المناهضة لإيران. "لقد حذّرت كل من بريطانيا وفرنسا الولايات المتحدة من عدم قدرة روسيا على إجبار الإيرانيين على الخروج من المناطق التي يسيطرون عليها الآن"، بحسَب ما جاء على لسان أحد الدبلوماسيين الأوروبيين.

أدى استعداد ترامب لإبرام صفقة مع روسيا في سوريا والتخلي عن المكاسب الأميركية التي حقّقتها هذه الأخيرة بشق الأنفس، إلى امتعاض العديد من المسؤولين في البنتاغون، لكن يبدو أنهم لا يستطيعون فعل شيء إزاء ذلك.

أصبحت روسيا وسيطاً إقليمياً لا يمكن الاستغناء عنه، حيث تحافظ بطريقة ما على علاقات جيّدة مع كل من إيران وإسرائيل. كما تربطها علاقات آخذة في التزايد مع السعودية والإمارات؛ وتتباحث مع الأكراد وخصومهم الأتراك في الآن نفسه.

يعتبر بوتين جنرال جهاز المخابرات السوفيتي سابقا (كي جي بي)، لكن استراتيجيته في سوريا تنبني على المبدأ الصيني الذي يقوم على إخضاع العدو من دون قتال. لقد اتخذ بوتين موقفاً حاسماً في سوريا بأقل تكلفة، حيث يبدو أن ترامب مستعد الآن لتأكيد انتصار جنرال الـ"كي جي بي" هناك.