الخميس 2018/10/11

فورين بوليسي: هل العلاقات الأمريكية السعودية أقوى من أن تنهار؟

بقلم: مايكل هيرش

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

 

العلاقة التي تجمع محمد بن سلمان بترامب أعمق من إحداث جلَبة حول قضية جمال خاشقجي.

بالنسبة لإدارة ترامب، يعتبر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الشريك المثالي في الشرق الأوسط، حيث يقود تحالفا استراتيجيا ضد إيران، ولديه علاقات جيدة مع إسرائيل، كما إنه ينفق مليارات الدولارات لشراء الأسلحة الأمريكية.

أما بالنسبة لمحمد بن سلمان، فإن ترامب حليف مناسب أيضا، إذ إن الرئيس الأمريكي لا يبالي كثيرا بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، أو بمصير صحفي سعودي على إثر اختفائه في تركيا.

وفقا لعدد من الخبراء السعوديين، فخلال العام والنصف الماضيين وتحديدا منذ أن أصبح محمد بن سلمان الزعيم الفعلي للسعودية، ظن هذا الأمير الذي يبلغ من العمر 33 سنة أنه يملك تفويضا مطلقا من إدارة ترامب ليفعل ما يحلو له ويتعامل بوحشية ودموية؛ بدءا بشن حرب دموية على اليمن ووصولا إلى قتل المعارضين السياسيين أمثال جمال خاشقجي.

وفقا للعديد من التقارير، فقد حصل ما كان متوقعا. اختفى خاشقجي، الصحفي السعودي البارز الذي انتقد توجهات محمد بن سلمان الاستبدادية في أعمدة صحيفة "واشنطن بوست"، قبل أسبوع من دخول القنصلية السعودية في إسطنبول. ومنذ ذلك الحين، ظهرت العديد من الأدلة التي تؤكد اغتيال هذا الأخير على أيدي عملاء سعوديين بناء على أوامر من ولي العهد نفسه.

وقال بروس ريدل "مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية" الذي عمل أيضا كمستشار لعدة رؤساء أميركيين بخصوص القضايا التي تتعلق بالسعودية والشرق الأوسط، قال إن ما حدث لخاشقجي جزء من حملة سعودية واسعة النطاق وغير مسبوقة لإسكات المعارضين الذين يشككون في شرعية محمد بن سلمان منذ جعله خلفا لولي العهد المخلوع محمد بن نايف (الذي وضع تحت الإقامة الجبرية لاحقا).

على الرغم من هذا كله، تستمر إدارة ترامب في الرد على الأسئلة حول مصير خاشقجي بحذر شديد، مرددة في أغلب الأحيان الرواية السعودية الرسمية التي تفيد بأن مصيره لا يزال مجهولا.

وكان قد امتنع مسؤولو مجلس الأمن القومي الأمريكي ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عن التعليق على هذا الموضوع، واقترحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هيذر نويرت خلال بيان صحفي لها أن أي طلبات إلى الحكومة التركية للحصول على معلومات حول هذا الموضوع ستكون "عن طريق مكتب التحقيقات الفيدرالي". ولكن دون الحصول على طلب لتقديم المساعدة من البلد المستضيف، لا يستطيع مكتب التحقيقات الفيدرالي التحقيق في جرائم التي تقع خارج حدود الولايات المتحدة ما لم تكن أعمالاً إرهابية أو جرائم ضد مواطنين أمريكيين. استنادا إلى تصريحات أدلى بها مسؤولون أمريكيون، لا يبدو أن تركيا قد طلبت المساعدة للتحقيق في قضية خاشقجي.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة هاكابي ساندرز للصحفيين إن مستشار الأمن القومي جون بولتون وصهر ترامب، جاريد كوشنر، صديق محمد بن سلمان، قد اتصلا بولي العهد لمعرفة المزيد حول ما حدث لخاشقجي، كما اتصل بمحمد بن سلمان وزير الخارجية، مايك بومبيو.

