الخميس 2020/03/05

تحليل: عقد اتفاق مع «صندوق النقد الدولي» يبدو سبيل لبنان الوحيد للخروج من الأزمة

قال خبراء اقتصاديون ودبلوماسيون وسياسيون أنه يتعين على حكومة لبنان التغلب على مخاوفها، والتوصل إلى اتفاق إنقاذ مع «صندوق النقد الدولي»، وإلا فستواجه خطر انهيار اقتصادي ومزيدا من الاضطرابات.

وفي أحاديثهم غير العلنية، يقر بعض مسؤولي الحكومة بأن خطة إنقاذ من «صندوق النقد الدولي» هي الحل الأكثر منطقية لأزمة لبنان الاقتصادية، وذلك حسب مصدر على دراية بالمناقشات الجارية.

لكن لتنفيذ برنامج إنقاذ مثل هذا، سيكون على الحكومة الجديدة التغلب على اعتراضات من «حزب الله»، صانع القرار القوي في حكومة رئيس الوزراء حسان دياب، وحلفائه من المسيحيين والشيعة، الذين يساورهم القلق حيال الإجراءات التقشفية التي ستنطوي عليها خطة إنقاذ من «صندوق النقد الدولي».

وبينما تستمر أزمة لبنان المالية وتتضاءل الإيرادات الحكومية، ترتفع فاتورة إنقاذ البلاد. ويشير تقدير ناصر سعيدي، وزير الاقتصاد السابق ونائب حاكم المصرف المركزي سابقا، إلى أن الاقتصاد سيحتاج 30 مليار دولار و25 مليار دولار إضافية لإعادة رسملة النظام المصرفي.

وقال سعيدي «لبنان بحاجة إلى سيولة خارجية ليس فقط من أجل ميزان المدفوعات، وإنما أيضا للحكومة … لذا فإن الحزمة الخارجية وبرنامج الإصلاح من صندوق النقد الدولي، الذي يأتي مع جميع الإصلاحات المرتبطة به والتي نحتاجها، في غاية الضرورة».

يقترب موعد سداد سندات دولية بقيمة 1.2 مليار دولار تستحق في التاسع من الشهر الحالي. ويقول اقتصاديون ومحللون أنه على الرغم من أن لبنان ربما يعيد هيكلة ديونه المقومة بالنقد الأجنبي، فإن من المستبعد أن يكون ذلك كافيا للتعامل مع عبء الديون بالكامل.

وتشير تقديرات «صندوق النقد الدولي إلى وصول دَين لبنان العام إلى 155 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بحلول نهاية 2019، وهو أحد أكبر أعباء الديون في العالم.

ومن شأن أي خطوة لإعادة الهيكلة أن تزيد الضغوط على البنوك المحلية، والتي باتت بعد سنوات من تحويل ودائعها إلى الدولة منكشفة على الدَين السيادي اللبناني الذي يبلغ تقريبا مثلي قاعدة رأسمالها. وقد تبحث الحكومة إجبار المودعين على تحمل خسائر كطريقة أخرى لتخفيف العبء. لكن النظام المصرفي اللبناني مبني على اجتذاب ودائع من الخارج، والاستيلاء على مثل تلك السيولة سيجعل الأمر أكثر صعوبة على لبنان لجذب عملة صعبة في المستقبل.

وتشهد البنوك بالفعل انخفاضا في الودائع على الرغم من الفرض الفعلي لقيود على رؤوس الأموال للمدخرين العاديين، والحاجة الملحة إلى إعادة ملء ميزانياتها العمومية.

وعين لبنان بنك الاستثمار الأمريكي «لازارد» ومكتب المحاماة البريطاني «كليري غوتليب ستين أند هاملتون» الأسبوع الماضي لتقديم المشورة.

لكن مع ارتفاع معدل التضخم إلى 30 في المئة، وانخفاض قيمة العملة بنسبة 40 في المئة منذ أكتوبر/تشرين الأول، وزيادة عدد العاطلين بشكل يومي، يقول محللون أن السبيل الوحيد للحصول على عشرات المليارات من الدولارات التي يحتاجها لبنان حاليا هو اتفاق كامل مع «صندوق النقد الدولي».

