السبت 2022/04/23

إعادة انتشار روسية – إيرانية: عين موسكو على الفوسفات السوري

شهدت بعض مناطق الانتشار المتداخل للقوات الروسية وتلك المدعومة من إيران وسط سورية باتجاه البادية تغييرات في الآونة الأخيرة لصالح تعزيز نفوذ المليشيات المرتبطة بطهران.

 

وفيما فسر البعض هذا الأمر على أنه أحد تداعيات الانشغال الروسي بحرب أوكرانيا، ما سمح لإيران بسد الفراغات الناجمة عن التراجع الروسي، رأى آخرون أن ذلك يرتبط بأجندة روسية جديدة تركز على القضايا الاقتصادية، وخصوصاً الفوسفات في تلك المنطقة، مع ترك المواجهات مع تنظيم "داعش" في البادية للنظام السوري وحلفائه الإيرانيين.

 

ووفق مصادر متطابقة، فقد أعادت القوات الروسية والإيرانية الانتشار في موقعين بريف حمص الشرقي، وفق تفاهمات، يرجح أن تكون فرضتها ظروف مرحلة الغزو الروسي لأوكرانيا، التي أدت إلى تقليص عديد القوات الروسية في سورية.

 

انسحاب إيراني من معسكر التليلة

ووفق المتحدث باسم شبكة "عين الفرات" المحلية أمجد الساري فإن القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها انسحبت، بموجب التفاهمات، من معسكر التليلة، وانتشرت على أطراف بلدة مهين جنوب شرقي حمص التي كانت تسيطر عليها القوات الروسية، والتي تحوي ثاني أكبر مستودعات للسلاح والذخيرة في سورية. 

 

وأضاف الساري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن القوات الروسية دخلت إلى معسكر التليلة، الذي تم إنشاؤه من قبل "الحرس الثوري" الإيراني في مارس/ آذار العام الماضي، وذلك للإشراف على عملية تفريغ المعسكر من كامل المعدات والآليات والعناصر، نحو موقعهم الجديد في منطقة مهين جنوب شرق حمص. 

 

تسليم مستودعات مهين إلى "الحرس الثوري"

وأضاف أن الروس سوف يتمركزون في المعسكر عقب إخلائه من الإيرانيين، وذلك ضمن تفاهمات روسية إيرانية تقضي بانسحاب القوات الروسية من مستودعات مهين وتسليمها إلى "الحرس الثوري"، وتسليم مواقع أخرى يسيطر عليها الحرس للروس، في عملية إعادة انتشار الطرفين في بادية حمص الشرقية.

 

وكانت القوات الروسية قد سيطرت على مستودعات مهين مطلع عام 2017، بعد حملة عسكرية ضد تنظيم "داعش" الذي كان سيطر عليها عام 2015 بعد قتال عنيف مع قوات المعارضة. ومع هذه التغييرات، باتت مستودعات مهين الاستراتيجية والكبرى في البلاد خاضعة بشكل كامل للمليشيات الإيرانية و"الفرقة الرابعة" و"حزب الله" اللبناني.

 

وترافق هذا الأمر مع تحركات مكثفة وغير معتادة للمليشيات التابعة لإيران في مناطق مختلفة من سورية. وتمثلت بعمليات إعادة انتشار وتموضع خلال الأسابيع الماضية، في محاولة لاستثمار الانشغال الروسي في أوكرانيا من جهة، وخوفاً من أي عمليات استهداف إسرائيلية أو طائرات التحالف.

 

وكانت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية قد ذكرت، في تقرير في 18 الشهر الحالي، أن روسيا تسحب بعض وحداتها من سورية لتعزيز قواتها في أوكرانيا، فيما يقوم مقاتلون إيرانيون وأعضاء جماعات مؤيدة لطهران بملء تلك المواقع، بناء على طلب من رئيس النظام بشار الأسد وبموافقة الروس. 

 

وأضافت أن أعداد القوات الإيرانية في سورية لم تتغير عقب هذه الخطوات، وإعادة انتشارها لا تغيّر حجم التهديد لإسرائيل. وأشارت إلى أنه تم وضع "اللواء 47" التابع لقوات النظام تحت قيادة إيرانية في جنوب محافظة حماة. وفي حين اعتبرت أن التنسيق الجوي بين إسرائيل وروسيا في سورية لم يتغير حتى الآن، فقد نقلت عن مصدر عسكري إسرائيلي قوله ان إسرائيل "ربما تضطر لزيادة وتيرة الهجمات في سورية في المرحلة المقبلة". 

 

مهبط روسي للمروحيات قرب منجم الشرقية

وإضافة إلى انشغالاتها في حربها على أوكرانيا، فإن ما يحدد التحركات العسكرية الروسية في سورية هو اهتمامها المتجدد بالتقرب من الثروات في البلد، وخصوصاً مناجم الفوسفات شرق حمص، حيث انتهت، وفق شبكات محلية، من إنشاء مهبط للمروحيات على أطراف منجم الشرقية، الذي يعتبر ثاني أكبر مناجم استخراج الفوسفات، بريف حمص الشرقي.

 

ويعتبر مهبط المروحيات في ريف حمص الشرقي الثاني من نوعه في سورية، بعدما أنشأت القوات الروسية، أواخر العام الماضي، مهبطاً مشابهاً داخل حقل شاعر النفطي جنوب شرق مدينة تدمر. وتعمل شركات الاستثمار الروسية على نقل إنتاج الفوسفات من ريف حمص الشرقي إلى مرفأ طرطوس، تحت حماية مليشيا محلية، ليتم تحميله على سفن لنقله إلى روسيا.

 

وتسيطر روسيا على أكبر منجمين لاستخراج الفوسفات في سورية، هما الصوانة والشرقية، فضلاً عن تقاسمها إنتاج منجم خنيفيس مع الشركات الإيرانية، التي حصلت على عقود استثمار في المنطقة بعد تفاهمات مع حكومة النظام. وكان الأسد قد وقع، في 14 إبريل/ نيسان 2018، على عقد مدته 50 سنة، تستخرج بموجبه شركة "ستروي ترانس غاز لوجستيك" الروسية خامات الفوسفات من مناجم الشرقية، على أن يتم تقاسم الإنتاج بين الطرفين.

 

ورغم أن سورية كانت تحتل مكانة متقدمة في إنتاج الفوسفات قبل 2011، الا أن خبراء اقتصاديين سوريين يعتقدون أن المردود لروسيا من الفوسفات السوري سيكون هزيلاً، طالما هناك تهديد أمني لعمليات الاستخراج، ومنها "داعش" الموجود في البادية السورية على شكل خلايا، إذ سبق أن استهدف القطار الذي ينقل الفوسفات إلى معمل البتروكيميائيات في حمص ومن ثم إلى مرفأ طرطوس.