أما بالنسبة إلى ترامب، فقد قال للصحفيين يوم الأربعاء الماضي إنه يريد دعوة خطيبة خاشقجي التركية إلى البيت الأبيض. (من الجدير بالذكر أن خاشقجي توجه إلى القنصلية السعودية للحصول على أوراق لإتمام زواجه). وقال ترامب إنه "سيعرف" ملابسات اختفاء خاشقجي مضيفا: "لا يمكننا أن نسمح بأن يحدث هذا للصحفيين أولأي شخص كان". لكنه قال أيضا إنه لا يملك أدنى فكرة عما حدث لخاشقجي وامتدح بن سلمان قائلا: " إنه رجل جيد".

والواقع أنه لطالما كانت انتقادات ترامب للسعودية مرتبطة بأسعار النفط، حيث صرح ترامب خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي أن منظمة "أوبك" التي تقودها السعودية "كالعادة تنهب بقية العالم. ... نحن ندافع عن تلك الدول بدون مقابل، ومن ثم يستغلوننا ويبيعوننا النفط بأسعار مرتفعة، هذا ليس جيدا".

وفي حديثه خلال تجمع حاشد في مسيسيبي هذا الشهر، انتقد ترامب والد محمد بن سلمان الملك سلمان بشكل مباشر قائلا: "أنا أحب الملك ... لكنني قلت: أيها الملك، نحن نحميك، وربما لن تتمكن من البقاء في حكمك لمدة أسبوعين بدوننا. عليك أن تدفع لجيشك، عليك أن تدفع ".

سارع محمد بن سلمان لاختلاق أعذار لشريكه الأمريكي، حيث صرح خلال لقاء له مع "وكالة بلومبرغ" في اليوم التالي بأن تعليقات ترامب لم تكن بالأمر الجلل. مضيفا "إذا نظرنا إلى الصورة بشكل أشمل، فإن 99٪ من الأمور التي تجمعنا بالولايات المتحدة جيدة وهناك قضية واحدة سيئة"، مؤكدا "أنا أحب العمل مع ترامب. أنا حقا أحب العمل معه، وقد حققنا الكثير في الشرق الأوسط".

يبدو أن أجندة ترامب في الشرق الأوسط، والتي تتماشى مع أهداف كل من السعودية وإسرائيل لاحتواء إيران، هي السبب الرئيسي في صمته على سجل محمد بن سلمان الدامي في مجال حقوق الإنسان. وفي حالة خاشقجي ، فقد فتح الرئيس الأمريكي الباب للمزيد من الاعتداءات والاغتيالات في حق الصحفيين من خلال الوصف المتكرر لوسائل الإعلام بأنها "عدوة الشعب".

وقال ريدل: "أنا متأكد من أن وفاة جمال خاشقجي لا يمثل أولوية بالنسبة لرئيس ينشر أخبارا كاذبة" مضيفا "لا أعتقد أن إدارة ترامب ستفعل أي شيء بشأن خاشقجي".

علاوة على ذلك، فقد وعد محمد بن سلمان ترامب بالمزيد من الصفقات وهو أقصى ما يطمح إليه.

في أواخر العام الماضي، عقد كوشنر صفقة بيع أسلحة تصل قيمتها إلى 110 مليار دولار. تبقى فحوى هذه الصفقة غير معروفة (حيث لم يتم توقيع العديد من العقود التي كان من المزمع إبرامها)، إلا أن محمد بن سلمان تعهد بإبرام المزيد من الصفقات في المستقبل.

وكان قد صرح محمد بن سلمان لـ"بلومبرغ" قائلا إنه عندما وصل ترامب إلى البيت الأبيض، " قمنا بتغيير استراتيجية التسلح مرة أخرى خلال السنوات العشر القادمة، لنجعل أكثر من 60٪ منها مع الولايات المتحدة".