وقال توفيق غاسبار، وهو خبير اقتصادي سابق للحكومة والمصرف المركزي «صندوق النقد الدولي يفتح أبواب المساعدة الدولية. لا مفر من برنامج الصندوق. من المرجح أن يوافق حزب الله في نهاية المطاف على خطة صندوق النقد الدولي لأنه ليس لديه خيار آخر. سيكون البديل أزمة سياسية واقتصادية خطيرة».

وقالت الحكومة أنها تعكف على خطتها الخاصة للإنقاذ دون اللجوء إلى برنامج من الصندوق، وأنها تسعى فقط إلى مساعدة فنية منه.

وقال مسؤول بارز بحزب الله إن الشروط التي تفرضها أي خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي ستشعل اضطرابات اجتماعية. وامتنع صندوق النقد عن التعقيب، لكنه أشار إلى بيان اصدره الأسبوع الماضي عندما قال أن خبراءه أجروا على مدى خمسة أيام محادثات «قيِّمة ومثمرة» مع السلطات اللبنانية، وأنه على أهبة الاستعداد لإسداء المزيد من المشورة الفنية في ظل صياغة الحكومة اللبنانية خططها للإصلاح الاقتصادي.

,يقول محللون إنه يتعين على «حزب الله» تخفيف موقفه لأن قاعدته الانتخابية الشيعية، وخصوصا أولئك الذين تعج بهم قوائم الرواتب العامة، ستكون من بين الأكثر تضررا من انهيار اقتصادي، ولأنال صندوق هو البديل الوحيد لتلك النتيجة الخطيرة.

وقال آلان عون، العضو البارز في حزب «التيار الوطني الحر» وحليف «حزب الله»، في مقابلة «إذا لم تُتخذ القرارات الصحيحة العقلانية، فهناك انهيار كبير آت، ومن غير المعروف ماذا سينتج عنه: هل سيكون لبنان كما هو أم لبنان آخر».

وأضاف «الثمن سيكون باهظا جدا للنظام اللبناني، أكبر من مجرد تغيير للحكومة»، مشيرا إلى أنه حتى الآن لم يقدم أي حزب بديلا معقولا لبرنامج صندوق النقد الدولي.

ويُعتبر الفساد وسوء الإدارة السببان الجذريان لمشكلات لبنان وأزمته التي شهدت احتجاجات بالشوارع ضد النخبة الحاكمة، ويمثل أخطر تهديد لاستقرار البلاد منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.

وأثارت محاولة من جانب الحكومة السابقة لزيادة الإيرادات عبر فرض ضرائب على إجراء المكالمات عبر تطبيق «واتساب» مظاهرات حاشدة دفعتها في النهاية للاستقالة. لكن صفقة إنقاذ من «صندوق النقد الدولي»، التي ستستلزم إصلاحات هيكلية، قد تتيح أموالا من مصادر أخرى. وعلًق مانحون أوروبيون بقيادة فرنسا، التي سبق أن قادت جهودا سابقة للتأكد من قدرة لبنان على السداد واستقراره، حزمة قروض بقيمة 11 مليار دولار للبُنية التحتية جرى الاتفاق عليها في 2018 بسبب غياب جهود جادة لإصلاح الاقتصاد.

وقال دبلوماسيون أوروبيون أنهم تجنبوا دعوة لبنان إلى طلب مساعدة صندوق النقد الدولي، قائلين إن ذلك يجب أن يكون قرارا لبنانيا، لكنهم شددوا على أن أي تمويل غربي طارئ للبنان لن يكون إلا في إطار برنامج من صندوق النقد.

وقالوا إن المسؤولين اللبنانيين يواجهون صعوبة كبيرة في إقناع المانحين، الذين ضخوا في السابق مساعدات بمليارات الدولارات، بتصديق استعدادهم لتطبيق خطة الإصلاح بأنفسهم.

وقال أحد أولئك الدبلوماسيين «إذا لم يروا أنهم بحاجة إلى صندوق النقد الدولي، فهم بحاجة إلى السير بشكل مختلف لكنهم ليسوا لديهم خطة بديلة … إنك تتحدث إلى شخص على وشك الغرق».