وقال ريدل وغيره من الخبراء السعوديين إنه في الوقت الذي يحاول فيه محمد بن سلمان ربط صداقات مع أناس في مناصب رفيعة، فإن ذلك قد جعله أكثر تهورا ووحشية في الحملة التي يقودها ضد معارضيه. لقد خدع أصحاب النفوذ في العالم الغربي بحديثه عن الاعتراف بإسرائيل وخفض الدعم للوهابية، التي أدت إلى تطرف جزء كبير من العالم الإسلامي. كما إنه تمكن العام الماضي من خلال تكرير هذه العبارات من خداع توماس فريدمان، الذي يعمل في صحيفة "نيويورك تايمز" ووصفه بـ"الأمل المتجدد للربيع العربي".

وقالت سارة ليا ويتسن، التي تشرف على شؤون الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش: "يمكن اعتبار محمد بن سلمان عبقريا، إلا أنه جبان متهور وسفاح ... من منظور مكيافيلي بحت، إذ لم يمتلك أي أحد في العائلة المالكة هذا القدر من السلطة".

قال ريدل أنه يمكن اعتبار ما يحدث اليوم تحولا في النظام القديم الذي كان قائما على الإجماع العائلة الحاكمة، مضيفا "يقوم نظام الحكم في السعودية على الملَكية المطلقة، وعلى الرغم من ذلك فقد كان يحترم المعايير الدولية في أغلب الأحيان...فلم يتم خطف وقتل النقاد بهذه الطريقة الفظيعة، كما لم يتم احتجاز المئات من المواطنين في فندق ريتز كارلتون وابتزازهم [كما فعل محمد بن سلمان الخريف الماضي]. ولم يتم وضع ولي عهد سابق تحت الإقامة الجبرية. هذا يعكس إلى حد ما الطبيعة غير المستقرة لمنصب بن سلمان وشرعيته المهتزة، وحكمه المتهور ".

إن هناك من يعتقد بأن الحرب السعودية ضد الحوثيين الذين تدعمهم إيران في اليمن من صنيع محمد بن سلمان، الذي كان وزيرا للدفاع عندما بدأت الحرب عام 2015.

توفي وزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل على إثر وعكة صحية قبل بدأ الحرب، ومن الجدير بالذكر أنه عارض الحرب على اليمن.

انطلاقا من هذا المنظور، لم يكن اغتيال خاشقجي بالضرورة لحاكم يبدو أنه يعتقد أنه محصن من الانتقام. (نفى المسؤولون السعوديون إلحاق أي ضرر بخاشقجي داخل القنصلية وأكدوا أنه غادر المبنى).

وعلى الرغم من ذلك كله، يعتبر بعض النقاد أن ما حصل لخاشقجي يعد تماديا وشططا في استعمال السلطة. وأشار ريدل إلى أن مسؤولي الاستخبارات يعتبرون أن اختطاف خاشقجي عمل طائش وغير مدروس ولهذا استطاعت السلطات التركية فضحه بسرعة.

بالإضافة إلى جهوده المتعثرة لتحديث الاقتصاد السعودي - الذي يرى محمد بن سلمان أنها مبرر لحملته الداخلية - يمكن لقضية خاشقجي أن تضع ولي العهد في موقف حرج وتدفع بوالده وأصحاب القرار في العائلة الحاكمة إلى إعادة النظر في مدى ملاءمته لاستلام زمام الأمور.

أما بخصوص الولايات المتحدة، إذا ما سيطر الديمقراطيون على مجلس النواب خلال انتخابات القادمة في 26 من تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، فمن المحتمل أن يتم تعليق صفقات السلاح مع السعودية، والذي سيكون بمثابة نكسة لمحمد بن سلمان.

وقال ريدل: "لا يزال يتمتع بحماية والده، وهذا أمر مهم"، مضيفا "لكنني لن أندهش إذا ما تم عزله أو كانت هناك محاولة لاغتياله".